بصمات

انتصارات وهزائم عربية في الأولمبياد الرياضي

الأولمبياد الرياضي الذي يُنظّم مرّة كل أربع سنوات ليس مجرد منافسات رياضية وحسب، وإلّا ما كنا نعاين هذا التنافس بين العديد من الدول على تنظيمه، وما كنا نعاين انتظار شعوب العالم لحظة عزف نشيدها الوطني على هامش الظفر بالميدالية الذهبية في هذه الرياضة أو تلك، بل قد يصل الأمر إلى حضور صنّاع القرار أنفسهم، من أجل الاحتفاء بتلك اللحظات، من طينة ما عاينّا مؤخرًا في ألمانيا، على هامش نهائي كرة القدم بين الفريقين الإسباني ونظيره البريطاني، حيث حظر ملك إسبانيا شخصيًا، من أجل تسليم كأس الفوز للفريق الإسباني، ومن باب أولى أن نعاين مثل هذه المشاهد في المنافسات الأولمبية.

انتصارات وهزائم عربية في الأولمبياد الرياضي

بالنسبة للدول العربية، المسألة تبدو أشبه بامتحان مؤرق وموجع من فرط المقارنة والتقويم والمحاسبة، والمقصود بالمقارنة، انخراط المشاهد العربي في مقارنة الوزن العربي الرياضي المشارك مقارنةً مع وزن باقي الدول، وكذلك المقارنة في النتائج.

غالبًا ما تكون الإنجازات العربية التي تتحقق في الألعاب الأولمبية مردها المشاركة في رياضات فردية، مثل ألعاب القوى أو الملاكمة أو السباحة، بخلاف الأمر مع المشاركة في الرياضات الجماعية.

على سبيل المثال، السبّاح الأمريكي مايكل فيلبس، فاز بـ28 ميدالية طيلة مشواره الرياضي الخاص بالأولمبياد، وضمن تلك الميداليات، 23 منها كانت ذهبية، والحال أنّه لا توجد رياضة لدولة عربية معينة، حققت هذا الإنجاز طيلة المشاركة في تاريخ الأولمبياد.

المناسبات الرياضية تجسّد امتحانات تتعلّق بأداء السياسات العمومية العربية في التعامل مع قطاعات الرياضة والشباب

بل لا توجد رياضة واحدة تهم مجمل الدول العربية، حققت الإنجاز نفسه، بما في ذلك الإنجازات التي حققها المغرب في ألعاب القوى أو تونس في السباحة، ضمن إنجازات أخرى، بقيت حالة خاصة.

صحيح أنّنا نسمع بين الفينة والأخيرة عن فوز بعض الرياضيين العرب، من الجنسين، وإن كانت الغلبة للذكور، ببعض الميداليات الذهبية، من قبيل الأرقام التي يحققها السبّاح التونسي توفيق المثلوثي أو تلك التي يُحققها العداء المغرب سفيان البقالي ضمن نماذج أخرى، لكن هذه الانتصارات العربية الصريحة، تبقى انتصارات فردية أولًا وأخيرًا، وإن أسعدت بالطبع شعوب وحكومات المنطقة، مقابل الإخفاقات الكبيرة شبه المُعَمّمة التي تُميّز أداء المشاركة العربية في أغلب هذه الدورات.

عندما فاز الثنائي سعيد عويطة ونوال المتوكل في دورة لوس أنجلس، تخصص ألعاب القوى، صرّح الملك الحسن الثاني بعبارة دالة في سياقنا هذا، على الأقل في السياق الذي يُزكّي عدم اختزال هذه الأحداث في شأن رياضي صرف، ومما جاء في التصريح أنّ نسبة من الرأي العام الأمريكي لم تكن تعرف أين يوجد المغرب ولا بالأحرى لديها معرفة عن ثقافته وهويته وقضاياه.

أمّا تبعات الإنجازات التي حققها المنتخب المغربي لكرة القدم في نهائيات كاس العالم بقطر، (نوفمبر/تشرني الثاني 2022)، فقد وصلت إلى القطاع السياحي، حتى إنّه أعلن رسميًا في منتصف شهر يوليو/تموز، أنّه لأول مرة تتفوّق السياحة المغربية على نظيرتها المصرية من حيث عدد السائحين الذي حطوا الرحال في المغرب.

بالنتيجة، نزعم أن مثل هذه المناسبات الرياضية، لا تجسّد امتحانات حقيقية لأداء الوزارات الوصية على القطاعات الرياضية وحسب، وإنّما امتحانات موازية وذات أهمية أكبر، تتعلّق بأداء السياسات العمومية العربية في التعامل مع قطاعات الرياضة والشباب، وبالتالي، فإنّ هذا التواضع العربي المتكرر في الإنجازات الرياضية، يهم بشكل مباشر أداء الحكومات العربية وبالتحديد، أداء السياسات العربية العمومية التي تهم قطاعات الرياضة والشباب.

ما يجب أن تتفطن إليه دوائر صناعة القرار في المنطقة العربية أنّ هذه الفعاليات ليست مجرد فعاليات رياضية

واضحٌ أنّ الخوض في تقييم وتقويم هذه السياسات، مسألة متواضعة جدًا، إن لم تكن نادرة في الساحة، لأنّه من شأن فتح هذه الأوراش النقدية، استحضار مؤشرات الحكامة والفساد والإصلاح، ضمن مؤشرات أخرى، تُميّز أداء عدة قطاعات حكومية، وليس القطاعات المرتبطة بأداء الرياضيين العرب.

أولمبياد رياضي عالمي تحتضنه العاصمة الفرنسية باريس طيلة شهر تقريبًا، سوف تتابعه شعوب العالم بأسره، لكن مع تباين كبير بخصوص هواجس وتبعات المواكبة، وهذا ما يجب أن تتفطن إليه دوائر صناعة القرار في المنطقة العربية، لأنّ هذه الفعاليات ليست مجرد فعاليات رياضية وحسب.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن