وجهات نظر

نظرية "الكلّ أكبر من أجزائه": هل تنجح في حالة التكامل الاقتصادي العربي؟

يُعتبر الفيلسوف الإغريقي أرسطو أول القائلين بنظريّة أنّ "الكلّ أكبر من أجزائه الفردية"، لكن تأثير هذا القول في العالم المادي يمكن تطبيقه بشكل أفضل في حالة التكامل الاقتصادي، لا سيما داخل العالم العربي، وذلك لأنه يتباطأ بشكل ملحوظ في هذه الحالة، على الرغم من تشابهه الثقافي، وتسلسله الجغرافي (أنظر الخريطة المرفقة بالنصّ)، وموقعه الاستراتيجي، ومجاورته لثلاث قارات (آسيا وأوروبا وأفريقيا) ولمحيطين كبيرين (الأطلسي والهندي) وثلاثة بحار (الخليج العربي، البحر الأبيض المتوسط​​ والبحر الأحمر).

نظرية

على الرغم من أنّ العالم العربي قد تبنّى رسميًا المرحلة الأولى من التكامل - لا سيما في منطقة التجارة الحرة – لكنها صُنّفت إلى حدّ كبير على أنها سيئة التطبيق وغير فعّالة. والجدير بالذكر أنّ منطقة التجارة الحرة، من خلال التآزر بين اقتصاديات الحجم والنطاق، تجعل الاقتصادات أكثر إنتاجية إذ تمكّن البلدان من تخصيص وإنتاج سلع بكمية أكبر وأفضل لخدمة السوق المتكاملة الكبيرة فتعمل بذلك على تحقيق فوائد دَخل وإنتاج أعلى.

وتُظهر الأدلة والتجارب الدولية أنّ المكاسب الثابتة أو قصيرة الأجل يمكن أن تصل إلى ما يقارب 6-7٪ من وفورات الحجم و3-4٪ من زيادة الإنتاجية. ونسبة الـ10٪ الأعلى هذه يُمكن أن تُترجم في سياق العالم العربي (أنظر الجدول أدناه) إلى زيادة قدرها 35.4 مليار دولار مما يجعل المجموع الكلي (3536.1 مليار دولار + 35.4 مليار دولار) أكبر من مجموع الأجزاء الفردية (3536.1 مليار دولار).

هذا ليس كل شيء.. فبالإضافة إلى المكاسب الثابتة من التجارة الحرة، هناك مكاسب ديناميكيّة. وهذه المكاسب الديناميكيّة هي الأكثر أهمية لأنها تجعل الاقتصادات المتكاملة أكثر دقةً وأكبر حجمًا على المدى الطويل. وهو ما ينعكس من خلال انتشار المعرفة، والمزيد من المنافسة، وارتفاع مستوى الاستثمارات. وهذا بحدّ ذاته يمكن أن يُضيف بسهولة، أكثر من 10٪ إلى الناتج والدخل. وبعبارة أخرى، تعكس المكاسب الثابتة زيادات في الناتج بسبب تأثيرات الكفاءة، بينما تعكس المكاسب الديناميكيّة زيادات في الناتج بسبب زيادة الاستثمارات واستخدام الموارد وحشدها. وإذا أخذنا في الحسبان المراحل الأعلى من التكامل التي يمكن للعالم العربي أن يدخلها كالاتحاد الجمركي، والسوق المشتركة، والاتحاد الاقتصادي، يمكن كذلك مضاعفة المكاسب بشكل أكبر.

فوائد التكامل الاقتصادي واضحة ومعروفة وموثّقة، لكنها ليست مضمونة

هذا ما تدلّ عليه النظرية والأدلة الكليّة الواضحة، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يحدث المزيد من التكامل الاقتصادي في العالم العربي وفي أماكن أخرى؟ لأنّ عملية التكامل الاقتصادي، بطبيعة الحال، ليست سهلة أو بسيطة. فحتى مع المرحلة الأولى من "منطقة التجارة الحرة"، وعلى الرغم من أنّ الاقتصاد في مجمله يتحسّن وينمو بشكل أفضل نتيجةً لهذا التكامل، تظهر مشاكل توزيع خطيرة بين أصحاب المصالح المختلفة الذين يشكلون الاقتصاد: بين المستوردين والمصدّرين، وبين العمالة ورأس المال، بين القطاعات الزراعية والخدماتية والتصنيعية، من دون إغفال التباين بين رموز الأنماط السياسيّة التقليدية وتلك الجديدة. وهكذا مشاكل لا تختفي بالضرورة عندما ننتقل إلى مراحل أعلى من التكامل، فعلى سبيل المثال، استفادت جميع البلدان من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولا سيما الوافدون المتأخرون إليه من أوروبا الشرقية، باستثناء اليونان حيث انخفض دخل الفرد بنسبة 12٪، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى سوء الإدارة الاقتصادية وضعف الإدارة العامة في البلاد.

لذا فإنّ فوائد التكامل الاقتصادي واضحة ومعروفة وموثّقة، لكنها ليست مضمونة. فهل يعود السبب في ذلك إلى الاعتماد على المتطلّبات الاقتصادية والسياسية والمؤسسية المسبقة لضمان التكامل الفعال (بغضّ النظر عن الروابط الثقافية والجغرافية)؟ هذه أسئلة يمكن أن نستكشفها في مقالات لاحقة عن العالم العربي.

(ترجمة: لبنى يونس- عروبة 22)

يتم التصفح الآن