يعكس الاهتمام المصري المتزايد بالصومال، مساعي القاهرة لكبح الطموح الإثيوبي في امتلاك قاعدة عسكرية تطل على البحر الأحمر، تكسر العزلة الجغرافية الأبدية لإثيوبيا، التي تعتبر دولة "حبيسة"، لا تطلّ على سواحل أو شواطئ منذ انفصال إريتريا المطلّة على البحر الأحمر، رسميًا عنها عام 1993.
وتُمثّل موافقة الحكومة الصومالية على اتفاقية الدفاع مع مصر، والتي تُعتبر الثانية من نوعها التي توقعها مقدشيو بشكل رسمي هذا العام بعد اتفاقية مماثلة مع تركيا، رسالة غير مباشرة لأديس أبابا، عبر تأكيد صومالي رسمي بالاستعداد للحرب، إذا اندفعت حكومة رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد في ذلك الاتجاه.
ومع أنه لم يتم الافصاح عن تفاصيل الاتفاق، الذي أعلنه التلفزيون الرسمي للصومال، في بيان مقتضب، عقب اجتماع استثنائي للحكومة الصومالية، ثمة تكهنات باستعداد الصومال لمنح مصر قاعدة عسكرية.
ولا تبدو الاتفاقية معزولة عن مساعي الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، لإعادة بناء قوات الجيش لتتمكن من دحر عناصر حركة الشباب، التي لا زالت تسعى لملاحقة قواعد الجيش الصومالي في الداخل ومهاجمتها.
وبينما قد تأتي الاتفاقية، كمحاولة مشتركة من الصومال ومصر، للرد على مذكرة التفاهم المثيرة للجدل بين هرجيسا وأديس أبابا، لمنح الأخيرة إمكانية التواجد العسكري، للمرة الأولى على شواطئ البحر الأحمر، فإنّ ثمة تحذيرات من أنّ إثيوبيا ستعتبرها تهديدًا استراتيجيًا، ومحاولة مصرية صومالية مشتركة لردعها.
ورغم التشكيك في قدرة القاهرة، على كبح جماح مساعي أديس أبابا للوصول إلى البحر، بسبب عدم قدرتها على التأثير في تصرفات إثيوبيا لتشغيل سد النهضة، تدشّن مصر عبر شراكة أمنية مع الصومال، جبهة جديدة في حربها الخفية ضد نفوذ إثيوبيا المتزايد، ما اعتبره البعض بمثابة لعب بالنار.
وأعلنت الخارجية الصومالية أنه "لا مجال لوساطة لحل الخلاف مع إثيوبيا، بعد توقيعها مذكرة، مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، تمهّد الطريق لبناء قاعدة عسكرية إثيوبية، وتأجير ميناء بربرة على البحر الأحمر لـ50 عامًا، مع الإقليم الذي لا يحظى بأي اعتراف رسمي، منذ انفصاله عن الصومال عام 1991".
وخلال اجتماعهما مؤخرًا في القاهرة، تطرق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مؤتمره الصحفي المشترك، مع نظيره الصومالي، إلى اتفاقية الدفاع العربي المشترك، لحماية الصومال، علمًا بأنّ الاتفاقية التي أُبرمت في القاهرة عام 1950 بهدف حفظ وصيانة الأمن القومي العربي، ضمت 7 دول عربية، هي مصر والأردن وسوريا والعراق والسعودية ولبنان واليمن، وانضم إليها الصومال لاحقًا، تنص على اعتبار "أي عدوان علي أي دولة موقعة على البروتوكول عدوانًا على باقي الدول، وأي مساس بدولة من الدول الموقعة على البروتوكول، يُعتبر مساسًا صريحًا بباقي الدول الموقعة".
يراهن البعض على أنّ تنامي الإدراك المصري بالأهمية الاستراتيجية للصومال، يشكل انطلاقة لمفاهيم مصرية جديدة بشأن القرن الأفريقي والبحر الأحمر وبناء رؤية استراتيجية بعيدة المدى وإعادة رسـم خريطة وحدود الدور المصري، عبر فرض صياغات أمنية جديدة في المنطقة.
وعكست مشاركة رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي، في حفل تنصيب الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود، في زيارة نادرة لمسؤول مصري بهذا المستوى منذ عدة سنوات، سعي القاهرة لتعزيز نفوذها في البحر الأحمر.
أحد دوافع التحرك المصري الفاعل في المنطقة، هو عزل النهج التوسعي الذي يمارسه نظام آبي أحمد منذ عام 2018، عبر إعادة رسم خريطة القرن الأفريقي وفقًا لمفهوم السلام الإثيوبي "باكس إثيوبيانا"، بهدف الوصول إلى البحر والتخلص من لعنة "الدولة الحبيسة".
ويشدد اللواء محمد عبد الواحد، خبير الأمن القومي والاستراتيجي المصري، في تصريح لـ"عروبة 22" على أنّ "القرن الأفريقي بمفهومه الجيوسياسي الأوسع يتطلب بالضرورة أن تكون مصر موجودة لتدارك هذه التطورات، خصوصًا مع توقعات بزيادة وتيرة الصراع في المنطقة، نتيجة أوضاع داخلية والتأثيرات الدولية، وتزايد النزعة الانفصالية في عدة أقاليم بالمنطقة".
ولهذا يعتبر المحللون أنّ أيّ خلل في القرن الأفريقي يؤثر بشكل مباشر على مصر، وبالتالي فإنّ وجودها هناك أمر حتمي لسببين، أولهما التواجد بالقرب من منابع نهر النيل، بسبب المخاطر المترتبة على سد النهضة الإثيوبي، والتهديدات القادمة من اليمن، وتأثيراتها السلبية على الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.
ويذهب عبد الواحد إلى أبعد من ذلك، عبر المطالبة بإقامة قاعدة عسكرية مصرية هناك خلال الفترة المقبلة على غرار التواجد العسكري لبعض الدول الأخرى. من هذه الزاوية، تبدو الاتفاقية العسكرية الأخيرة بين مصر والصومال، مهمة في ظل التحديات المشتركة التي يواجهها البلدان على اعتبار أنّ منطقة القرن الأفريقي معرّضة خلال الفترة القادمة لأن تشهد تطورات كثيرة.
وليس سرًا أنّ مصر ترغب في استبعاد إثيوبيا من أية ترتيبات أمنية تضم الدول الفاعلة المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وسط مخاوف من أنّ عدم احتواء التوترات المتصاعدة بين مقديشو وأديس أبابا، سيغيّر الموازين والحسابات الجيوسياسية.
وعلى هذا، فإنّ مساعي مصر لتعزيز وجودها في منطقة القرن الأفريقي، عبر اتفاقية دفاعية مع الصومال، في ظل تصاعد التوترات مع إثيوبيا، يستهدف تعزيز الأمن المصري واستعادة التوازن الاستراتيجي المفقود.
(خاص "عروبة 22")