واصلت الصحف العربية الصادرة اليوم مواكبة مستجدات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، على وقع بروز فرصة جديدة للتوصل إلى تسوية في قطاع غزة، بالرغم من المخاطر الكامنة، بسبب سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سبق له أن أجهض أكثر من فرصة سابقة، بالإضافة إلى التداعيات المحتملة لردود إيران و"حزب الله"، على إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية والقيادي العسكري في الحزب فؤاد شكر.
في هذا السياق، شددت قطر ومصر والولايات المتحدة، في بيان مشترك، على أنه حان الوقت لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، معلنة دعوتها الطرفين، إسرائيل وحركة "حماس"، إلى استئناف عاجل للمفاوضات يوم الخميس المقبل 15 أغسطس/آب الحالي في الدوحة أو القاهرة لسد كل الفجوات المتبقية، والبدء بتنفيذ الاتفاق دون أي تأخير. في حين أعلن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه سيرسل فريق التفاوض للمكان الذي يتفق عليه، لتحديد بنود وإطار الاتفاق الخاص بوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى.
وكان نتنياهو قد جدد تأكيده أن الهدف في غزة يجب أن يكون تحقيق نصر حاسم، لدرجة أنه عندما يتوقف القتال، لا تكون حركة "حماس" قادرة على المطالبة بالحكم في الأراضي الفلسطينية أو تشكيل تهديد لإسرائيل، أما بالنسبة إلى مخاطر توسع رقعة الحرب في غزة إلى نزاع إقليمي، فأشار إلى أنها مخاطرة يدركها، لكنه مستعد لخوضها، مشيراً إلى أنه يفضل أن يحصل على تغطية إعلامية سيئة على أن يحظى بنعي جيد. بينما اعتبر القائم بأعمال وزارة الخارجية في إيران علي باقري أن إسرائيل ليست في موقع يمكنها من شن حرب ضد بلاده، لافتاً إلى أن تل أبيب تسعى إلى تصدير التوتر والحرب والأزمة من غزة إلى سائر المنطقة.
في هذا الإطار، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن عائلات الأسرى الإسرائيليين دعوتهم الحكومة الإسرائيلية ومن يرأسها إلى "التصرف بمسؤولية والموافقة على التفاصيل النهائية للصفقة". في حين نقل موقع "والاه" العبري عن مسؤول إسرائيلي قوله إنّ فكرة استئناف المفاوضات يوم الخميس كانت فكرة أميركية طرحت على إسرائيل خلال الأيام الماضية، مضيفين أن "إسرائيل ستذهب إلى أي مكان وستتعاون مع أي مسار يفضي إلى صفقة للإفراج عن المختطفين".
بالتزامن، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤول أميركي قوله إن الرئيس الأميركي جو بايدن أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه لم يعد هناك أي عذر لتأجيل صفقة غزة. في وقت أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن الولايات المتحدة حذّرت إيران من أن حكومتها المنتخَبة حديثاً واقتصادها قد يتعرضان لضربة مدمّرة، إذا شنت هجوماً كبيراً ضد إسرائيل.
على مستوى التطورات الميدانية في قطاع غزة، استشهد 32 فلسطينياً وأصيب آخرون، نتيجة قصف الجيش الإسرائيلي مدرستين تؤويان نازحين ونسف منازل في وسط وجنوب قطاع غزة. في وقت طالب فيه الجيش الإسرائيلي سكان أحياء جديدة في مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، بإخلائها قسراً، تمهيداً لشن هجوم جديد عليها بادعاء إطلاق حركة "حماس" صواريخ منها.
أما في الضفة الغربية، فقد اقتحمت القوات الإسرائيلية بلدتي السيلة الحارثية وعرابة، وقرى رمانة وزبوبا وتعنك والطيبة والطيبة وعانين في محافظة جنين، كما شنت حملة مداهمات طالت عدة بلدات وقرى في مدينة نابلس. في وقت أصدرت الشرطة الإسرائيلية قراراً بمنع خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري من الدخول إلى المسجد وباحاته لمدة ستة أشهر، فيما أكد الشيخ أن هذا القرار لن يمنعه من القيام بواجبه في الدفاع عن الأقصى.
على صعيد متصل، قررت الحكومة الإسرائيلية، الخميس، حظر تعامل دبلوماسيين نرويجيين مع السلطة الفلسطينية، في خطوة عقابية أخرى ضد النرويج بسبب مواقفها تجاه الفلسطينيين، ولا سيما اعترافها بالدولة الفلسطينية. في حين دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الخطوة الإسرائيلية غير المبررة، لافتاً الى أن "هذا القرار غير المبرر ويتعارض مع روح اتفاقات أوسلو ويعطل بشكل غير متناسب العلاقات الطبيعية والتعاون مع السلطة الفلسطينية".
بالنسبة إلى جبهة جنوب لبنان، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن إسرائيل ستواجه "حزب الله" بكل قوتها في حال واصل "عدوانه" عبر الحدود. بينما لفت وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع وزير الدفاع الإسرائيلي، وناقش معه التحركات الأميركية في الشرق الأوسط للدفاع عن إسرائيل ووقف إطلاق النار في غزة. وأوضح أن "الطائرات الأميركية إف-22 رابتور، التي وصلت إلى المنطقة، تمثل واحدة من بين العديد من الجهود لردع العدوان والدفاع عن إسرائيل وحماية القوات الأميركية في المنطقة".
إقليمياً، هزت انفجارات متتالية، مساء الخميس، منطقة الشعيرات جنوبيّ محافظة حمص وسط سوريا نتيجة غارات إسرائيلية، أدت إلى إصابة أربعة عسكريين بجروح ووقوع بعض الخسائر المادية، وفق ما أفادت وسائل إعلام رسمية. في وقت ذكرت شركة أمبري البريطانية للأمن البحري، في ساعة مبكرة من صباح اليوم، أن سفينة تجارية أصيبت بطائرة مسيرة على بعد نحو 58 ميلا بحريا إلى الجنوب الغربي من الحديدة باليمن. بينما أعلنت القيادة الوسطى الأميركية أنها دمرت، خلال الـ24 ساعة الماضية، صاروخين من نوع كروز مضادين للسفن تابعين للحوثيين، كما أشارت إلى أنها دمرت زورقاً مسيّراً للحوثيين في البحر الأحمر.
في هذا المجال، كشف مصدر بالمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لصحيفة "الجريدة" الكويتية، أن طهران تسلمت عرضاً سخياً من الولايات المتحدة، أمس الأول، يتضمن إلغاء قسم كبير من العقوبات الأميركية، والعودة إلى الاتفاق النووي مقابل تخلي إيران عن مهاجمة إسرائيل. وأوضح أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان طلب الرد على هذه الرسالة بأن بلاده مستعدة لـ"تأجيل" الرد حتى إشعار آخر بناءً على العرض الأميركي، إذا تم الإعلان فوراً عن وقف إطلاق نار شامل في غزة، وأن تعطي واشنطن ضمانات بوقف الأعمال العدائية الإسرائيلية تجاه إيران وحلفائها.
بينما أشارت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى أن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تذهب، بتعمدها تصعيد حدة التوتر في المنطقة إلى أقصى مدى، وبخطوات ثابتة نحو فتح أبواب الجحيم على مصاريعها، غير عابئة على وقع غرور القوة، بأنها تشعل نيرانا ربما يكون من الصعب إطفاؤها، إذا ما ذهب العقل وغابت الحكمة، وانفلتت الأمور عن عقالها، ذلك أن القانون الثالث من قوانين نيوتن للحركة في الفيزياء، يقول إن لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار وعكسه في الاتجاه.
من جانبها، رأت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن أدق أهداف الرد المنتظر من إيران و"حزب الله"، يكمن في إحباط مخطط نتنياهو في إشعال المنطقة في حرب إقليمية، وتوريط الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، تسمح لتل أبيب بتوجيه ضربة حاسمة للمنشآت النووية الإيرانية، بحجة الدفاع عن أمن الدولة العبرية.
ولفتت صحيفة "الرياض" السعودية إلى أن تساؤلات كثيرة ما زالت تدور حول السيناريوهات المقبلة التي ستشهدها المنطقة بعد اغتيال قياديين في "حماس" و"حزب الله"، خاصة التهديدات التي تم إطلاقها تُنبئ أن هناك رداً لا نعرف مكانه أو زمانه أو حتى قوته، قد يؤدي إلى توسيع رقعة الصراع إلى ما هو غير متوقع، وفي مقابل ذلك فإن هناك جملة تصريحات من قوى نافذة تؤكد أن الرد سيكون، ولكن ليس على نطاق واسع بل سيكون محدوداً وفي إطار الرد من أجل الرد لا رداً انتقامياً واسعاً يكون من الصعب احتواؤه.
بدورها، اعتبرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أن الطرفين، على ما يبدو، يسعيان لتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة. ومن المتوقع أن تواصل إسرائيل استراتيجيتها في تنفيذ ردود عسكرية محدودة، مركزة على استهداف الأهداف التكتيكية، بدلاً من فتح جبهة واسعة قد تستنزفها، وتعرّضها لمخاطر أكبر. في المقابل، من المرجح أن تستمر إيران، وحلفاؤها، في استعراض القوة من خلال ردود فعل محسوبة، مع الحرص على عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى تصعيد شامل.
(رصد "عروبة 22")