لم تكن الاغتيالات التي خططت لها ونفذتها أجهزة الأمن الإسرائيلية لعدد من قادة حماس وحزب الله في 2024 أمرا جديدا أو طارئا، ولم يكن العنف المُمنهج ضد المدنيين في الحرب على غزة أمرا جديدا أو طارئا أيضا. فاستخدام كافة أدوات العنف الغاشم الذي يصل إلى حد الإبادة الجماعية، جزء من صلب الأيديولوجية الصهيونية.
فالصهيونية هي عقيدة استيطانية إحلالية، تستهدف استيطان اليهود لأرض فلسطين، وإقامة مستوطنات يعيشون عليها، ويشتغلون فيها بالزراعة والصناعة، وذلك على حساب حصار القرى والأحياء الفلسطينية القائمة تمهيدا للتخلص منها. وذلك باستخدام كافة الوسائل من الخداع والمال إلى التخويف والإرهاب، وصولا إلى القوة المسلحة والتهجير القسري. حدث هذا في جولات الصراع المسلح السابقة، ويحدث حاليا في الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية.
وإذا ركزنا على استخدام الحركة الصهيونية وإسرائيل لأسلوب الاغتيال، فسوف نجد أن له تاريخًا طويلًا وممتدًا، يعود إلى اغتيال اللورد موين وزير الدولة البريطاني لشئون الشرق الأوسط في نوفمبر 1944، أمام منزله بحى الزمالك بمدينة القاهرة على يد متطرفين من منظمة شتيرن الصهيونية، وذلك انتقاما لمقتل مؤسس الجماعة ابراهامشتيرن على يد القوات البريطانية في فلسطين. ثم اغتيال الوسيط الدولي، الذي عينته الأمم المتحدة في مايو 1948 لوقف الحرب في فلسطين، وهو الدبلوماسي السويدي فولك برنادوتو الذي تم اغتياله في القدس على يد مجموعة من منظمتي الارجون التي قادها مناحم بيجن، واشتيرنو التي قادها، في سبتمبر من نفس العام، وكلاهما أصبح رئيسًا لوزراء إسرائيل لاحقًا.كما يعود إلى اغتيال البكباشي مصطفى حافظ الذي أرسله جمال عبد الناصر لقيادة العمليات الفدائية ضد إسرائيل، وذلك بطرد بريدى ملغم في يوليو 1956 بغزة. مع تصاعد حركة المقاومة الفلسطينية، استهدفت إسرائيل اغتيال القيادات الفلسطينية من كل الفصائل. فإذا بدأنا بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، فقد اغتالت إسرائيل القائد العسكري والسياسي على حسن سلامة بواسطة سيارة مفخخة في يناير 1979. وهاجم عناصر من الموساد في أبريل 1988 مقر المنظمة في تونس، واغتالت أبو جهاد الذي اعتبرته إسرائيل العقل المدبر للعمليات العسكرية ضدها.ثم ما أكدته تقارير عديدة من أن ياسر عرفات مات بعد تعرضه لسُمٍ إشعاعي بمقر إقامته في رام الله في نوفمبر 2004. كما استهدفت إسرائيل قادة حماس،فتم اغتيال يحيى عياش قائد كتائب عز الدين القسام في 1996، بواسطة وضع مادة شديدة الانفجار في جهاز الهاتف المحمول. وفي 1997، حاولت قتل خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة بالسم خلال إقامته بالأردن.واغتيال صلاح شحادة قائد كتائب عز الدين القسام في يوليو 2002،بقنبلة ألقتها إحدى الطائرات العسكرية الإسرائيلية. وفي 2010 تم اغتيال محمود المبحوح أحد قادة الحركة في أحد فنادق دبي.اغتالت أيضا عماد مغنية أحد قادة حزب الله في فبراير 2008 بدمشق، بواسطة سيارة مفخخة. وقبلها بثلاثين عاما، اغتالت وديع حداد أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالسم. وهذه مُجرد نماذج على سبيل المثال لا الحصر.
في عام 2000 ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، لجأت إسرائيل إلى اغتيال ناشطيها فيما سُمى بالعمليات الوقائية. قامت لجنة من منظمة العفو الدولية بزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة لدراسة ما حدث، ونشرت تقريرها في 21 فبراير 2001، الذي سجل عشرات الحالات من القتل خارج القانون لنشطاء فلسطينيين من كل المنظمات. فمن فتح، اغتيل حسين عبيدات بقرية بيت ساحور في نوفمبر 2000، ولم يكن عمره قد تجاوز وقتها السابعة والثلاثين. ومن حماس، اغتيل إبراهيم بنى عودة في نفس الشهر بمدينة نابلس، وذلك بعد يوم من إطلاق سراحه من أحد السجون الإسرائيلية التى قضى بها ثلاث سنوات. ومن الجهاد، أُغتيل أيمن الحمران في ديسمبر 2000 بمدينة نايلس وكان في الثامنة والعشرين من عمره، إضافة إلى حالات لأطفال ونساء. وسجل التقرير أنه جرى العديد من عمليات الاغتيال في أوضاع لم تكن أرواح الإسرائيليين فيها مهددة بالخطر.
لم تكتف أجهزة الأمن الإسرائيلية باغتيال خصومها من العسكريين والسياسيين، بل استهدفت أيضا العلماء الذين دعموا حركة المقاومة، مثل مهندس الطيران التونسي محمد الزوارى الذي اغتيل في مدينة صفاقس في ديسمبر 2016، ومهندس الطاقة الفلسطيني فادى البطش في ماليزيا في أبريل 2018، واللذين اتهمتهما إسرائيل بتطوير قدرات الطائرات المسيرة بدون طيار لصالح حركة حماس. استهدفت أيضا العلماء العرب والأجانب الذين ساعدوا إحدى الدول العربية في تطوير صناعاتها العسكرية. ومن ذلك، إرسالها الجاسوس ولفجانجلوتز الذي قدم إلى مصر في مطلع الستينيات، بهدف جمع معلومات عن العلماء الألمان الذين اشتغلوا في المصانع الحربية وخصوصا في برنامج الصواريخ، وتم استهدافهم بطرود بريدية مفخخة. واغتيال يحيى المشد عالم الذرة والفيزياء النووية المصري في باريس في يونيو 1980، والذي كان يعد حجر الأساس في برنامج العراق النووي. واغتيال العالم الكندي جيرالد بول في بروكسل في مارس 1990، والذى عمل في برنامج تطوير المدفع العملاق وصواريخ سكود في العراق.
إذا كان استخدام العنف والاغتيال مبررا ضد من تعتبرهم الصهيونية وإسرائيل خصوما لها، فإن الأمر لدى أنصار اليمين الصهيوني يمتد ليشمل كل من يخالفهم في الرأي، حتى وإن كان يهوديا وإسرائيليا قضى حياته مقاتلا في الجيش الإسرائيلي. ففي 4 نوفمبر 1995، قام إيجالعامير وهو أحد المستوطنين باغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين، عقابا له على توقيع اتفاقية أوسلو وقبول إقامة دولة فلسطينية.
(الأهرام المصرية)