من هنا، فإنّ المدرسة بما أنها مؤسسة حديثة للقطع مع أنماط التمييز والتهميش الجندري، نرى أنها في العديد من الأحيان قد تكون مؤسسة لإعادة إنتاج العقلية التقليدية، ونلحظ هذا من خلال تسليط الضوء على الصورة التي يتم إظهارها للمرأة، ووضعها في الإطار النمطي بمعنى أنه لا يراد من خلال هذا البُعد أن يكون هناك هامش استقلالي، إنما فقط كتابع لتكريس الهيمنة الذكورية والتأكيد على السلطة كحامل للتصورات الثقافية للمجتمع، وهذا له مؤشرات بعيدة كاشفة عن البنية الدلالية للنظام الثقافي الذي تعمل السلطة على تأبيده، لأنها أنماط توفر رساميل رمزية لهذا النظام ولهذه العقلية.
صورة المرأة في المناهج والكتب التعليمية في أغلب البلدان العربية، موضوع هام يستحق الدراسة والانتباه. تُعد تلك الصورة عاملًا مؤثّرًا في بناء الهوية الجنسية وتشكيل توجهات المجتمع، ويتعين فهم أهداف الدراسة والمنهجية المتّبعة لتحقيق تحسين صورة المرأة في المناهج والكتب التعليمية في البلدان بحيث توفّر فهمًا عن ما هو الحال.
يكون الوعي في المدرسة كالإسفنجة التي تتشرّب شتى أنواع الخطاب والأوامر والنواهي والإكراهات
تلعب الكتب المدرسية دورًا بارزًا في عملية التنشئة الفكرية والثقافية للفرد، وهذه الكتب بطبيعة الحال تندرج ضمن دائرة السياسات للدولة، والتي تلعب فيها مؤثرات عدة وأطر رقابية تأخذ بعين الاعتبار البنية الثقافية للبلاد، وهي بنية كما هو معروف تقوم على تعارضات شتى تراعي التوازنات والعصبيات الطائفية والحزبية... إلخ.
ضمن هذا السياق تضطلع هذه الدراسة على سؤال من خلال زاوية نظر رئيسية ألا وهي العلاقة ما بين الكتب المدرسية والنظرة إلى المرأة، وكيف تسير هذه العلاقة، بمعنى هل تسير بمنهجية تكرّس الدور المهمّش للمرأة؟ أي بوصفها تابعًا لهرمية السلطة الذكورية، أم أنها صورة أخذت بالتحسّن بعد عمليات التحوّل التي عدّلت في هذه المنهجيات والتي طالت النظرة إلى المرأة، وإعطائها دورًا مستقلًا وفاعلًا في المجتمع؟ أم أنّ الموضوع يسير في اتجاه آخر؟
من هنا يجعلنا إبراز هذه الصور، أمام عقلية التنشئة التي يتربى عليها المجتمع، وبالتالي فإنّ الكشف عنها يحيلنا إلى بنية الخطاب الذي يشير إلى هيمنة من نوع معيّن، وبالتالي فإنه يسمح لنا بمساءلة ونقد هذه العقلية من خلال تعبيراتها التي تظهر بشكل واعٍ ومبرمج في الكتب المدرسية، وهنا الخطورة في كون المدرسة أشبه بالموسيقى الصامتة التي يندرج فيها الطلاب فترة طويلة، ويكون فيها الوعي كالإسفنجة التي تتشرّب شتى أنواع الخطاب، والأوامر والنواهي والإكراهات والتعسفات الثقافية والعقبات المعرفية.
تُشكّل المدرسة، من بين ما تُشكّله، مؤسسة لها وظيفة إيديولوجية، إذا أردنا أن نقف على المقاربات الصراعية في المجتمع كما وجد ألتوسير بأنها ضمن أجهزة الدولة الأيديولوجية، التي لها صفة من صفات العنف التي تختلف عن أجهزة الجيش من الناحية المادية إنما من الناحية المعنوية، بمعنى أنها مؤسسة إخضاع وتدجين للفرد، كذلك عالج بيير بورديو من هذا المنظار كيف تقوم المدرسة بعمليات تكرّس نوعًا من أنواع التمييز الثقافي، من هذا المنطلق نتساءل عن الدور الذي تلعبه مدارسنا من ناحية المناهج في تكريس غياب المرأة وحصر دورها في زوايا معيّنة.
صورة المرأة في المناهج التعليمية بحاجة إلى إعادة نظر في الدول العربية
لاحظ العديد من الخبراء في مجال التربية أنّ صورة المرأة في المناهج التعليمية، لا سيما في الدول العربية، بحاجة إلى إعادة نظر، وأكدوا أنّ هناك فجوة ملموسة بين المرأة في الواقع وصورتها في الكتب المدرسية، والتي تشجع الأطفال على قبول الثقافة التقليدية السائدة بمجتمعاتهم تجاه الجنس الآخر، فما بين التمييز والنمطية تبقى المرأة في عيون طلابنا "واحدة" على مرّ العقود. وقد ركزت العديد من الدراسات والمنظمات الدولية، في السنوات الأخيرة، على ذلك في الإنتاج الثقافي والتعليمي، وهو ما دفع بعض الحكومات إلى إعادة النظر في مناهج التعليم.
خَلُصت الدراسات حول صورة المرأة إلى وجود تباين بين تمثيل المرأة والرجل في المناهج مما يعكس سلطة الثقافة التقليدية، وحصر النساء في الأدوار التي لا تتفاعل مع محيطها اليوم (طبخ ورعاية)، وترسيخ تبعية المرأة للرجل وإظهارها على أنها الطرف الثاني في الحياة، بالإضافة إلى اختزال الأدوار المجتمعية للمرأة في التعليم فقط، والابتعاد عن واقع المرأة بشكل ملحوظ، مما لا يساهم في نضج نظرة الجنسين تجاه بعضهما، ومن أهم الخلاصات:
- الابتعاد عن الواقع الذي تعيشه النساء حاليًا بشكل ملحوظ.
- التمثيل السياسي للمرأة والرجل بعيد تمامًا عن الكتب.
- عدم إبراز المرأة بوصفها فاعلًا مجتمعيًا في شتى الميادين.
- اختزال الأدوار المجتمعية للمرأة في التعليم فقط.
- تغييب الأثر الثقافي والمجتمعي للمرأة، لأنها الوعاء للقيم والناقل للتصوّرات الثقافية.
(خاص "عروبة 22")