قضايا العرب

"خارطة الطريق" اليمنية: رؤية ضبابية لمسار السلام

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

تجمّدت خطوات السلام في اليمن عقب الانفراجة التي حدثت في الملف الاقتصادي، لكن مسار الأحداث يشير إلى أنّ السلام بات أقرب إلى التحقق بين الحوثيين والسعودية، ولكنه لا يزال بعيدًا عن الواقع الميداني اليمني لأسباب داخلية وخارجية.

قبل نهاية يوليو/تموز الماضي، أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن هانس غرونبورغ التوصل إلى اتفاق لخفض التصعيد الاقتصادي بين الحكومة المعترف بها دوليًا والحوثيين، والبدء بعقد اجتماعات لمناقشة القضايا الإنسانية والاقتصادية المنصوص عليها في خارطة طريق السلام التي عُلّق العمل بها منذ نهاية العام السابق.

الاتفاق الجديد نصّ على إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين، والتوقف مستقبلًا عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة. واستئناف تسيير رحلات الخطوط الجوية اليمنية بين صنعاء والأردن، وزيادة عدد رحلاتها من رحلة واحدة إلى ثلاث يوميًا، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يوميًا، أو حسب الحاجة. كما اتفق الطرفان على عقد اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها شركة طيران.

ورغم انقضاء شهر على ذلك الاتفاق إلا أن أيًا من بنوده لم يُنفذ سوى البند الخاص بإلغاء الإجراءات المتخذة بحق البنوك التجارية، لكن الاتفاق ضاعف من حالة الانقسام القائمة في اليمن من خلال السماح للحوثيين باحتجاز واستخدام أربع من طائرات الخطوط اليمنية وبشكل مستقل عن إدارة الشركة التابعة للحكومة المعترف بها والتي تتخذ من مدينة عدن مركزًا لها.

وإذ لم يُتخذ أي إجراء بشأن القضايا الاقتصادية المرتبطة باستئناف تصدير النفط وتقاسم عائداته وصرف رواتب الموظفين (المنقطعة منذ ثمانية أعوام) في مناطق سيطرة الحوثيين وتوحيد العملة والبنك المركزي، أو البدء بمعالجة وضع شركة الطيران، لم يصدر عن أي طرف ما يشير إلى انزعاجه من هذا البطء، ولم تبرز إشارات تبيّن إلى أين ستمضي الأمور.

ورغم التصعيد الخطابي لزعيم الحوثيين ضد السعودية لبعض الوقت فقد حرصت الرياض على توجيه رسائل ودية نحو الجماعة من خلال التأكيد على أنها لم تسمح لإسرائيل أو غيرها باستخدام أجوائها في مهاجمة مناطق سيطرتهم، وباستثناء الحنق الذي يظهره المسؤلون في الحكومة اليمنية من خارطة الطريق والتقارب السعودي الحوثي، فإنّ المراقبين يعتقدون أنّ هذا التقارب يشكل انعكاسًا للسياسة البرغماتية السعودية الجديدة، التي تقوم على قاعدة أنه لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، وتتبنى سياسة تصفير المشاكل واستقرار المنطقة، لا سيما وأنّ اليمن يأتي على رأس أولويات السياسة الخارجية السعودية، ولا يمكن لها التخلي عن اليمن لوجستيًا أو تنمويًا حتى بعد انتهاء الصراع. ‬‬

ومع ذلك يقلل الجانب السعودي من تأثير الخلافات بين الأطراف اليمنية ويؤكد أنّ الفجوة بين الحكومة اليمنية و‫الحوثيين واضحة منذ البداية، وأنّ ما يفرّق الحكومة والمكونات السياسية أو العسكرية أكثر مما يجمعها. وعليه فإنّ المملكة التي تقوم حاليًا بدور الوسيط الإقليمي لا تجد أمامها إلا خيارين سيّئ وأسوأ منه. ‏وبعد عشرة أعوام، باتت تعتقد القيادة السعودية أنّ المنطقة لا تحتمل العودة إلى الخيارات الأسوأ، وبالتالي ينبغي العمل على اقتناص الفرص السيّئة واستثمارها وتطويرها باعتبار ذلك أفضل بكثير من ترك الأمر للمجهول. ‬‬

وفي حين تتفق الأطراف المشكّلة للحكومة على أنّ خارطة الطريق تصب في مصلحة الحوثيين ويتجنبون التعبير عن ذلك علانية حتى لا يغضبون المملكة، يتبين أنّ الطرف الآخر في التحالف وهو دولة الإمارات العربية المتحدة يرى أنّ هذه الخارطة استبعدته من الملف اليمني بشكل كامل فيما أصبحت سلطنة عمان الطرف الموازي للرياض في هذه المرحلة.

وفي ظل احتفاظ الإمارات بحلفاء أقوياء على الساحة اليمنية يمتلكون تشكيلات عسكرية فاعلة ويسيطرون على مناطق حساسة في جنوب وغرب البلاد وبالذات عدن ومنطقة مضيق باب المندب، فإنّ الفاعلين السياسيين لا يتوقعون نجاح خارطة الطريق الراهنة، وهو أمر يزيد من ضبابية الرؤية لمسار السلام في هذا البلد الذي طحنه الصراع المتواصل منذ منتصف العام 2004 حين أعلن الحوثيون التمرّد على السلطة المركزية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن