ترجمات

حميد دباشي.. اعتزاز إدوارد سعيد بهذه اللحظة (2/2)

تعريب: منعم دائخة – ليبيا

المشاركة

هذا النص تتمة الجزء الأول من ترجمة مقال حرّرَه المفكر والباحث الأميركي من أصل إيراني، حميد دباشي، ونشره في منصة "ميدل إيست آي"، حيث نُشر المقال في نسخته الأصلية.

حميد دباشي.. اعتزاز إدوارد سعيد بهذه اللحظة (2/2)

قبل صدور كتاب هورويتز مباشرة، قام اللوبي المؤيّد لإسرائيل، والذي كان قلقًا بشأن تحوّل المد ضد زيفه، بإنتاج فيلم وثائقي، أطلقوا عليه اسم "كولومبيا غير اللائقة" (2004).

حكَم نظام محاكم التفتيش الصهيونية كولومبيا كما حكم نيويورك والكونجرس الأميركي بقبضة من حديد

وُجِّهت إلينا اتهامات كاذبة بـ "معاداة السامية"، وحشدت المؤسّسات الليبرالية القديمة الطيبة، بدءًا من صحيفة "نيويورك تايمز" إلى "ذا نيشن"، لإدانتنا. ثمة عروض خاصّة للفيلم أمام إدارتنا العليا في محاولة أخرى لترهيبنا وإسكاتنا. حُوصِرنا وشوِّهنا وخضعنا لنظام صارم من محاكم التفتيش الصهيونية في نيويورك.

كانت ولا زالت حربًا قذرة. حكَم نظام محاكم التفتيش الصهيونية كولومبيا، كما حكم نيويورك والكونجرس الأميركي، بقبضة من حديد. كيف تجرؤ عصابة من المنبوذين العرب والمسلمين على التشكيك في قوة اللوبي الإسرائيلي في البلاد؛ فالمليارديرات الصهاينة لن يسمحوا بذلك.

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مؤخرًا تقريرًا يوثق كيف شجعت مجموعة من "عمالقة الأعمال" الأثرياء عمدة مدينة نيويورك إريك آدامز على إرسال الشرطة إلى حرم جامعة كولومبيا لتفريق المتظاهرين.

كنا جميعًا نمتلك سببًا للاعتقاد بأنّ قوة الصهاينة المتشدّدين والأثرياء والأقوياء لا يمكن تدميرها. بحيث أبانت الانتفاضة السلمية والهادفة والمصممة في حرم جامعتنا، ثم في جميع أرجاء العالم، أنّنا كنا مخطئين. وبوسعنا أن نرجع تاريخ هذه التطورات إلى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، حيث برز إدوارد سعيد باعتباره الصوت الأفصح باللغة الإنجليزية في التعبير عن الإرهاب الذي مارسه الصهاينة ضد الفلسطينيين. وربما يُعَد نشر كتابه الرائد "قضية فلسطين" (1979) الحدث الأبرز والذي مثّل صعود صوت قوي ضد نظام محاكم التفتيش الصهيونية.

حياة من النضال

خلال تسعينيات القرن العشرين، كان سعيد معارضًا بشدة لزيف اتفاقيات أوسلو. وفي سبتمبر/أيلول 1993، رفض أن يكون جزءًا من مشهد المصافحة في حديقة البيت الأبيض، والتي أدت إلى حرمان الفلسطينيين من حقوقهم في إسرائيل.

يتبيّن من التدقيق في اتفاقيات أوسلو، كما كتب سعيد في أكتوبر/تشرين الأول 1993، أنّه "اتفاق مليء بالثغرات، التي ترتد سلبًا على معظم الشعب الفلسطيني أكثر ممّا كان يتصوّره الكثيرون في البداية. إنّ الابتذال في عرض الأزياء في حفل البيت الأبيض، والمشهد المهين لياسر عرفات وهو يشكر الجميع على تعليق معظم حقوق شعبه، والوقار الشكلي الذي اتسم به أداء بيل كلينتون، مثل إمبراطور روماني في القرن العشرين يسوق ملكين تابعين له نحو حظيرة المصالحة والطاعة: كل هذه المظاهر لا تنجح إلّا لأجل قريب مخفية الأبعاد المذهلة حقًا للاستسلام الفلسطيني".

بعد حياة من النضال، رحل سعيد في سبتمبر/أيلول 2003، غير قادر على رؤية ثمار عمله الدؤوب. وبعد عقدين من الزمان، لا شك أنّ روحه "النبوية" تنظر بفرح إلى ذريته وهم يصرخون في الحرم الجامعي: "حرّروا فلسطين!".

إنّ الانتفاضة الطلابية العالمية التي بدأت في كولومبيا، وانتشرت مثل النار في الهشيم في جميع أنحاء العالم، لديها طريق طويل وشاق في المستقبل. كما أنّ المحاولات الخبيثة لتشويه هذه الانتفاضة زورًا باعتبارها "معادية للسامية" تهدف إلى إخفاء حقيقة مفادها أنّه في قلبها يوجد إرثٌ نبويٌ يهوديٌ للتحرير، يُمثله بجرأة طلابنا وأعضاء هيئة التدريس اليهود.

جامعة كولومبيا هي رائدة التغيير الذي لن يعود إلى الوراء

صار الحرم الجامعي في الولايات المتحدة اليوم مسرحًا لنهاية الهيمنة الصهيونية، ممّا يثير حنق بعض العناصر المتجبّرة والمتغطرسة المتغلغلة في مجالس الأمناء والخريجين وأعضاء هيئة التدريس والطلاب وأولياء الأمور. لكن المارد الذي يضرب به المثل قد خرج من القمقم، ولا يمكن إعادته إلى الداخل مرة أخرى.

إنّ جامعة كولومبيا والجامعات الأخرى هي رائدة التغيير الذي لن يعود إلى الوراء قط. ولأزيد من نصف قرن، هيمنت السردية الصهيونية على حرمنا الجامعي، بينما أُنكِر وشُيطن الواقع الفلسطيني وشوّهت سمعته. لقد رحل سعيد دون أن يُعاين الحقيقة التي مكّنها وغرس أسُسها والتي ستُغيّر وجه تاريخنا، بينما يتردّد صدى نبضات الأصوات والطبول تحت نوافذ شقته السابقة في الحرم الجامعي: "فلسطين حرّة، حرّة!".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن