قضايا العرب

الحلقة المصرية المفرغة بين ارتفاع "الاحتياطي" وتحسين معيشة المواطن

القاهرة - منال أحمد

المشاركة

عندما اندلعت ثورة الياسمين في تونس قبل 14 عامًا، ومع تصاعد القلق لدى دوائر النخبة الحاكمة في مصر من أن تصل عواصفها إلى الأجواء المصرية التي كانت ملبّدة بالغيوم، كرر المسؤولون في القاهرة من خلال المنابر الإعلامية الرسمية مصطلح "مصر ليست تونس" من أجل إحباط أي محاولة لاستنساخ ما كان يجري في التجربة التونسية التي انتهت باقتلاع حكم الرئيس زين العابدين بن علي.

الحلقة المصرية المفرغة بين ارتفاع

قبل أن تندلع مسيرات الثورة المصرية وتنزل الجماهير إلى الشوراع والميادين، بادر مسؤول اقتصادي بالاعتراف بالأخطاء التي سقط فيها نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، وأعلن عن موقفه تحت قبة البرلمان الذي كان يسيطر عليه "الحزب الوطني" الحاكم.

وفي تلك السنوات كان الاقتصاد المصري يبلي بلاءً حسنُا وبمعدلات نمو غير مسبوقة وباحتياطي معلن 32 مليار دولار، إلا أنّ المواطن المصري أو رجل الشارع بتعبير الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين لم يشعر بهذا التحسّن وكان في حاجة إلى تعليم جيّد وطفرة في ملف العلاج في ظل إجراءات تقشفية قيل إنها ضرورية لإصلاح مسار الاقتصاد.

وفجأة اعترف وزير المالية السابق الدكتور يوسف بطرس غالي فى إحدى لجان البرلمان بأنّ سياسات الإصلاح ضغطت على المواطن بقوة وأنه ربما كان من الأفضل توزيع أعباء وتبعات الإصلاح على أكثر من جيل وأن يسير الإصلاح بخطى أبطأ. مضيفًا: "ربما كان من الأفضل توجيه جزء من الفوائض الدولارية لصالح الجيل الحالي"، وذلك في إشارة للاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي.

المثير أنّ المصريين اكتشفوا أنّ الاحتياطي النقدي الأجنبي وصل إلى 41 مليار دولار، وذلك بعدما أمر الرئيس مبارك تجنيب وديعة بـ9 مليار دولار بعيدًا عن الاحتياطي المعلن. أُنفقت تلك الوديعة بعدما خلع المصريون مبارك.

الآن يتجدد الجدل حول الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، والذي واصل ارتفاعه شهرًا بعد الآخر ليحقق نحو 48 مليار دولار، ويتخذ هذا الجدل مستويين (شعبي وعملي).

يتابع "يسري. أ" بيانات البنك المركزي المنشورة ويشعر بالأسى مع ارتفاعات الاحتياطي: "الناس لا تجد الدواء، والحكومة تلقي باللائمة على عدم توفر الدولار اللازم لاستيراد المواد الخام.. وقضينا معظم شهور الصيف في النار بسبب انقطاع الكهرباء، لأنه لا يوجد دولار نستورد به الغاز، وأخيرًا تقول الحكومة إنّ الاحتياطي النقدي يرتفع في البنك المركزي"... ولخص خبير اقتصادي هذا الوضع بجملة ساخرة مؤلمة: "الاحتياطي بيزيد.. وفرص المواطن في البقاء تتراجع".

بعيدًا عن المستوى الشعبي الغاضب من هذا الوضع الذي يبدو في قمة التناقض، حتى على مستوى الخبراء لا يحشد هذا الوضع رضا الكثير منهم، ويعلق الخبير الاقتصاد هانى جنينية على خبر وصول الاحتياطي إلى مستوى 46.5 مليار دولار بقوله: "يجب استخدام جزء من الاحتياطي لدعم قطاعات صناعية متهالكة وتوفير الدواء والتعليم للمصريين".

وأضاف جنينة أنّ أزمة استيراد الخامات تهدد صناعات واستثمارات رجال الأعمال، ويتفق الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده مع جنينه في هذا التوجه، مؤكدًا لـ"عروبة 22" على أنه يجب التركيز في الفترة المقبلة على تلبية الأولويات بالنسبة للمواطن بصورة مباشرة مثل توفير المواد الخام لصناعة الدواء ولو على حساب نسبة من الاحتياطي.

ويتعلل البنك المركزي بالتخوف من أثر "الأموال الساخنة"، أو بالأحرى خروجها، على انخفاض الاحتياطات ومن ثم عجز المركزي عن الوفاء بتغطية فاتورة الصادرات الأساسية.

ويركز المحللون المؤيدون لسياسة المركزي على أزمة مصر إثر خروج نحو 20  مليار دولار من "الأموال الساخنة" في أعقاب الحرب الروسية، وهو ما أثّر سلبًا على الاحتياطي النقدي في البنك المركزي.

فمن وجهة نظر خبير الاقتصاد محمد السيد، فإنّ تأثير "الأموال الساخنة" يكون محدودًا فى حالة "اقتصاد قوي وموارد دولارية متنوعة"، ويضرب السيد المثال التالي لـ"عروبة 22": "في الفترة الأخيرة خرجت نحو 5 مليارات دولار من مصر، ولم يتأثر سوق الصرف إلا لمدة أسبوع وبارتفاع محدود جدًا في سعر الصرف الأجنبي مقابل الجنيه المصري، وذلك بفضل قوة الاحتياطي بعد صفقة "رأس الحكمة" وقرض صندوق النقد والموارد الدولارية الأخرى".

وبعيدًا عن جدل الخبراء، خلف الستار جانب آخر للموضوع، فحسب مصدر مقرّب ومطلّع على مفاوضات القاهرة مع صندوق النقد، فإنّ الصندوق طلب من الحكومة الوصول بالاحتياطي النقدي إلى 50 مليار دولار خلال مفاوضات زيادة القرض بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد العام الماضي، وبعد مفاوضات سرية وصعبة وافق الصندوق على الاكتفاء بأن يتراوح حجم الاحتياطي ما بين 48 مليار دولار و49 مليار دولار بنهاية عام 2024، على أن يتجاوز الـ50 مليار دولار بنهاية مدة قرض الصندوق.

وتكشف تصريحات المصدر المالي - الذي طلب عدم ذكر اسمه - السبب الحقيقي وراء تمسّك الحكومة والبنك المركزي بعدم استخدام جانب ولو يسير من الاحتياطي لحل الأزمات التي يعاني منها المصريون بقوة، في ظل تصاعد مناخ شديد التشاؤم، من أن تنتهي فورة صفقة "رأس الحكمة" دونما استفادة حقيقة للاقتصاد الذي لا يزال يدور في حلقة مفرغة ما بين الاقتراض وانهيار معيشة المواطنين.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن