الأمن الغذائي والمائي

الصوامع البلاستيكية الأفقية.. حلٌّ فعّال لمعالجة أزمات تخزين الحبوب!

يُمثّل نقص الحبوب مثل القمح والذرة واحدًا من أخطر تحدّيات الأمن الغذائي في العالم العربي الذي يعاني من أزمةٍ في زراعة الحبوب الرئيسية محليًا ممّا يضطر أغلب دوله لاستيرادها، ولكن يزيد الطين بلّة سوء تخزين الحبوب الذي يُمثّل عبئًا إضافيًا على الاقتصادات العربية. وسبب هذه المشكلة أنّ العديد من الدول العربية ما زالت تعتمد على الطرق التقليديّة في التخزين والتي تُضعف بصورةٍ مباشرةٍ جودة الحبوب وتزيد الفاقد منها والذي يتراوح ما بين 10% و15%، وتصل قيمته إلى مليارات الدولارات.

الصوامع البلاستيكية الأفقية.. حلٌّ فعّال لمعالجة أزمات تخزين الحبوب!

تختلف الصورة من دولةٍ إلى أخرى، إذ تصل نسبة الفاقد في دولةٍ مثل السودان إلى حوالى 30%، وتصل إلى 34% في الأردن حسب إحدى الدراسات بتكلفةٍ تُقَدَر بنحو 100 مليون دولار سنويًا، فيما تتراوح ما بين 10% و18% في تونس والجزائر، وذلك مقارنةً بنسبٍ تقل عن 1% في الدول المتقدّمة.

ولذا، تُعَدُّ قضية فواقد الحبوب من القضايا المِحورية التي تواجه القطاع الزراعي العربي، حيث يُمثّل تقليل نسبة الفاقد حاجةً ضروريةً لبناء نظام غذائي مستدام.

تخزين الحبوب في بيئات غير مناسبة يزيد من نسبة الإصابة بالحشرات والفطريات

وباستعراض طرق التخزين المستخدمة على نطاقٍ واسعٍ في العديد من الدول العربية، نجد أنّ "الشون الترابية المفتوحة" تُمثّل جزءًا كبيرًا من تلك الطرق وهي عبارة عن ساحاتٍ غير مغطاةٍ، عادةً ما تكون أرضيّتها من التراب أو الإسمنت (الباطون) وتُستخدم لتخزين الحبوب داخل أجولة من الخيش ممّا يُعرّضها للقوارض والرطوبة بالإضافة إلى نموّ الفطريات التي ينتج عنها سموم "الأفلاتوكسين" شديدة الخطورة على صحة الإنسان لأنها لا تتأثّر بدرجات الحرارة العالية التي تُستخدم في الطهي. فعلى سبيل المثال، أثناء إنتاج رغيف الخبز قد تصل درجة الحرارة إلى 400 درجة مئوية، ولكنّها لا تُقلّل ضرر تلك السموم.

ومن هنا قامت العديد من الدول العربية بتبنّي استراتيجياتٍ لتطوير تلك الشون وزيادة السعات التخزينيّة بها من خلال إنشاء صوامع معدنية رأسية مزوّدة بنظم للتهوية الميكانيكية لتبريد الحبوب، وكذلك نُظُم المراقبة الذكية والتي لا تتعدّى نسبة الفاقد فيها 2% إلى 5%؜.

وفي هذا الصدد، أكّد تقرير لـ"منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة" (الفاو) أنّ تخزين الحبوب في بيئاتٍ غير مناسبةٍ يزيد من نسبة الإصابة بالحشرات والفطريات بنسبة مرتَيْن إلى ثلاث مرات مقارنةً بالصوامع الرأسية المعدنية ممّا يترتّب عليه خسارة مادية كبيرة.

وبصفةٍ عامةٍ، سيؤدّي التوسّع في نظم التخزين الحديثة والمتطوّرة في المنطقة العربية إلى زيادة قدراتها على مواجهة تقلّب الأسواق العالمية وتوفير الاحتياطي اللّازم في أوقات الأزمات، إلّا أنّ هناك تحدّيات كبيرة تواجه تلك الاستراتيجية نتيجة عدم توفّر الاستثمارات الضخمة اللّازمة للتوسّع في إنشاء صوامع معدنية جديدة، بالإضافة إلى ما تحتاجه تلك الصوامع من توفّرٍ للبنية التحتية والطاقة الكهربائية وكذلك الكوادر الفنّية المُدرّبة.

من هنا، تأتي أهمية إيجاد بدائل متطوّرة وفي الوقت ذاته لا تحتاج إلى استثماراتٍ ضخمةٍ بما يتناسب مع طبيعة وظروف المنطقة العربية، بخاصة الأراضي المُستصلحة حديثًا والتي تفتقر إلى العديد من المقوّمات وأهمّها البنية التحتية ولا سيما في ضوء حاجة الصوامع المعدنية إلى توفّر الطاقة الكهربائية في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة النسبية في هذه المناطق ممّا يستلزم التشغيل المستمر لنُظُم التهوية الميكانيكية.

الصوامع البلاستيكية تتميّز بالعزل الكامل للحبوب والأساس العلمي لها يعتمد على الحفظ تحت ظروف الهواء المعدّل

ولهذا يمكن أن تكون الصوامع البلاستيكية الأفقية الحلّ الأمثل والمناسِب لتلك الظروف.

والصوامع البلاستيكية عبارة عن أكياسٍ بلاستيكيةٍ ضخمةٍ مُصنّعةٍ من مادة "البولي إيثيلين" عالية الكثافة بسماكة 250 ميكرون، فيما يصل طول الصومعة إلى 60 مترًا وقطرها إلى حوالى 25 مترًا لتكون السعة التخزينيّة للصومعة الواحدة نحو 200 طن.

وتتميّز تلك الصوامع بقدرتها على العزل الكامل للحبوب لمنعها من امتصاص الرّطوبة، كما أنّ السطح الخارجي للصومعة مزوّد بطبقةٍ مضادّةٍ للأشعة "فوق البنفسجية" تمنع زيادة درجة حرارة الحبوب المخزّنة لتكون أقلّ من حرارة الجو الخارجي بما لا يقلّ عن 10 درجات.

ونظرًا للسعة الكبيرة للصوامع البلاستيكية الأفقية، يتم تشغيلها وغلقها باستخدام معدات ميكانيكية خلال مدةٍ لا تتجاوز 35 دقيقة، بينما يتم تفريغها ميكانيكيًا خلال فترة لا تتعدّى 25 دقيقة.

والأساس العلمي لتلك الصوامع يعتمد على نظرية الحفظ تحت ظروف الهواء المعدّل، فعند تخزين الحبوب داخل صومعة مُحكمة الغلق تبدأ الحبوب في التنفّس (أي استهلاك الأكسجين) ثم إنتاج ثاني أكسيد الكربون الذي يُعدّ غازًا مانعًا لنمو الفطريات والحشرات من دون الحاجة إلى استخدام مواد كيميائية ضارّة مثل أقراص التبخير بالغازات القاتلة للحشرات. ويجب الإشارة إلى أن نفاذية البلاستيك المُستخدم في تصنيع هذه الصوامع يسمح بدخول نسبة من الأكسجين لا تتعدّى 1% لضمان استمرارية تنفّس الحبوب المخزّنة، بينما تصل نسبة ثاني أكسيد الكربون إلى 25%.

والمفارقة إنّه على الرَّغم من حداثة هذه النظرية التي تحافظ على جودة الحبوب وتقلّل الفاقد إلى نسبةٍ تراوح ما بين 1% و2%؜، إلّا أنّها تماثل تمامًا نظرية التخزين خلال عهد الفراعنة والتي اعتمدت على تخزين الحبوب في الأواني الفخّارية أو الحفر المبطّنة تحت سطح الأرض.

صومعة بلاستيكية واحدة يمكن في موسم واحد أن تحقّق عائدًا يفوق عشرة أضعاف تكلفة إنشائها

من الناحية الاقتصادية، تتميّز الصوامع البلاستيكية الأفقية بعدم الحاجة إلى استثمارات ضخمة أو بنية تحتية مجهّزة بمصادر الطاقة الكهربائية الكبيرة لأنّها تعتمد على التهوية الذاتية.

فتجهيز الموقع لا يتطلّب سوى التسوية الجيدة للأرض وتوفير الصوامع والمعدات اللازمة لتعبئتها وتفريغها، ما يسهّل نشرها في المناطق النائية وبخاصة مشروعات الاستصلاح الجديدة في المناطق الصحراوية، لا سيما أنّ تلك الصوامع تتحمّل درجات الحرارة المرتفعة والأمطار الغزيرة من دون وقوع أضرارٍ بالحبوب المخزّنة، بالإضافة إلى انخفاض التكاليف اللازمة والتي لا تقارَن بتكاليف إنشاء الصوامع المعدنية الرأسية.

فعلى سبيل المثال صومعة بلاستيكية واحدة يمكن في موسمٍ واحدٍ أن تحقّق عائدًا يفوق عشرة أضعاف تكلفة إنشائها، فعند تخزين 200 طن من الحبوب في الصومعة يمكن إنقاذ ما لا يقلّ عن 20 طنًا إلى 25 طنًا كانت ستُفقَد في حال التخزين بالشون الترابية، وهو يعادل ما قيمته من 5 آلاف إلى 6 آلاف دولار من محصول القمح.

وفي الوقت الحالي، تخزّن الأرجنتين نحو 45 مليون طن من القمح في هذه الصوامع.

وللأسباب السابقة، قامت دولٌ عربية بتجارب ناجحة لتخزين القمح باستخدام الصوامع البلاستيكية الأفقية، مثل إنشاء موقع لتخرين القمح بسعة 250 ألف طن في بورسودان في شرق السودان.

تجربة الصوامع البلاستيكية تحتاج إلى أن تُعمَّم في الدول العربية وأن تُوطَّن صناعتها محليًا

كما قامت مصر، بتمويلٍ من قبل عددٍ من الجهات الدولية والأكاديمية والقطاع الخاص، بالعديد من التجارب الناجحة لتخزين القمح باستخدام الصوامع البلاستيكية الأفقية، ونجحت أيضًا تجربةٌ بالتعاون مع إحدى شركات القطاع الخاص في الإنتاج المحلي للصوامع، وكذلك أجولة بلاستيكية نوعية تعمل بالنظرية نفسها بحيث تمّ اختبارها بنجاح في تخزين العديد من محاصيل الحبوب مثل الذرة والفول البلدي واللوبيا والكانولا وبذور النباتات الطبية والعطرية ممّا يعطي آفاقًا مستقبليةً لانتشار تلك التكنولوجيا في البلدان العربية كافّة.

ولكن تحتاج تجربة الصوامع البلاستيكية إلى أن تُعمَّم في الدول العربية وأن تُوطَّن صناعتها محليًا، وكذلك تبادل الخبرات بين الدول العربية في هذه الصناعة الحديثة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن