وجهات نظر

عن "المثقّف" في العالم العربي

يستدعي القول في هذا الموضوع بسط الجوانب المختلفة التي يستلزمها النظر في المسألة أولًا ويستدعي، بعد ذلك النظر فيها في ضوء منظومة القيم، كما تمثل في الوعي الجماعي للمجتمع العربي المعاصر وكما يتم تحديدها في ذلك المجتمع. من مقتضيات ذلك التصنيف تعيين المكانة التي تكون للثقافة في المجتمع العربي ومن ثم إجلاء الصورة التي ترتسم للمثقف العربي في مجتمعه سواء من حيث أهمية الدور الذي يملك أن يقوم به وقدرته على ذلك أو من حيث الحاجة (أو عدم الحاجة) إلى المثقف في ذلك المجتمع. بيد أنني أفضّل، في حديثي اليوم على الأقل، أن أنظر في المسألة من حيث تمثل المثقف العربي لذاته والصورة الواضحة أو الملتبسة التي يتمثل بها الدور الذي يتعين عليه القيام به والكيفية التي يسعى بواسطتها إلى القيام بذلك.

عن

ينتمي المثقف العربي إلى فئة المثقفين أو الأنتليجانسيا (كما يُقال في المعتاد)، والقول في هذه الفئة يفرض البتّ في مسألة الظهور الحديث لهذه الفئة من المتعلمين -ثمانينات القرن ما قبل الأخير، حسب الرأي الشائع- أم أنها تضرب في الزمن أبعد من ذلك. كما أنّ القول في المثقف (سماته المميّزة له عن غيره من الذين ينتسبون إلى عمل الفكر وعالم الثقافة، مكانته في المجتمع، المسؤولية التي يطوق المجتمع عنقه بها، وبالتالي صورة المثقف في المخيال الجماعي) من مقتضيات الحديث عن المثقف، وهذا مما نجتنب الخوض فيه أيضًا، لسبب أول هو أننا قد عرضنا (في حديث سابق لبعض جوانب القضية) ولسبب ثانٍ، هو الأقوى، أنّ من شأن ذلك أن يصرفنا عما ارتأيناه من اختيار في معالجة الموضوع.

هل يُعتبر وجود المثقف في العالم العربي، وجودًا ضروريًا أم أنه مما يمكن الاستغناء عنه؟

والقول في مسألة المثقف في العالم العربي أو، بالأحرى، التمهيد للقول فيها، يستوجب تبيّن مسألة جوهرية قبل ذلك هي تمثّل مكانة المثقف في المجتمع وتحديد المهمة التي يوكل ذلك المجتمع للمثقف القيام بها. الواقع أنّ الصورة التي يرتسم بها وعي المجتمع لذاته هي التي تعمل، في نهاية الأمر، على التعبير عن الكيفية التي تظهر بها الحاجة (أو عدم الحاجة) إلى محاسبة المثقف على حسن أداء الدور المفترض فيه القيام به أو تقصيره في ذلك. والحق أنه لا شيء من ذلك في مجتمعاتنا العربية عامة. ذلك أنّ صورة المثقف، في مجتمعاتنا تظلّ صورة مبهمة ويبدو أنه لا أحد يحفل بتجليتها في الذهن. من ثم فإننا نعدم الحصول على أجوبة واضحة لأننا لا نفكر، بكيفية جدية في طرح الأسئلة العملية الواضحة: ما المثقف؟ ما المسؤولية التي توكل إلى المثقف في الوجود العربي؟ وما أوجه التشابه والتمايز بين العالم والخبير والمثقف؟ وفي عبارة صريحة ومباشرة نطرح السؤال المزعج: هل يُعتبر وجود المثقف، في العالم العربي، وجودًا ضروريًا أم أنه مما يمكن الاستغناء عنه في سهولة ويسر؟

المسألة ترتبط بقضايا عديدة منها "قضية القراءة" و"ميزانية الوقت" عند الإنسان العربي

لست أريد من أسئلتي هده أن أحصل للمثقف في العالم العربي على "تبرئة ذمة" تجعل ذلك المثقف في منأى عن المحاسبة (وما أبعدني عن هذا الاعتقاد) وإنما أطلب التماس السبيل الصحيح في معالجة مسألة بالغة التعقيد، في نهاية القول. ترتبط المسألة بقضايا عديدة منها قضية الثقافة ومكانتها في وعي السلطتين التشريعية والتنفيذية في عالمنا العربي. ومنها "قضية القراءة" (الوقت الذي يصرف فيها أو "ميزانية الوقت" عند الإنسان العربي... وقضايا أخرى تتصل بذلك). هل يجوز القول إذن إنّ المثقف العربي نبيّ لا كرامة له في وطنه، في حين أنه ينافح عن القضايا الكبرى المتعيّن عليه الدفاع عنها؟ تلك قضية أخرى لعل في بعض مما قلت تمهيد للخوض فيها. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن