ربما لم نعد نعرف لمن نقرأ بعد الآن، هل لكاتب بعينه أم للذكاء الاصطناعي، أم لكليهما معًا؟ حالة أصبحت مرتبطة بعصرنا الحالي، فهل أصبحت الكتابة الإبداعية في خطر، وهل الكتابة لم تعُد تحتاج إلى مؤلفين؟.
تّطل علينا الكتابة اليوم من خلال الذكاء الاصطناعي، ما يفرض السؤال عن مصير المؤلفات والمؤلفين في المستقبل، إذ نقلت وسائل إعلامية أنّ أحد دور النشر الإيطالية، نشر كتابًا فلسفيًا تحت عنوان "الهيبنوقراطية: ترامب، ماسك وهندسة الواقع"، موضحةً أنّ الكاتب هو فيلسوف من "هونغ كونغ" يترجَم له لأول مرّة إلى اللغة الإيطالية، لكن الصحافة سرعان ما كشفت أنه وبعد محاولات لإجراء مقابلة مع المؤلف المذكور تبيّن أنّ الاسم لم يكن سوى اسم مستعار لعمل خلقه وحرّره المفكّر الإيطالي أندريا كولاميديشي بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي!.
لا شكّ أنّ الكتاب كان ثمرة تعاون بين الإنسان والآلة، وقد نجح في استقطاب المهتمين في أوروبا بمحتواه ذي الطابع النقدي، حتى إن نقاشًا شارك فيه مثقفون وفلاسفة، من بينهم أكاديميون من مدرسة للدراسات العليا للدراسات التجارية في باريس. لكن يبقى السؤال، هل باستطاعتنا أن نتقبّل القراءة لمؤلف خيالي؟.
القراءة هي من أكثر التجارب فرادة لدى الإنسان، والتي من مبادئها تزويدنا بالخبرة، وشحذ حدسنا وإحساسنا بالحياة. هي عملية أشبه ما تكون باختراع للمعرفة، عدا عن كونها مصنعًا لانتاج المعنى.
القراءة تُعرّفنا بالعالم وأفكار البشر، لا تخلو من الشغف والإحساس. ندرك حين نقرأ أنّ ما نقوم به هو قراءة لكاتب، لذات تُفكّر، تفحص، تتأمل، تجسّد تجربةً حيّة، وترغب في مشاركتها معنا، عبر تفسير أو تأويل، أو حتى عبر قصة تسردها في حكاية.
مثل هذه التجربة الحيّة سنفقدها، نفقد مآلتها وخوتيمها. كيف يمكن لنا أن نقرأ لآلة، لا تمتلك أيّ حسّ، من دون مشاعر ومن دون خيبات ومن دون تضحيات، من دون مرارات وآلام، ومن دون تجارب. كيف لآلة أن تمنحنا خيالًا لنحيا به.
إنه انتحالٌ لصفة لا تملك الإرادة أو الوعي، وبهذا ستكون بين أيدينا شهادة كاذبة بصفة "عمل إبداعي" لا يُنتج سوى "ثقافة واهمة".
(خاص "عروبة 22")