تُقدّر إحصاءات رسمية، متوسط عدد السائحين الإسرائيليين الذين يتدفقون على مصر في السنوات الأخيرة، بنحو مائتي ألف سائح سنويًا، معظمهم من الفئات الفقيرة أو المتوسطة، التي يتركّز تواجدها في بعض المناطق الشاطئية المتاخمة لمدينة طابا الحدودية في سيناء، إلى جانب بعض المناطق الساحلية الأخرى، في رحلات قصيرة لا تستغرق أكثر من أسبوع، لكنها في الوقت نفسه لا تخلو من استفزازات ومشاكل، ربما كان آخرها حادث تعدي سائحين مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، على ثلاثة من العاملين في أحد فنادق مدينة طابا، وإحداث إصابات بالغة بهم، وإتلاف محتويات الفندق، وهو ما دفع النيابة المصرية، إلى استصدار قرار بحبس المتهمين احتياطيًا، على خلفية اتهامات تتعلق بارتكاب جرائم "استعراض قوة، وإثارة الذعر بين نزلاء الفندق"، بسبب خلاف حول أحقيتهما وذويهما، في تناول المشروبات الكحولية!.
فتحت اتفاقية كامب ديفيد التي عُقدت بين مصر وإسرائيل نهاية سبعينيات القرن الماضي، الباب أمام حركة السياحة الإسرائيلية المباشرة إلى مصر، فى ظل تيسيرات عدة كان من أبرزها سماح السلطات المصرية بدخولهم عبر المنافذ البرية في سيناء، وبالأخص معبر طابا الحدودي، دون حاجة إلى تأشيرة سفر.
كانت تلك الاجراءات حسبما يقول الخبير السياحي أحمد شمس الدين سببًا رئيسًا فى تدفق آلاف الإسرائيليين إلى المناطق السياحية فى جنوب سيناء، خصوصًا فى مدن نويبع وطابا ودهب، لقضاء عطلات الأعياد وبالأخص عيد الفصح، إذ لا يتطلب الأمر سوى الحصول على التصريح اللازم لدخول سيناء عبر معبر طابا الحدودي، مقابل رسوم بسيطة لا تتجاوز المائة شيكل، أي ما يوازي عشرين دولارًا، ما يمنح السائح الإسرائيلي الحق في التجول بطول البلاد وعرضها لمدة أسبوعين، وهو ما ساهم فى تدفق أعداد كبيرة إلى مصر، قدرتها هيئة المطارات الإسرائيلية، التي تشرف على معبر طابا من الجانب الآخر في عام 2019، بنحو مليون ونصف مليون إسرائيلي، سافروا إلى سيناء عن طريق البر، بسبب انخفاض تكلفة السياحة في العديد من المنتجعات السياحية فى سيناء مقارنةً بمثيلاتها في إيلات، حيث تفضل كثير من تلك الوفود الإقامة في "الكامبات" البدوية البسيطة، المنتشرة فى مثلث دهب وطابا ونويبع القريب من الحدود، والتي لا يمكن مقارنة تكلفة الإقامة بها، بأقل الفنادق الرخيصة في إسرائيل.
ينظر كثير من خبراء السياحة فى مصر، إلى نهايات العقد الثاني من فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، باعتبارها الفترة الذهبية للسياحة الإسرائيلية فى مصر، إذ شهدت تلك الفترة تدفقًا غير مسبوق فى أعداد السائحين الإسرائيلين القادمين إلى البلاد، بلغ حسب تقديرات وزارة السياحة المصرية، نحو 389 ألف سائح إسرائيلي في عام 2003 وحده، قبل أن يتراجع الرقم في السنوات التالية على نحو كبير، فى أعقاب حادث "منتجع رأس شيطان"، ومن بعده حادث التفجير الذي تعرّض له فندق كبير في طابا، ما أسفر عن مقتل اثني عشر إسرائيليًا، ونجاة آخرين من حادث تفجير مشابه في اليوم نفسه، أعلنت جماعة تابعة لتنظيم "القاعدة" وقتها مسؤوليتها عنه، وقد تسببت سلسلة الحوادث التي تعرّضت لها السياحة الإسرائيلية في تلك الفترة، في تدهور كبير بلغ ذروته أثناء ثورة 2011، قبل أن تستعيد السياحة الإسرائيلية الوافدة عافيتها من جديد مع نهايات عام 2013، بإعلان وزارة السياحة في مصر، عن تحقيق السوق الإسرائيلي زيادة قدرها 95.73% في عدد السائحين الإسرائيليين الوافدين إلى البلاد دفعة واحدة!.
مع بدايات عام 2022 بلغت استفزازات السياحة الاسرائيلية في مصر ذروتها، بالإعلان عن تنظيم مهرجان موسيقي كبير في أحد المنتجعات السياحية في جنوب سيناء، الأمر الذي أثار موجة غضب واسعة في أوساط الرأي العام المصري، خصوصًا بعدما تزامن موعد المهرجان الذي حمل عنوان "نابيا"، مع احتفال مصر السنوي بذكرى "تحرير سيناء"، وهو ما دفع السلطات المصرية إلى إلغاء المهرجان الذي كان مقررًا له أن يستمر لمدة أسبوع قبيل ساعات من انطلاقه لدواع أمنية.
على مدار العامين الماضيين، تراجعت السياحة الإسرائيلية إلى مصر على نحو لافت، وعلى نحو يعكس حجم التوترات السياسية الحاصلة بين القاهرة وتل أبيب، فضلًا عن الغضب الشعبي جراء ما يحدث في غزّة، وهو الغضب الذي لم يفلت منه أفراد في أجهزة الأمن المصرية، من بينهم الشرطي محمد عبد المجيد، الذي تسببت استفزازات وفد سياحي إسرائيلي، كان في زيارة إلى منطقة عمود السواري بالإسكندرية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، في أن يفقد أعصابه ليستخدم سلاحه الميري، ويطلق النار باتجاه ثلاثة من أعضاء الوفد، بعد أن رفضوا طلبه المتكرر بعدم رفع العلم الإسرائيلي أثناء التقاط صور بالمزار الأثري، وقال شهود عيان أدلوا بإفاداتهم أمام أجهزة الأمن وقتها، إنّ مشادة وقعت بين الشرطي والسياح الثلاثة، بسبب إصرارهم على رفع العلم الإسرائيلي، قبل أن يطلق النار عليهم، فيصيب ثلاثة منهم لقوا مصرعهم في الحال.
شهدت السياحة الإسرائيلية إلى العديد من البلدان العربية، على مدار العامين الماضيين تغيّرات لافتة، حسبما يقول الخبير السياحي شمس، فبعد أن كانت مصر تتصدر قائمة الوجهات السياحية للوفود الإسرائيلية، تليها المغرب ثم الأردن، دخلت الإمارات العربية إلى حلبة المنافسة، لتحتل المرتبة الثانية عربيًا بعد مصر، في أعقاب التوقيع على ما يُعرف باتفاقية "إبراهام للسلام".
ويقول شمس: "حتى عام 2019 كان عدد السائحين الإسرائيليين الذين يقصدون الإمارات، يراوح مكانه بين الرقم صفر حتى خمسين سائحًا على أقصى تقدير، قبل أن يرتفع العدد على نحو غير مسبوق، ليصل إلى نحو 268 ألف زائر خلال عام 2022، لتنافس المغرب التي كانت تحتل تلك المرتبة، وهو رقم قابل لزيادة كبيرة خلال السنوات المقبلة، بعدما تحوّلت الإمارات إلى واحدة من أكبر البلدان جذبًا للسياحة خصوصًا في مواسم التسوق والترفيه.
(خاص "عروبة 22")