اقتصاد ومال

"الأمن الغذائي" يهدّد العالم: "خطر الموت" جوعًا!

إنتهت قمة روما، بعد ثلاثة أيام من الاجتماعات والحوارات والنقاشات، خاضها أكثر من ألفي مشارك، من 180 دولة، بمن فيهم قادة أكثر من 20 دولة و125 وزيرًا، بدعوة الجميع للعمل على اتخاذ "إجراءات عاجلة وضرورية" لسدّ الفجوة التمويلية فيما يتعلق بالنظم الغذائية - الشبكات اللازمة لإنتاج الأغذية ونقلها، وضمان وصولها للمستهلكين – بالتوازي مع الإعلان عن تمويل جديد من صندوق الأمم المتحدة المشترك المعنيّ بأهداف التنمية المستدامة.

القمّة التي عُقدت في 24-25 ,26 تموز/يوليو الماضي، من أجل معالجة مشكلة نظام الغذاء الذي يعاني قصورًا عالميًا، وتبعات تزايد عدد من يعانون الجوع وسوء التغذية، خصوصًا في الدول الفقيرة والنامية، إفتتحها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قائلًا: "في عالم تسوده الوفرة، من المشين أن تستمر معاناة أشخاص من الجوع... حتى الموت جوعًا".

إعتراف غوتيريش، بتخاذل الدول الكبرى وانشغال الغنية منها عن حق إنساني أساسي ووجودي، كالغذاء، لصالح التسلّح وتعزيز أدوات القتل والدمار، تزامن مع إثباته أنّ جياع العالم إلى ارتفاع، على عكس كل خطابات الدول وممثليها التي تنادي بحق الإنسان في العيش بكرامة، لا سيّما لجهة المأكل والمشرب واللباس والسكن والصحة التي يفترض أنها في صدارة الأولويات البشرية.

الأرقام الأممية تشي بأنّ أكثر من 780 مليون شخص يعانون من الجوع، في الوقت الذي يُهدر فيه نحو ثلث كمية الطعام على مستوى العالم أو يُتلف في القمامة. وفي مقابل معاناة 462 مليون شخص من نقصٍ في الوزن، يعاني أكثر من ملياري شخص من زيادةٍ في الوزن أو السمنة عالميًا... وهذه الصورة وحدها، كفيلة بإظهار التناقض الحاصل لجهة القدرة على توفير الغذاء للجميع وتكافؤ فرص الحصول عليه. من هنا كانت دعوة غوتيريش المجتمعين إلى تخصيص 500 مليار دولار سنويًا على الأقل من أجل مساعدة الدول النامية للقيام باستثمارات طويلة الأجل في مجال الغذاء.

عدد من عانوا من الجوع زاد بمقدار 122 مليون شخص بين عامي 2019 و2022

وتأتي هذه القمة قبل فترة وجيزة من قمة نيويورك التي ستُعقد في أيلول/ سبتمبر المقبل بشأن أهداف التنمية المستدامة، التي تضمّنت في أساس أهدافها "القضاء على الجوع" بحلول العام 2030، وهذا أمر لن يتحقق حتمًا، ربطًا بالأرقام التي تنذر بتفاقم الوضع سوءًا عامًا بعد عام. إذ أظهر تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، لعام 2023، أنّ عدد من عانوا من الجوع زاد بمقدار 122 مليون شخص بين عامي 2019 و2022، وذلك لعدة أسباب أبرزها جائحة كورونا وتغيّر المناخ والصراع الروسي الأوكراني.

لذا تسعى وكالات الأغذية الثلاث، وهي منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) وبرنامج الأغذية العالمي، من خلال القمة والمساعي الأخرى، إلى تحسين هذا الواقع المأزوم على كامل البقعة الجغرافية المسكونة وإن كان بدرجات وتأثيرات مختلفة.

إذ يبدو العالم مؤخرًا وكأنه في تحوّل جذري، أكان لناحية إنتاج الغذاء واستهلاكه من جهة، أم لناحية المعوقات التي ساهمت في تدهور الأوضاع الغذائية العالمية أكثر، مثل الكوارث الطبيعية والمناخية المتعددة والحروب وزيادة عدد السكان وتبدّل المناخ وإجهاد الموارد الطبيعية وعدم استقرار العرض والطلب بالنسبة إلى السلع الغذائية وغيرها الكثير من الأمور التي قد يطول عرضها، لكنّ الثابت الوحيد هو أنّ "فاتورة سوء التغذية" التي تسببت بها كل هذه العوامل باتت الأخطر على العالم.

ثمّ إن جعل النظم الغذائية أكثر استدامة، بمعنى توفير الأمن الغذائي والتغذية للجميع من دون تعرّض الأسس الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للخطر، مهمة معقدة وصعبة وتشمل قطاعات كثيرة، وتختلف بين دولة وأخرى بحسب الإمكانات، لذا يكون من الصعب تحقيقها في الدول النامية، حيث تنخفض إمكانية تحقيق الأمن الغذائي، بسبب عدم قدرة جميع الناس، في كل الأوقات، على الوصول إلى الغذاء السليم واستهلاكه بكميات مغذّية وكافية.

ماذا عن بلداننا العربية؟

لا شكّ في أنّ الحق في الغذاء الكافي والتحرّر من الجوع أمر في غاية الأهمية، لكنه يحتاج إلى مسارات متعدّدة ومتنوّعة تقود إلى هدف تحقيق "الأمن الغذائي"... فماذا عن واقع بلداننا العربية؟

بدايةً، هناك عنصران أساسيان كفيلان بأن يجعلا غالبية بلداننا العربية - من دون الدخول في تصنيفات تقوم على أساس دول نفطية غنية وأخرى غير نفطية فقيرة – آمنة غذائيًا هما: الاستقرار والتنمية، وهذا ما تفتقده دول كثيرة في وطننا العربي، حيث استوطنت الحروب (أهلية أو خارجية) أراضيها وعشعش فيها الفساد.

ثمّ إن الديمقراطية أيضًا، هي ركيزة أساسية من ركائز التقدّم يفتقدها المواطنون في بلداننا العربية، ولا زالوا يسعون من أجل تحصيل مكتسباتهم الأساسية للبقاء أقلّه "على قيد الحياة"، في وقت ينشغل فيه سكّان القسم المرفّه من الكوكب في اختبار الروبوتات الذكية واكتشاف أسرار الفضاء.

وأكثر من ذلك، فإنّ مرحلة "الجوع وسوء التغذية وصلت إلى مستويات حرجة في المنطقة العربية" وفق تقرير صادر في آذار/ مارس عن كل من منظمّة الأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، واليونيسيف، والإسكوا.

162.7 مليون شخص، لم يتمكّنوا من تحمّل كلفة تبني "نمط غذائي صحّي" عام 2020

ويكشف التقرير أنّ ما يقدّر بنحو 53.9 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة العربية في عام 2021، أي بزيادة قدرها 55 في المئة منذ 2010، وزيادة قدرها 5 ملايين عن العام السابق، ما يُعدّ أمرًا خطيرًا مقارنة مع عدد سكان الوطن العربي.

وهنا يحذّر التقرير من أنّ انعدام الأمن الغذائي المعتدل قد واصل منحاه التصاعدي، ليؤثّر سلبًا على ما يقدّر بنحو 154.3 مليون شخص في عام 2021، بزيادة قدرها 11.6 مليون شخص عن العام الذي سبقه.

بالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أنّ قرابة نصف سكان الدول العربية، أي 162.7 مليون شخص، لم يتمكّنوا من تحمّل كلفة تبني "نمط غذائي صحّي" في عام 2020، ما يعني أنّ أكثرية الناس غير قادرة على الوصول إلى غذاء مناسب، متكامل وغني.

وتتزايد تكلفة اتباع نمط غذائي صحي في المنطقة العربية كل عام منذ عام 2017، حيث وصلت التكلفة في عام 2020 إلى 3.47 دولار أمريكي للفرد الواحد يوميًا، ما يقلّل من فرص تأمين الغذاء لجميع الناس خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي تعيشها معظم الأقطار العربية.

828 مليون شخص من الجياع في العالم "يعني أن النظم الغذائية فاشلة"

والدليل على ذلك، أنّ إعلان روما حول الأمن الغذائي (وهو وثيقة تمّ تبنيها في مؤتمر القمة العالمي للأغذية في روما تشرين الثاني/ نوفمبر 1996) كان قد نصّ آنذاك، على ضرورة استئصال الفقر من العالم، مع التشديد على أن يكون هدف الوثيقة الأول، التمكّن من خفض عدد من يعانون من نقص التغذية إلى نصف مستواه في موعد لا يتجاوز عام 2015... ولكن تخطينا العام الموعود بأعوام عديدة، والأرقام لم تتبدّل.

في ذلك الوقت، كانت التقديرات، تشير إلى وجود حوالى 800 مليون نسمة لا يحصلون على احتياجاتهم الغذائية الأساسية، فمرّ أكثر من عقدين ونصف العقد، والأرقام لا تزال مرتفعة إذ إنّ بلوغ رقم "828 مليون شخص من الجياع في العالم يعني أن النظم الغذائية فاشلة" وفق برنامج الأغذية العالمي.

وهكذا هو الحال في الوطن العربي، الأرقام ربما ستكون قابلة للتفاقم أكثر، في حال استمرت المقاربات على ما هي عليه، رغم ثرواتنا ومواردنا الطبيعية المتنوعة والمتميّزة والتي تشمل كافة القطاعات الاقتصادية، من النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي والثروات الزراعية والسمكية والحيوانية وغيرها.


بالأرقام...

السودان: 

• أكثر من 19 مليونًا يعانون من انعدام الأمن الغذائي وفق برنامج الأغذية العالمي

اليمن:

• نحو 17 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي وفق برنامج الأغذية العالمي 

سوريا:

• حوالى 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي

• 2.7 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد وفق برنامج الأغذية العالمي

• هي واحدة من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم

لبنان:

46% من الأُسَر اللبنانية تعاني من انعدام الأمن الغذائي وفق برنامج الأغذية العالمي 

70% من الأُسَر تقترض المال لشراء الطعام أو تشتريه بالدين في مسح أجرته اليونيسيف في حزيران/يونيو من العام الماضي (وهذا الرقم قابل للإرتفاع بسبب انهيار العملة)

(خاص "عروبة22" - إعداد حنان حمدان)

يتم التصفح الآن