بصمات

مقاهي القاهرة الثقافية.. أفول في زمن "المنصّات" (2/2)

يُقبل الآن الشباب على المنصات الافتراضية، والتي تمثّل المقاهي لكن على صعيد الفضاء الإلكتروني، بما توفّره من مساحة انتشار أوسع، وفرصة للّقاء بشخصيات من مختلف أرجاء العالم العربي.

مقاهي القاهرة الثقافية.. أفول في زمن

ظهرت اللقاءات الثقافية على تطبيقات مثل "كلوب هاوس" و"زووم"، وتُعقد على الأخير لقاءات ومؤتمرات ثقافية تشمل العالم العربي كلّه، بينما يتميّز الأول بأنه بديل إلكتروني آمن للمقاهي الثقافية.

مواقع التواصل تخلق مساحةً لحرية التعبير بعيدًا عن توجّس الأنظمة السياسية المرتابة دومًا من أيّ تجمعات

فكرة سحرية أن تفتح الباب الافتراضي فتأخذ جولة في شوارع "كلوب هاوس"، حتى تستقرّ في إحدى مقاهي التطبيق، وتجلس على كرسي افتراضي تستمع في صمت وتنصت لحديث المتكلمين، وإذا رغبت أن تتحدث فما عليك إلا أن تطلب ذلك من المشرفين على الغرفة النقاشية. هكذا يوفّر التطبيق مميزات المقاهي الثقافية نفسها، لكن افتراضيًا وبشكل أكثر حداثة ومواكبة لثورة التكنولوجيا والتواصل التي نعيش في فصولها الأولى، خصوصًا أنه يسمح بعقد ندوات وجلسات حوار، يشاركه في ذلك تطبيق "زووم".

منحت هذه التطبيقات بالإضافة لمواقع أخرى كـ"فيسبوك" و"تويتر" وغيرها، قوة هائلة للشباب في التعبير عن أنفسهم بعيدًا عن الالتزام بالخطّ الرسمي لتعريف الثقافة وأشكال التعبير المختلفة، والأهمّ أنها منحت أصحاب الأصوات الحقيقية القدرة على التجريب والبحث عن الذات الأدبية وتجريب أشكال مختلفة من الكتابة دون المرور بالمسارات التي حدّدتها ظاهرة المقاهي الثقافية ومن يتحكّم فيها، بما يشكل تهديدًا لمفهوم "الشللية" ودوائر الأصدقاء المهيمنة على الشأن الثقافي سابقًا.

ظاهرة التواصل على التطبيقات الحوارية ستكون هي الوريث الشرعي لظاهرة المقاهي الثقافية

هنا نلتقي بأحد الأوجه الإيجابية لمواقع التواصل، وهو تطويعها لخلق مساحات نقاشية أكثر رحابة وتعبيرًا عن أفكار الشباب العربي ومشاكلهم وإبداعاتهم دون وصاية، كما تخلق مساحةً لحرية التعبير بعيدًا عن توجّس الأنظمة السياسية المرتابة دومًا من أيّ تجمعات، ثقافية كانت أو لم تكن. لم تعد الحياة الثقافية في حاجة إلى مقهى ثقافي وشخص يأخذ بيد شخص آخر ليعرّف به على المقاهي الثقافية في وسط القاهرة، يحتاج الأمر الآن إلى موهبة حقيقية للولوج إلى عوالم التطبيقات المدهشة للتعبير عن الذات.

في المقهى الإلكتروني سنلتقي بجميع الأصوات العربية، ويعيد الشباب المصري والعربي اكتشاف المنطقة من حولهم بلا أيّ عوائق حدودية أو تدخلات سلطوية أو تحكّم مجموعات بعينها، لذا يبدو أنّ ظاهرة التواصل على التطبيقات الحوارية ستكون هي الوريث الشرعي لظاهرة المقاهي الثقافية التي تعيش أيامها الأخيرة. فالصخب الآن على العالم الافتراضي، حيث النقاشات العميقة والعصف الذهني والاشتباكات الأيديولوجية والتعبير الأدبي مختلف الأشكال، بينما ينحصر دور المقاهي في كونها أماكن للقاء الأصدقاء والجلوس للاسترخاء واستهلاك الوقت في لعب الدومينو والطاولة. 


لقراءة الجزء الأول: مقاهي القاهرة الثقافية.. أفولٌ في زمن "المنصّات" (2/1)

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن