تقدير موقف

التعليم الإلكتروني مستقبل التعلّم العالمي (2/2)تحدياته ومشكلاته في البلدان العربية

بالرغم من وجود مئات الجامعات والمؤسسات التعليمية والشركات التدريبية العالمية التي تقدم خدماتها عن بُعد، وتوفر برامج ومقررات دراسية ودورات تدريبية متخصصة بجودة عالية عبر أنظمة إلكترونية متنوعة، ولا تختلف كثيرًا في جودتها ومزاياها العلمية والتأهيلية عن الدراسة في مقراتها التقليدية، وكذلك الشأن في عدد من البلدان العربية هناك مؤسسات تعليمية تتيح تعليمًا إلكترونيًا في مجالات مختلفة؛ إلا أنه في واقع الأمر، هناك عدة تحديات تواجه أنظمة التعليم الإلكتروني، تمثل بعض صعوباته وسلبياته التي تحد من تحقيق الأهداف المثلى للعملية التعليمية والتربوية باستخدام هذا الأسلوب التقني الذي أخذ في الانتشار سريعًا وتطور سوقه بشكل لافت، كما أشرنا فيما سبق؛ الأمر الذي يتطلب مواجهة هذه التحديات والعوائق بحرفية، وتوفير الحلول المناسبة لها، حتى يُضمن نجاحه وأداؤه لمهمته التعليمية الموجهة لمختلف فئات المتعلمين في شتى التخصصات والمستويات.

التعليم الإلكتروني مستقبل التعلّم العالمي (2/2)
تحدياته ومشكلاته في البلدان العربية

يمكن تقسيم التحديات والصعوبات المعنية في هذا السياق إلى قسمين، عامة وخاصة.. أما العامة، فهي التي تواجه تطبيقات التعليم الإلكتروني على المستوى العالمي، وأما الخاصة، فهي ما يعنينا منها على مستوانا المحلي العربي.

عالميًا، هناك خمس تحديات وصعوبات حقيقية لأنظمة التعليم الإلكتروني.. تتعلق بالتخطيط الدقيق، والأمن الإلكتروني، وتحقيق المساواة، والتقييم والاختبار، والعنصر الاجتماعي.

أولًا: لا بد أن يخطط لنظام التعليم الإلكتروني متخصصون أكفاء في العمليات التخطيطية وأصحاب تجربة كبيرة في المجالين التعليمي والتقني الإلكتروني، شاملًا ذلك جهود التخطيط بدقة للإجراءات والبرامج، والعمليات، والمناهج والمقررات الدراسية، والسياسات التعليمية، والتشريعات واللوائح، واختيار المنصات الإلكترونية الملائمة، وأنظمة إدارة التعلم (LMSs)، والمعايير والمقاييس التقنية اللازمة.

ثانيًا: صعوبة ضمان الأمن الإلكتروني لعمليات التعليم الرقمية، والأمان الفائق المطلوب للتفاعل الافتراضي والخصوصية التعليمية. ما يعني لزوم الاهتمام جيدًا بتوفير أنظمة قوية وحديثة متجددة للأمن الإلكتروني، والأمن السايبري التفاعلي بشكل خاص، سواء للأجهزة الحاسوبية أو للشبكة ومنظوماتها التعليمية المستخدمة.

ثالثًا: صعوبة تحقيق المساواة في التعامل مع الفروقات الاجتماعية بين المتعلمين من شتى فئات الناس والمجتمعات البشرية، من حيث اللغة والثقافة والمستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ما يتطلب إجراء دراسات اجتماعية-تقنية في هذا الشأن لتوفير التغذية الراجعة التي يمكن أن تبنى عليها الحلول المناسبة، وتُطور الأنظمة الإلكترونية التعليمية وفق مخرجاتها.

قلة التدريب والتأهيل التقني للمتعلمين والمعلمين وتدنّي جودة المحتوى التعليمي المقدم في العالم العربي 

رابعًا: صعوبة تقييم واختبار المتعلمين عن بُعد، وتأكيد الحصول على النتائج الرقمية العاكسة لواقع مستويات المتعلمين قيد التقييم. والمطلوب هنا هو متابعة مخرجات الاختبارات وتضمين حلول متوافقة مع مخرجات التقييم المتواصل.

خامسًا: افتقاد العمليات التعليمية الإلكترونية للعنصر الاجتماعي المهم جدًا في العملية التعليمية، فلا يوجد تواصل وتفاعل اجتماعي طبيعي مباشر، بين الضالعين في العملية التعليمية الإلكترونية خاصة بين المعلم والمتعلمين. هذا الأمر، يتطلب تكوين مجموعات رقمية شبكية من المتعلمين والمعلمين للتواصل الاجتماعي، ويفضل إنشاء منصة إلكترونية-اجتماعية خاصة بمجتمع المؤسسة التعليمية المعنية.

أما على المستوى العربي الخاص، فبالإضافة إلى التحديات والصعوبات العامة المذكورة، هناك أيضًا مشكلات محددة تواجهها تجارب العملية التعليمية الإلكترونية في البلدان العربية، أبرزها:

1. نقص المهارات الحاسوبية المطلوبة للعملية التعليمية الإلكترونية، وقلة التدريب والتأهيل التقني المناسب للمتعلمين والمعلمين أيضًا، ما يتطلب ضرورة الرفع من مستوياتها اللازمة.

2. ضعف البنية التحتية التقنية، وضعف شبكة الإنترنت. وهي مسألة تتعلق بالتنمية المجتمعية التقنية عمومًا، ومن مسؤولية المخططات الحكومية على مستوى الدولة.

3. نقص الأجهزة الذكية وملحقاتها المطلوبة. ما يعني ضرورة إتاحة هذه الأجهزة بمواصفات فنية وجودة مناسبة.

4. صعوبة التفاعل والمشاركة، الناجمة عن ضعف عناصر التعليم الإلكتروني التقنية، والتنظيمية، وقلة تجربتها في هذا المجال.

5. تدنّي جودة المحتوى التعليمي المقدم، مقارنة بالجودة العالمية المتقدمة، ما يتطلب مراعاة مقاييس الجودة العالمية، وضرورة بلوغ مستوياتها، والحصول على شهاداتها المتخصصة  المعتمدة.

من أهم أهداف التعليم الإلكتروني مساهمته في التنمية ورفع المستوى العقلي والثقافي للأفراد والجماعات

لا شك، أنّ ما تقدّم يعني وجوب أن تتوفر أسس وركائز وشروط معينة، لكي يحقق التعليم الإلكتروني أهدافه المنشودة، لكونه يعتمد أساسًا على الاتصال والتواصل عبر الحاسوب والشبكات والوسائط الإلكترونية المتنوعة، خصوصًا ما يرتبط بأهدافه وجودته وتقويمه وانتشاره ومتابعته. لا يمكن أن ينجح التعليم الإلكتروني في مؤسسة تعليمية ما، دون أن تحدد أهدافه بدقة، وترسم مخططاته القابلة للتنفيذ وفق إمكانيات المؤسسة، وتوضع له البرامج التعليمية المناسبة لأهدافه الموضوعية. أيضًا، أهمية التأكيد على جودة المحتوى التعليمي كمعرفة متجددة تقدمها المؤسسة التعليمية والتدريبية المعنية، وليس مجرد أن تكون أداة لتوصيل المعرفة أو نقلها.

كذلك، يتطلب الأمر التركيز على تفعيل المهمة التعليمية، وتقويمها بعلمية وحرفية، بدلًا من تقويم مستوى المعرفة فقط.. الأمر الذي يفترض أن يتناغم مع جهود العمل على توسيع انتشار التعليم الإلكتروني المقدم على أوسع نطاق ممكن، بمعنى تشجيع المتعلمين والمتدربين عن بُعد في مختلف الأمكنة، خصوصًا المجموعات المتباعدة بدلًا من المحلية القريبة. إذ إنّ من أهم أهداف التعليم الإلكتروني مساهمته الفعالة في التنمية المستدامة، ورفع المستوى العقلي والثقافي للأفراد والجماعات محليًا، وعالميًا. وأخيرًا، لزوم المتابعة المستمرة، ومراقبة سير العملية التعليمية الإلكترونية، وتوفير التغذية الراجعة المتواصلة بشأنها، لتصحيح الأخطاء، وتحسين الأداء، وتطوير النظام التعليمي المستخدم.



لقراءة الجزء الأول

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن