وتكتسب هذه المفاوضات أهمية كبيرة في ضوء حاجة الطرفين لهذا المسار، فالصين لديها فائض طاقة كبير في مجال صناعة السيارات ولا سيما الكهربائية، وهي تتعرض لحرب على صادراتها من السيارات وبالأخص الكهربائية من قبل الغرب، حيث فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات مؤقتة تصل إلى 38% على واردات السيارات الصينية (لتضاف إلى أخرى بنسبة 10% مطبقة أصلًا على السيارات الصينية)، وقبل ذلك فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على السيارات الصينية الكهربائية تبلغ 100%، الأمر الذي يعني واقعيًا حظر تصديرها لواشنطن، ويدفع ذلك بكين للبحث عن أسواق بديلة.
في المقابل، فإنّ مصر لديها تجربة طويلة مع صناعة السيارات تعود للستينيات، ولكنها لم تحقق النجاح المرجو، ولم تتحول من حالة التجميع إلى تصنيع حقيقي بأحجام وأسعار اقتصادية، كما أنّ واردات السيارات تمثل واحدًا من أكبر عوامل استنزاف العملة الأجنبية حيث تستورد القاهرة في المتوسط ما يتراوح قيمته بين 4 إلى 5 مليارات دولار سنويًا.
مصر تحتاج لبناء سلسلة توريد للصناعات المغذية للسيارات حتى لا تتحول المصانع الصينية إلى منشآت للتجميع
ولدى مصر ميزات عدة، أهمها موقع جغرافي شديد الأهمية وأيدي عاملة زهيدة الأجور بعد تعويم الجنيه، وعدد سكان كبير قابل لخلق سوق ضخم، إضافة لسلسلة من اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول العربية عبر منطقة التجارة العربية الحرة واتفاقية أغادير، ومع دول شرق وجنوب أفريقيا عبر اتفاقية الكوميسا، والأهم مع الاتحاد الأوروبي عبر اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية التي بموجبها تصدّر أوروبا السيارات لمصر بدون رسوم جمركية، مع وجود اتفاقيتين مماثلتين مع المملكة المتحدة وتركيا.
وخلال الزيارة، أعرب رئيس الوزراء المصري عن رغبه مصر في التحول لقاعدة لإنتاج السيارات لا سيما الكهربائية.
وكان اللقاء مع رئيس شركة "غريت وول" التي تصنع علامة هافال الناجحة بالمنطقة العربية هو الأكثر لفتًا للانتباه، حيث قال رئيس الوزراء المصري، إنه فور اتخاذ الشركة قرارها بالتواجد في مصر، سيتم توفير الأرض المطلوبة على الفور لإنشاء المصنع، وسيتم إصدار الرخصة الذهبية لهذا المشروع المهم؛ حتى تتمكن الشركة من التنفيذ في أسرع وقت ممكن، كما سيقوم بالإشراف على المشروع بنفسه.
وذكر وليد جمال الدين رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أنّ مسؤولي الشركة الصينية طلبوا الحصول على مليون متر لإنشاء المصنع لإنتاج السيارات والمستلزمات المطلوبة لها، لافتًا إلى أنّ المشروع من المقرر تنفيذه على مرحلتين، كل مرحلة بقدرة إنتاجية تبلغ 60 ألف سيارة، علمًا بأنّ المستثمرين بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لديهم عدد من الإعفاءات الضريببة.
ولكن يظل هناك الكثير من التحديات التي على الجانبين تخطيها، فمن ناحية، فإن مصر تحتاج لبناء سلسلة توريد للصناعات المغذية للسيارات حتى لا تتحول المصانع الصينية المقترحة إلى مجرد منشآت للتجميع، ولكي تمثل قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد، وتلبي النسب الواردة للمكون المحلي في اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها مصر التي تصل لـ40 و50% من إجمالي السيارة.
وعلى هذا الجانب، تظهر الحاجة لتعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي وتدريب العمال، وتطوير مراكز للأبحاث، والأهم التغلب على البيروقراطية، علمًا بأنّ رئيس الوزراء تعهد بمتابعة المشروعات بنفسه.
على الجانب الآخر، فإنّ الصينيين في سعيهم للتوسع في صناعة السيارات بالخارج يثقل حركتهم بعض التردد، أو بالأحرى حذر حكومي، إذ يبدو أنّ بكين لا تريد تكرار ما حدث مع اليابان وألمانيا، حيث نقلت شركات السيارات بهذه البلاد نسبة كبيرة من مرافقها للخارج، وتسربت التكنولوجيا للدول المتلقية للاستثمار (مثل الصين نفسها).
وفي هذا الصدد، أفادت تقارير بأنّ الحكومة الصينية نصحت بشدة بعدم الاستثمار في روسيا أو تركيا، واستخدمت نبرة أكثر لطفًا لتسليط الضوء على مخاطر بناء المصانع في أوروبا وتايلاند، في المقابل، شجعت شركاتها على استخدام المصانع في الخارج للتجميع النهائي للسيارات مع مكونات مفككة يتم تصديرها من الصين، وذلك للتخفيف من المخاطر المحتملة الناجمة عن قضايا جيوسياسية.
يمثّل التنافس الاقتصادي الغربي الصيني فرصة كبيرة للدول العربية
وهكذا سيكون أكبر جهد أمام مصر، هو كيفية توفير أفضل الظروف للشركات الصينية، مع حثها على نقل التكنولوجيا للشركاء المحليين وتدريب عميق للعمالة الوطنية، وزيادة نسبة الإنتاج المحلي، كما فعلت بكين نفسها مع شركات السيارات الغربية، والأهم دفع الشركات المصرية للتحول من مرحلة الاستيراد أو التجميع إلى العمل على توطين التكنولوجيا.
هذا التوجه يستلزم حذرًا سياسيًا أيضًا في ظل الهوس الغربي بمطاردة الشركات الصينية، حيث يمكن أن تتعامل أوروبا بحساسية مع أي محاولة سافرة لجعل القاهرة بوابة بديلة للسيارات الصينية، وهو عامل يمكن أن تستغله مصر لدفع الشركات الصينية لزيادة المكون المحلي بما في ذلك السعي لخلق علامات مصرية.
وبينما يمثّل التنافس الاقتصادي الغربي الصيني فرصة كبيرة للدول العربية ومنها مصر، فإنه أيضًا يحمل مخاطر سواء خطر التورط في هذا التنافس أو أن يؤدي هذا الوضع لدفع الصين لإغراق أسواق المنطقة العربية بالسيارات الممنوعة من دخول الغرب، وهي مسألة لها تأثير سلبي بالأخص على الدول غير النفطية كمصر.
ولكن تظل الفرص التي يوفرها هذا التنافس أكبر من المخاطر، ولكن الأمر متوقف كثيرًا على قدرة الدول العربية على التعامل مع هذين الماردين.
(خاص "عروبة 22")