انتقلت المعركة من مواجهه محسوبة استمرت ١٠ أشهر بين "حزب الله" وإسرائيل إلى عدوان غاشم على لبنان سقط فيها آلاف الضحايا وخاصة من أبناء حاضنة "حزب الله" الشعبية.
الخسائر التي مُني بها "حزب الله" والاختراق الذي حدث لأجهزته واغتيال عدد كبير من قادته وصولًا إلى أمينه العام السيد حسن نصرالله، ثم الهجمات الإجرامية التي قامت بها إسرائيل في الجنوب والضاحية وعدم قدرة الحزب على الرد "الرادع" واكتفاء إيران بمتابعة ما يجري في لبنان دون أن تتدخل، كل ذلك أعاد طرح كثير من الأسئلة المتعلقة بتوجهات الحزب وشكل تحالفاته إذا أراد أن يستمر كقوة ردع في وجه آلة القتل الإسرائيلية.
مسألة وحدة الساحات لم يعد لها معنى عملي ولم تتحقق في الواقع
والحقيقة أنّ شرعية وجود "حزب الله" لا ترجع كلها للدعم الإيراني إنما لأنّ جانبًا كبيرًا منها يرجع لعجز كل البدائل المدنية والسلمية عن استعادة الحقوق العربية.
فهل نجح أي مسار سياسي سلمي أو قرارات الشرعية الدولية في وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني؟، وهل نجحت محاولات النخب اللبنانية المدنية في وقف الحرب أو تخفيض عنفها بالأدوات السلمية والدبلوماسية؟، وهل نجحت جامعة الدول العربية في وقف أي حروب في العالم العربي (ليبيا السودان اليمين وسوريا) أو وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني؟، وهل دولة جادة وذات تاريخ ملهم مثل جنوب أفريقيا نجحت بأدواتها المدنية والقانونية في أن تنفذ قرار محكمة العدل الدولية بحماية المدنيين الفلسطينيين من الجرائم الإسرائيلية؟.
سيستمر وجود "حزب الله" و"حماس" وباقي الفصائل المسلحة التي تعلن مقاومة إسرائيل طالما ظل الوضع السياسي على حاله واستباحة إسرائيل للجميع معتدلين وممانعين، سلميين ومسلحين.
إن المنظومة الدولية غير العادلة وتلك العربدة الإسرائيلية ستحجز دورًا مؤكدًا للفاعلين من خارج الدولة (Non state Actors) في العالم العربي، ولكن هذا الدور لا يمكن أن يستمر بالطريقة نفسها التي أدار بها "حزب الله" حساباته طوال الفترة الماضية، فمسألة وحدة الساحات لم يعد لها معنى عملي ولم تتحقق في الواقع لأنها ببساطة تتطلق من فكرة عقائدية تتصور أنّ خيارات أحزاب المقاومة في أي مكان وفي أي سياق وفي أي توقيت واحدة نظرًا لوجود الرابط الأيديولوجي الواحد الذي يجمعها وهو مقاومة إسرائيل، وثبت في الواقع العملي أنّ هذه الرابطة لا تكفي بمفردها لكي يقرر الجميع في التوقيت نفسه محاربة إسرائيل إنما هناك حسابات داخلية وإقليمية تجعل هذا الخيار ليس واحدًا.
وقد اتضح طوال عام العدوان الإسرائيلي أنّ حسابات "حزب الله" ليست هي حسابات الدولة الراعية أي إيران وحسابات "حماس" ليست هي حسابات الفصائل العراقية، وحسابات الأخيرة ليست حسابات "حزب الله" أو الحوثيين لأنّ حسابات التنظيمات العقائدية لا يمكن أن تنفصل عن "الساحة المجتمعية" التي يتحرك فيها كل تنظيم، ويجب عدم الاستعلاء عليها باسم المقاومة أو غيرها.
تحالف "حزب الله" مع إيران عليه ألا ينسيه أنه حزب في لبنان واستمد قوته بفضل الصيغة اللبنانية "السائلة"
إنّ ما قدمته الساحة الفلسطينية يقول إنّ الثمن الذي تدفعه حركة "حماس" والشعب الفلسطيني سبق ودفعته مجتمعات كثيرة من أجل نيل حريتها واستقلالها، وهو ما جرى بصورة مختلفة في لبنان أثناء حرب تحرير الجنوب في عام 2000، ونال "حزب الله" وقتها دعمًا من الغالبية العظمى من اللبنانيين لأنه كان قوة تحرير وطني لبناني رغم جوانبه الأيديولوجية التي هي محل خلاف.
سيخرج "حزب الله" من هذه الحرب أضعف مما كان عليه من قبل، وهو يحتاج لاستعادة قوته المعنوية وحاضنته الشعبية أكثر من قدراته المسلحة التي سيُفرض عليها قيود كثيرة، فمطلوب أن يعترف بالثمن الباهظ الذي دفعه على كل المستويات من حربه في سوريا وكيف خسر شرائح كثيرة لم تكن ضده، كما أنّ تحالفه مع إيران عليه ألا ينسيه أنه حزب في لبنان واستمد قوته بفضل الصيغة اللبنانية "السائلة" فعليه ألا يستغلها حتى لا تنهار على الجميع.
(خاص "عروبة 22")