شكوكُ كثيرة حول مدى فعالية واستدامة أي اتفاق مقبل يتم التوصل إليه. والعديد من المراقبين يتشاركون المشاعر ويتساءلون، إذا ما كان يمكن لهذه الاتفاقات أن تحمي لبنان والمنطقة من التوترات المستقبلية، أو إذا ما كانت ستظل مجرد حلول مؤقتة لا تعالج الجذور العميقة للصراع العربي - الإسرائيلي في ضوء التطورات الأخيرة المستمرة منذ "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
هذه المخاطر، يُنظر إليها على أنها الأعلى الآن بعد اغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، مقارنةً بالأشهر الماضية. فالصراع يقترب من نقطة تحول حاسمة، إذا لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل.
تكثر الأسئلة عن جدوى هذا التصعيد، لا سيما في التحول الاستراتيجي المنشود الذي لم يتحقق بعد. وتحذر تقارير إستخباراتية من أفق سياسي شرق أوسطي على حافة الهاوية. وعلى غرارِ مسرحية صامويل بيكيت، "في انتظارِ غودو"، وفي انتظار نتائج الانتخابات الأميركية لتبرز الدوافع الخفية لإدارة أميركية غير مضمونة، يدخل هذا المعطى بالفعل في استراتيجيات السياسة الدولية في كل مكان في العالم.
ربما لم تتحقق بعد كل المخاوف من تكريس الفكرة الأساسية التي قامت عليها إسرائيل كموطئ قدم وأمان لليهود في العالم، وعلى أساس أنّ المجتمع الإنساني كله معرض للخط، ليأتي رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ويعرض نفسه باعتباره "المنقذ" بسلسلة توريد سيبرانية، لا يمكن معها لأي شخص أو دولة أو مجموعة أن تتعامل بالإنترنت إلا عبر البوابة الإسرائيلية التكنولوجية. لذلك الحرب الجيوسياسية يتجاوز فيها الصراع في الشرق الأوسط الحرب الروسية - الأوكرانية ليصيب العالم بالذعر. وتتجسد الآن مهمة الدولة العبرية في إدخال العالم في متاهة الأوضاع الجديدة، وتفكيك الدولة الوطنية في لبنان وسوريا والعراق واليمن والسودان وانقسامات فلسطينية - فلسطينية وعربية – عربية، وتموضعات إقليمية.
تتجه الأمور حاليًا نحو دفع المنطقة للدخول في النظام الدولي الجديد، وإيران تبدو مترددة في الاستجابة، يحاول أن يعطيها الرئيس الإيراني مصداقية في المحافل الدولية، مقابل عدم خوض حرب بديلة عن "حماس" و"حزب الله ".
الحفاظ على لبنان أصبح أصعب من أي وقت مضى، حيث تعبر إسرائيل خطوطًا حمراء. لقد تمّ محو قواعد الاشتباك القديمة في الشرق الأوسط. ولا شك أن اغتيال نصرالله وقياداته العسكرية والأمنية سيوقف مفاوضات الهدنة مؤقتًا. لكن هذا لن يغيّر الواقع في شيء.
وجهة النظر الأكثر تشاؤمًا، هي أنّ التصعيد الذي تعتمده إسرائيل، هو وسيلة لتخريب كل شيء. قد ترى إسرائيل أنّ الاغتيالات مآثر استخباراتية عسكرية، لكنها لن تغيّر واقعها الاستراتيجي كونها دولة احتلال لن تستمر الى أجل غير مسمى. وقد يتخذُ الأمرُ منعطفًا وجوديًا لبنيامين نتنياهو، الذي يعلمُ أن بقاءه في السلطة معلّقٌ بخيطٍ رفيعٍ، وأنهُ يتعينُ عليهِ أن يصمدَ حتى الخامس من نوفمبر، وهو أمرٌ غيرُ مضمون.
بالمقابل من المرجح أن يؤدي اغتيال هنية ونصرالله إلى إثارة خلاف داخلي في الجمهورية الإسلامية بين أجنحة متنافسة على السلطة حيث كل طرف يفكر عكس الآخر. هذا التجاذب، يمكن أن يحدد مستقبل إيران ومستقبل المنطقة نفسها (يبدو أنّ "حزب الله" وأمينه العام ضحايا هذا التجاذب غالبًا).
وبانتظار "وستفاليا صغيرة" تدعو لها المملكة العربية السعودية للتداول في فرصة إحياء مسار "حل الدولتين" وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، الأمور قد تذهب بعيدًا، ويبقى العمل العسكري سبيلًا وحيدًا يؤسس لحروب دينية مقبلة!.
(خاص "عروبة 22")