بجانب التعاطف في الدائرة الأوسع لشعوب الدول المسلمة وتلك التي عانت الاحتلال في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، فإنّ العالم بأكمله الآن تقريبًا يصف الكيان الصهيوني بما يستحقه ويقر بكونه قائمًا على الاحتلال العنصري لشعب آخر وانتهاك كل حقوقه بشكل صارخ ويومي.
على مدى عقود طويلة، ساد الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة والدول الأوروبية، نوع من الانبهار بنجاح المشروع الصهيوني وقدرة المستعمرين اليهود في وقت قصير على بناء دولة متقدمة وديمقراطية وسط محيط من الشعوب العربية الهمجية والمتخلفة.
دفع صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته العالم برمته إلى الاعتراف بعدالة قضيته
وزاد ذلك الدعم بعد الانتصار الساحق الذي حققته الدولة الناشئة في العام 1967 وهزيمة جيوش كل الدول العربية الواقعة على حدود فلسطين في غضون ساعات وأيام.
الآن، وبعد دماء كثيرة سالت في حروب ومجازر لا تنتهي على مدى أكثر من سبعة عقود، وتغيّر أشكال السيطرة على وسائل الإعلام لتخرج من نطاق الأنظمة إلى فضاء عالم الإنترنت الواسع الذي يصعب على طرف واحد التحكم فيه وإخفاء الحقيقة مهما بلغت إمكانياته، دفع صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته العالم برمته إلى الاعتراف بعدالة قضيته وبضرورة إنهاء احتلال أراضيه، وذلك بغض النظر عن أي انتصارات تكتيكية يحققها جيش العدو مؤخرًا، سواء في قطاع غزّة أو في لبنان في أعقاب استشهاد الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله وتمكن العدو من توجيه سلسلة من الضربات شديدة الإيلام لقيادة الحزب العسكرية منذ جريمة تفجير أجهزة "البيجر" الإرهابية.
ما يجب على الجميع الحذر منه الآن هو تلك الهوة الواسعة بين مواقف الأنظمة العربية وشعوبها تلك التي لن تتوقف عن إبداع أشكال جديدة لدعم المقاومة والقضية الفلسطينية. فبعض الأنظمة الحالية تمنع التظاهرات الداعمة لفلسطين ولبنان بحجة الحفاظ على الأوضاع الداخلية والخشية من الانفجار والتفكك في ظل أوضاع اقتصادية شديدة السوء. كما تتحفظ أنظمة أخرى على تقديم الدعم المطلوب للشعب الفلسطيني في غزّة أو المقاومة في لبنان بحجة أنّ "حماس" و"حزب الله" يحظيان بدعم من إيران التي تُمثل من وجهة نظرهم خطرًا يفوق الخطر الذي يمثله الكيان الصهيوني.
وبينما لا يمكن التقليل من الطموح الإيراني ببُعديه الفارسي والشيعي معًا والرغبة في الهيمنة على المنطقة برمتها، فإنّ من يريد ملء المساحة التي تشغلها إيران وكافة الجماعات الداعمة لها فيما يعرف الآن بـ"محور المقاومة" عليه أن يدرك البُعد الداعم لفلسطين في مشاعر الشعوب العربية والمسلمة بل وغالبية شعوب العالم الآن بدلًا من السعي والتمهيد لتطبيع العلاقات مع الكيان المحتل بزعم أنّ ذلك الطريق هو ما سيؤدي إلى تحرير فلسطين.
اختلفت رؤية كاتب السطور الشخصية لـ"حزب الله" ونضاله في محطتين فاصلتين؛ الأولى: عندما تخلى عن توازنه وسعى للهيمنة على المشهد اللبناني الداخلي شديد التنوع بأبعاده الطائفية، والثانية: بعد قراره دعم النظام السوري الحالي في قمعه لثورة الشعب السوري في العام 2011. كما لم تكن "حماس" هي بالضرورة الفصيل الفلسطيني المقاوم الأقرب إلى مواقفي ومعتقداتي في ظل تناولها للصراع من منظور ديني وكونها ذراعًا لجماعة "الإخوان المسلمين".
الأولوية الآن هي لدعم المقاومة ووقف الجنون الصهيوني
ولكن في ظل التخلي الرسمي العربي عن دعم فلسطين وإنهاء الاحتلال والفشل الذريع لمسار مفاوضات السلام الممتد منذ أكثر من ثلاثة عقود، لم يعد من الممكن سوى دعم كل من يواصل التمسك بخيار مقاومة الاحتلال والمشروع الصهيوني الاستعماري بكافة الأشكال، بالسلاح أو المقاطعة، وبغض النظر عن أي اختلافات إيدولوجية طائفية، خصوصًا في ظل التضحيات الهائلة التي تقدّمها تلك الفصائل نتيجة تمسكها بخياراتها.. أما بقية الاختلافات، فلكل مقام مقال، والأولوية الآن هي لدعم المقاومة ووقف هذا الجنون الصهيوني المتواصل في فلسطين ولبنان.
ستخسر الأنظمة العربية الرسمية شعوبها إذا استمرت في تجاهل مشاعرها الداعمة لفلسطين، وحينذاك سيتجاوز الأمر أي مخاوف طائفية أو إقليمية.
(خاص "عروبة 22")