قضايا العرب

العنف المدرسي في تونس.. خطر يتفاقم وحلول غائبة!

تونس - فاطمة البدري

المشاركة

في اليوم الأول من العودة المدرسية قضى تلميذ بأحد المعاهد الثانوية بضواحي تونس العاصمة نتيجة تعرضه للعنف الشديد على يد شخصين في محيط المعهد. حادثة أعادت ظاهرة العنف المدرسي المستفحلة في تونس إلى دائرة الضوء، وجددت الجدل بشأن تتالي حوادث العنف الخطيرة في داخل المدارس والمعاهد في ظل غياب إرادة حقيقية من الدولة للتصدي لهذا الخطر.

العنف المدرسي في تونس.. خطر يتفاقم وحلول غائبة!

حسب الرواية الأمنية الرسمية، فإنّ التلميذ الضحية قد تعرض للعنف الشديد على يد شخصين كانا يحاولان استفزاز إحدى زميلاته. وعندما حاول التصدي لهما بادر المعتدون لتعنيفه حتى الموت على عين المارة. علمًا أنّ القاتلين هما تلميذان أحدهما يدرس بمعهد عمومي والثاني بمعهد خاص.

وأثارت الحادثة مخاوف كبيرة لدى الأولياء الذين طالبوا السلطات بإيجاد حلول سريعة لتفشي أعمال العنف في المدارس والمعاهد وحماية محيط المؤسسات التربوية التي تؤكد عدة تقارير أنها باتت مفتوحة لبائعي المخدرات والمنحرفين في ظل غياب الرقابة والردع.

ليست هذه الحادثة الأولى خلال هذه السنة، بل سبقتها حوادث أخرى في غاية الخطورة وإن لم تنتهِ بالوفاة، إذ اعتدى تلميذ في مدرسة بالعاصمة تونس على زميله داخل الفصل باستخدام مقص أصاب منطقة العين ليفقد إحدى عينيه. وتعرّض تلميذ آخر لاعتداء بسكين أمام مدرسة بمحافظة صفاقس، فيما اعتدى تلميذ على أستاذ في محافظة سيدي بوزيد، في حادثة أدت لإيقاف الدروس لبضعة أيام. كما طُعنت تلميذة بسكين في معهد سيدي حسين بالعاصمة تونس، وأصيبت في يدها، وغيرها من الحوادث التي يعلن عن بعضها ويتم التعتيم على البعض.

وعلى مدار سنوات تعالت صيحات الفزع المنددة بارتفاع ظاهرة العنف المدرسي خاصة خلال السنوات الأخيرة، محذرةً من استخدام وسائل عنف خطيرة مثل الأسلحة البيضاء، وغياب الرقابة التي أدت لتمكّن التلاميذ من إدخال مواد خطرة إلى المدارس والمعاهد بل واستغلالها في أعمال عنف. ولكنها لم تجد آذانًا صاغية لدى سلط الإشراف التي لا تبدي أي جدية في التعاطي مع هذه الظاهرة فضلًا عن عدم شعور الأولياء بمسؤوليتهم عن هذا الخطر وإصرارهم على إلقاء اللوم على الإطار التربوي واتهامه بالعجز عن السيطرة على سلوك التلاميذ. فحسب معطيات وزارة التربية، يسجّل الوسط المدرسي سنويًا ما بين 13 ألفًا و21 ألف حالة عنف، في المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية.

وفي دراسة أعدت سنة 2022 لأحد المؤسسات الرسمية في البلاد، وبعد التواصل مع عيّنة تتألف من 6230 تلميذًا وتلميذة، خلصت إلى ارتفاع استهلاك المخدرات في صفوف التلاميذ الذين لم تتجاوز أعمارهم 13 عامًا، وأنّ نسبة استهلاك الهيرويين قُدرت بـ0.4 في المائة في أوساط التلاميذ، فضلًا عن تعاطي نسبة محدودة من التلاميذ مواد مخدرة أخرى مثل الكوكايين.

كما تبيّن الأرقام الرسمية تفاوتًا كبيرًا في حالات العنف المسجلة بين المجالين الحضري والقروي، حيث تم تسجيل 77 بالمئة من حالات العنف بالمجال الحضري مقابل 23 بالمائة في المجال القروي. وتصدرت محافظات تونس الكبرى أعلى الترتيب من حيث حالات العنف المسجلة بنسبة 14 بالمئة فمحافظة سوسة بنسبة 11 بالمئة تليها محافظة صفاقس بنسبة 10 بالمئة.

رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ، رضا الزهروني، يقول لـ"عروبة 22" إنّ "العنف المدرسي في تونس أصبح ظاهرة تستدعي المعالجة السريعة، لأن ما يتم تسجيله من حوادث يوميًا وسنويًا بات يؤكد أنّ جرائم العنف التي تُرتكب في المحيط المدرسي أخذت منعرجات خطيرة سواء على مستوى الأعداد التي ترتفع وعلى مستوى الأشكال التي تتم بها هذه الجرائم".

ويضيف: "هناك أسباب كثيرة لهذه الظاهرة منها التسرب المدرسي في سن مبكرة، بحيث يتحول عدد كبير من المتسربين من المعاهد الثانوية بشكل خاص إلى مصدر للعنف في محيط المؤسسات التعليمية التي تركوها. كما أنّ جنوح التلاميذ وخاصة الذكور منهم للعنف سببه تفشي ظواهر مجتمعية خطيرة كبيع واستهلاك المخدرات بمحيط المؤسسات التربوية إلى جانب ارتفاع نسبة التدخين في صفوف الناشئة، فضلًا عن الاكنظاظ الكبير في بعض المدارس والنقص الحاد في نوادي المسرح والموسيقى والرياضة التي من شأنها أن تهذب أخلاق التلاميذ، وهذا يجعلنا نصر على ضرورة مراجعة وإصلاح المنظومة التربوية برمتها".

بدورها، تقول الدكتورة إيناس بن سليمة، المختصة في علم النفس الأسري والطفل والمراهق والكهل، في تصريح لـ"عروبة 22" إنّ "العنف عند الطفل يتفاقم عندما يفقد الإحساس بالأمان وعندما يكون مرفوضًا من الأسرة ومن المجتمع ومن الأطفال المحيطين به في المدرسة ومختلف الفضاءات. كما تتزايد ردود الفعل العنيفة عند الطفل الذي يعاني من نقص عاطفي خصوصًا من جانب الأسرة التي تنشغل بنسق الحياة السريع عن تلبية احتياجات الطفل العاطفية. بمعنى أنّ شخصية الطفل العنيف تتحمل فيها الأسرة جانبًا كبيرًا من المسؤولية بسبب انعدام العناية به وإهماله عاطفيًا والتركيز فقط على محاسبته ولومه وتوبيخه".

يُذكر أنّ أكثر من مليوني تلميذ وتلميذة توافدوا في 16 سبتمبر/أيلول الجاري على المدرسة العمومية التي تجاهد للصمود والبقاء في ظل تدهور أوضاعها على جميع الأصعدة، ولعل العنف أحد أبرز مشاكلها في ظل غياب الحلول الجذرية له وعدم التعامل الرسمي الجدي مع هذه الظاهرة التي تتفاقم سنويًا.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن