تستمر الحرب الكلامية بين إسرائيل وإيران وسط تهديدات متبادلة بالردّ والرد المضاد، في حين تشتعل ساحات قطاع غزّة ولبنان بالنار مع سقوط المزيد من الضحايا والجرحى وتعهد تل أبيب بمواصلة القتال لـ"ضمان أمنها". وتغيب عن هذه المشهدية جهود التسويات التي تبقى "رهن الميدان" وما سيحمله من تطورات ستنعكس على الشعبين الفلسطيني واللبناني المتروكين لمصيرهما المحتوم في مواجهة أعتى آلة عسكرية بعد فشل المجتمع الدولي والأمم المتحدة بردع اسرائيل عن وحشيتها وتعنتها.
وقد تناولت الصحف العربية الصادرة اليوم الأوضاع في غزّة غداة الذكرى الأولى لعملية "طوفان الأقصى" وما تلاها من أحداث وتطورات امتدّ لهيبها الى الضفة الغربية التي شهدت حملة اقتحامات واعتقالات مستمرة ثم ما لبثت أن وصلت الى لبنان الذي يحاول اليوم بشتى الطرق التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار عبر التعهدات الرسمية بالالتزام بتطبيق جميع القرارات الدولية ووقف الاستنزاف الحاصل مع تدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية لقرابة أكثر من مليون نازح ومُهجر.
وتتوافق هذه التعهدات مع ما يطالب به ايضاً قادة الدول الكبرى كالولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا وغيرهم الذين شددوا في تصريحاتهم أمس على ضرورة اعتماد السبل "الدبلوماسية" لحل الصراعات ومنع توسيع رقعة الحرب بالمنطقة. على الرغم من أن هذه الدول الثلاث تدعم تل أبيب بالأسلحة والعتاد الذي يمكّنها من الاستمرار في القتل والتدمير.
وفي هذا الإطار، نشرت "تايمز أوف إسرائيل" نقلاً عن تقرير لمشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون الأميركية أن الولايات المتحدة أنفقت رقماً "قياسياً" لا يقل عن 17.9 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى".
أما فرنسا وبعد المشادة الكلامية بين نتنياهو والرئيس ايمانويل ماكرون، جددت على لسان وزير خارجيتها جان نويل بارو الذي التقى مسؤولين اسرائيليين في تل أبيب خلال مراسم إحياء ذكرى 7 أكتوبر، أن "القوة وحدها لا يمكن أن تضمن أمن إسرائيل"، مضيفاً إن "فرنسا لن تتوقف أبداً عن المطالبة بالإفراج غير المشروط عن المحتجزين".
من جهته، حذر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال زيارة مفاجئة الى لبنان، من أن التصعيد الإسرائيلي الذي بدأ في غزّة وامتدّ إلى لبنان يدفع المنطقة نحو "هاوية حرب إقليمية شاملة"، مؤكداً أن "العدوانية الإسرائيليّة المستمرة تهدد المنطقة بأكملها".
وغداة الذكرى الأولى للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزّة، والذي يعتبر الأطول من بين الحروب الست الاخيرة التي خاضها القطاع على مدار 15 سنة، والتي أسفرت حتى اليوم عن أكثر من 139 ألف شهيد وجريح فلسطيني. وصف نتنياهو الحرب التي تخوضها إسرائيل بأنها "دفاع عن وجودها". وقال: "ما دام العدو يهدد وجودنا وسلام بلادنا، سنواصل القتال".
وكان مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون أكد أن مجلس الوزراء في حالة انعقاد دائم لمناقشة الرد على إيران. وقال "سنختار الموقع الدقيق وسنقرر متى وأين، وسنضمن أن كل من يسعى إلى تدميرنا سيدفع ثمن أفعاله". أما وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي فكرر، بدوره، أن الجمهورية الإسلامية "لا تهاب الحرب وسترد بقوة على أي عمل وتهور جديد يصدر عن الكيان الصهيوني".
وفي الميدان تحركات وتطورات متسارعة تعكس طول الصراع دون أن يلوح أي بادرة أمل في الأفق. فعلى صعيد الجبهة اللبنانية، تستمر الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت وسط دمار هائل. أما في البقاع وبعلبك فالخسائر البشرية والمادية لا يمكن حصرها حيث سويت أحياءٌ بأكملها بالأرض. وجنوباً، ارتكب الجيش الاسرائيلي مجزرة في بلدة برعشيت على وقع تهديده أهالي 25 قرية بضرورة الاخلاء الفوري.
واذ أعلن عن مهاجمة 120 هدفاً لـ"حزب الله" في جنوب لبنان "خلال ساعة". طالب، في بيان، بالابتعاد عن ساحل البحر جنوب نهر الأولي، قائلا إنه سيعمل ضد أهداف تابعة لـ"حزب الله"، وفق تعبيره. كما أعلن كلا من رأس الناقورة وشلومي وحنيتا وأدميت وعرب العرامشة مناطق عسكرية مغلقة، ويأتي ذلك في إطار توسيع المناورة البرية بجنوب لبنان بعد ضمه فرقة "الجليل 91" الى العملية.
وفي غزّة، باشر الاحتلال حملة عسكرية جديدة دفعت الى المزيد من التهجير والنزوح مع تعمّده استهداف خيم النازحين ومراكز الإيواء والمساجد ما أدى الى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى. في وقت ذكر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن عدد القتلى من العسكريين والمستوطنين الإسرائيليين بلغ 1189 خلال سنة من الحرب كما أصيب نحو 5 آلاف آخريين بينهم 695 جراحهم خطيرة.
ونستعرض ضمن جولة الصحف العربية اليوم:
أشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية" إلى أنه "بعد عام على "طوفان الأقصى" هل تدرك "حماس" خطأها، وأن "حساب الحقل ليس مثل حساب البيدر"، وأن من خطط ليوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وقع في سوء تقدير الحساب، وأوقع معه الشعب الفلسطيني، ومعه الشعب اللبناني في مذبحة تحولت إلى طوفان من الدم".
بدورها، لفتت صحيفة "الراية" القطرية إلى أنه "ومع كل ما قدمه الفلسطينيون من صمودٍ ورفضٍ لمخططات الاحتلال لتهجيرهم، فإن العالم أجمع خذلهم وتركهم وحيدين دون أن يلوحَ بالأفق المنظور حل لأزمتهم"، معتبرة أن "حكومة التطرف الإسرائيلية غير معنية بمصير الرهائن الإسرائيليين بل تواصل العدوانَ لإلحاق الضرر الأكبر بالشعب الفلسطيني الأعزل".
أما صحيفة "الوطن" البحرينية، فقالت: "عام كامل مضى ولم ينجح العالم في ردع العدوان الإسرائيلي، ولم تنجح المحاولات في وقف آلة القتل والدمار. هذا العدوان الذي اتخذ من الهجمات عليه ذريعة وسبباً ليبدأ أكبر مجزرة إنسانية في العصر الحديث!". وأضافت: "لا بدّ أن يتم ردع إسرائيل وإقرار عقوبات قاسية عليها بشتى الطرق. لا بدّ أن يتم وقف السطوة الأمريكية وإلغاء هذا "الفيتو الظالم".
وفق صحيفة "عكاظ" السعودية، فإنه "لم تكن مغامرات "حزب الله" و"حماس" وكل فصائل محور المقاومة طيلة عقود من الزمن سوى حماقات غير محسوبة العواقب دفع الأبرياء في كل مرة ثمنها". وخلصت بالقول: "يحتفل خالد مشعل بانتصاره في عالم السراب والأوهام، بينما يدفع الأبرياء في واقعهم الدامي ثمن إقامته في عالم سرابه وأوهامه"، على حدّ تعبيرها.
وكتبت صحيفة "الأهرام" المصرية "بعد عام من العدوان الإسرئيلي على غزّة، فإن الدرس الأساسي هو أن سياسة القوة والأرض المحروقة التي يتبعها الاحتلال لن تنجح في فرض سياسة الأمر الواقع"، مشددة على أن "حكومة الاحتلال تتغذى على الصراع والحرب وتسعى لإشعال المنطقة وهو ما يتطلب التحرك السريع والفعال قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وتندلع حرب إقليمية شاملة".
وفي الإطار عينه، اعتبرت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "معركة 7 أكتوبر مازالت متواصلة، لم تتوقف، ولهذا لا يمكن تقدير نتائجها الحاسمة، ذلك لأن الفلسطينيين صمدوا ولكنهم لم ينتصروا بعد، والإسرائيليون أخفقوا ولكنهم لم يُهزموا بعد"، موضحة أن "نتائج الانتصار والهزيمة تعتمد على وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى وانسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، وهذا لم يتحقق بعد".
وفي سياق متصل، تناولت صحيفة "الجريدة" الكويتية الوضع في لبنان، إذ شددت على أن "الطرف الأكثر قدرة على التأثير في الوصول إلى وقف لإطلاق النار هو الولايات المتحدة الأميركية وهي لا تزال غائبة عن القيام بأي مسعى جدّي". وتابعت: "بناء عليه فإن الكلام للميدان ولمواصلة العمليات العسكرية التي يوسعها الإسرائيليون، بينما بدأ "حزب الله" بتوسيع نطاق قصفه واستهدافاته كما يؤكد أنه لا يزال قوياً في الميدان وقادراً على تعديل ميزان القوى بالحرب البرية".
(رصد "عروبة 22")