حُرم 39 ألف طالب وطالبة من التقدّم لامتحان الثانوية العامة مع انتهاء العام الدراسي الماضي، وحُرم 58 ألف طفل من فرحة الالتحاق بالصف الأول مع بداية العام الجديد، علاوة على تدمير نحو 90% من مدارس وجامعات قطاع غزّة.
فقد حوّلت آلة الحرب الإسرائيلية منظومة التعليم في غزّة إلى منظومة منكوبة كغيرها من القطاعات التي تعرّضت للتدمير والإبادة، ما يتطلب العمل من أجل حماية مستقبل التعليم في القطاع.
صفوف افتراضية ومبادرات تعليمية
ويؤكد د. رفعت الصباح، مدير مركز "إبداع المعلم" ورئيس اللجنة العالمية للتعليم وعضو اللجنة الاستشارية لـ"اليونسكو"، لـ"عروبة 22"، أنّ "معالم مستقبل التعليم في قطاع غزّة ليست واضحة تمامًا حتى الآن نتيجة تداعيات حرب الإبادة ومحو التعليم، حيث انهار نظام التعليم الرسمي في غزّة، وتضرر بشكل كبير في الضفّة بسبب الاجتياحات والحواجز الإسرائيلية".
وأشار إلى أنّ وزارة التربية والتعليم ووكالة الأونروا ومؤسسات المجتمع المدني تعمل جميعها في فلسطين من أجل إعادة العملية التعليمية في غزّة، حيث فتحت وزارة التربية صفوفًا افتراضية "عبر الإنترنت"، انضم لها قرابة مئة ألف طالب وطالبة، إضافة إلى مئة ألف طالب وطالبة انضموا للمبادرات التعليمية التي أطلقها مركز "إبداع المعلم"، إلى جانب تطوّع معلّمين من الضفة في تعليم طلبة غزّة "افتراضيًا".
وإذ كشف أنّ وزارة التربية والتعليم تُفكّر بجمع كل عامين دراسيين بعام واحد، حيث يحصّل الطالب مهارات استدراكية لصفين دراسيين مع بعضهما حتى لا تضيع السنوات التعليمية عليه، أكد الصباح أنّ الطلبة وذويهم في غزّة، مصممون على تسيير العملية التعليمية "حتى لو كانت مدارس بلا جدران أو في الخيام أو على الركام".
ولفت إلى أنّ تداعيات حرب غزّة على الحالة النفسية للطلبة والمعلمين أدخلتهم في "صدمة تعليمية"، لذلك لا بد من بذل الجهود من اليوم لإخراج الطلبة والمعلمين من الحالة النفسية السيئة التي تسببت بها الحرب، قبل العودة لأي عملية تعليمية.
تعليم تحرّري
ويشدد الصبّاح على أنّ "الفلسطينيين مرّوا بأزمات وأحداث متتالية، أكسبتهم خبرة في التعامل معها"، مضيفًا: "ما يميّزنا أننا نعيش في أرض نريد تحريرها من الاحتلال، والبيئة الحاضنة لنا تتطلع إلى إقامة الدولة والتحرر من الاحتلال والحفاظ على الهوية، وبالتالي قناعات شعبنا بالتعليم أنه مشروع تحرري، وليس أنه فقط مستقبل لحياة الفرد، أي أنه جزء من تطلعات ومستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته وبناء الإنسان الفلسطيني".
تعليم إنساني
ومن هذا المنطلق أكد أنّ "ما جرى في غزّة والضفة، يجب أن يمثّل فرصة أمام الفلسطينيين لتحديث المنظومة التعليمية التقليدية لأنها باتت لا تصلح لما بعد الإبادة"، وأضاف موضحًا: "ما حدث لنا كفلسطينيين من إبادة هو فجور لاإنساني، لذا يجب أن يتضمن هذا النظام إكساب الطلبة المعرفة والمهارات الإنسانية في التعامل مع مستجدات الحياة ومع التحرر والهوية، خصوصًا أنّ الإبادة في غزّة عبارة عن محاولة لانتزاع إنسانية الناس".
واستحضر الصبّاح مقولة ملهمة للثائر "جيفارا" بأنه "لا نستطيع الاستمرار في النضال إلا بكَمّ هائل من حبنا لإنسانيتنا"، لذلك بالضرورة يجب أن يكون التعليم مشروعًا تحرريًا للإنسان ولكرامته وحياته، وبالتالي فإنّ "الرؤية الجديدة للتعليم في فلسطين يجب أن ترتكز على تعريف واضح للإنسان لأنّ التعليم ليس فقط للتأكيد على ما نحن عليه، بل مواجهة ما نحن لسنا عليه، ويجب أن تتضمن مفاهيم التعاطف والتضامن، لأنها في الأساس مضامين إنسانية، ويجب أن تكون المخرجات الأكاديمية للتعليم مرتبطة بالمخرجات الاجتماعية".
(خاص "عروبة 22")