تقدير موقف

ماذا حقّقت الدول العربية في مجال التنمية المستدامة؟ (2/2)التقرير العربي للتنمية 2024

تطرقنا في الجزء الأول من هذه المقالة إلى أولى خلاصات "التقرير العربي للتنمية لسنة 2024" الصادر مؤخرًا عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وهي الخلاصات التي تعكس هواجس الإخفاق في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، في سياق عربي، عانت فيه الدول العربية من أزمة كورونا، التي أثرت بشكل سلبي على اقتصاديات الدول العربية ومنظومتها الصحية والتعليمية. ونتطرّق في هذه المقالة إلى تقييم التقرير للأهداف التي كانت مُسَطّرة في مشاريع التنمية العربية.

ماذا حقّقت الدول العربية في مجال التنمية المستدامة؟ (2/2)
التقرير العربي للتنمية 2024

يؤكد التقرير بأنّ المنطقة العربية، قد حققت تقدمًا جليًّا في مجال الهدف الثالث، أي ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمال. فهناك تحسّنٌ في المؤشرات الصحية، مثل عدد وفيات الأمهات والرضع والإصابة بالسل والحصول على اللقاحات، لكنّ عددًا من البلاد العربية تواجه تحديات وصعوبات في مجال التغطية الصحية الشاملة والصحة الجنسية والإنجابية وكذلك التوفر على تغطية صحية بتكلفة معقولة. وعمومًا، فإنّ التقرير يلاحظ استمرار عدم المساواة في مجال الصحة لأسباب متعدّدة، منها الفقر والهجرة والصراعات. وفي مجال الصحة النفسية يقول التقرير "فقد نقلت الإمارات العربية المتحدة، ولبنان والمغرب والمملكة العربية السعودية خدمات الصحة النفسية إلى البيئات المجتمعية" (التقرير نفسه، ص: 75).

أمّا بالنسبة للهدف الرابع أي ضمان التعليم الجيّد المنصف والشامل للجميع وتقرير فرص التعليم مدى الحياة، فالملاحظ أنّ هناك تعاونًا في جودة التعليم وعدم المساواة، وهناك معاناة الساكنة في الأرياف وذوي الحاجات، وهناك حاجة إلى تبني سياسات تعليمية ناجعة؛ وقادرة على استيعاب التحولات الجديدة في مجال التعليم. وتعاني الدول العربية المتأثرة بالصراعات، من عدم توفر المرافق التعليمية وعدم توفر بيئة آمنة للتعليم. ويلاحظ بأنّ الامارات العربية المتحدة والسعودية وقطر والكويت، قد ساهمت في تقديم مساعدات لتمويل التعليم الثاني، والتي استفادت منها دول فلسطين والسودان ومصر واليمن، وقد بلغت سنة 2020 حوالى 400 مليون دولار. (ص: 108).

لم تحرز المنطقة العربية التقدم المطلوب للانتقال إلى اقتصادات مبتكرة ومنتجة تتيح فرص عمل لائق لجميع الفئات

كما يلاحظ بأنّ هناك تباينًا بين الدول العربية في مجال تحقيق الهدف الخامس الذي هو، تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات"، ذلك أنّ المنطقة العربية لا تسير في الطريق السليم نحو تحقيق الهدف، إذ تتدنى معدلات تمثيل النساء في المناصب القيادية مقارنةً بالمعدلات العالمية" (ص: 114)، وما زال هناك ختان الإناث في بعض البلدان العربية، ولم يتحسّن بعد مؤشر المشاركة الاقتصادية للمرأة، بالرغم من سن القوانين. وهناك ضرورة لتحسين مؤثر العنف ضد النساء في المنطقة العربية.

ويُعتبر الهدف السادس، تحديًّا للمنطقة العربية، لأنّه يتعلق بضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مستدامة، فالمنطقة العربية بكاملها تواجه مشكل الأمن المائي في سياق التغيّرات المناخية والافتقار إلى التمويل الكافي. كما أنّ "المساعدة الإنمائية الرسمية الموجهة إلى الإدارة المستدامة للحياة قد انخفضت، ما يؤكد الحاجة الملحة إلى تحديد الالتزام والاستثمار في المبادرات المتعلقة بالمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية". (ص: 138). وتعتبر دول الخليج المنطقة التي تتوفر على منظومة واسعة لخدمات المياه والصرف الصحي، بينما الدول التي تعاني من الصراعات، هي في أسوأ وضع؛ بما ينذر بكارثة وخصوصًا في فلسطين التي يعاني أهل قطاع غزّة فيها من قلّة المياه وتدمير بنية الصرف الصحي.

ويلاحظ التقرير بأنّ المنطقة العربية، قد حققت تقدمًا في مجال الهدف السابع، أي ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة؛ ولكن "لا يزال الانتشار المحدود للطاقة المتجددة وكذلك الطاقة الأولية العالية، يُشكلان تحديًّا أمام التحول إلى الطاقة المستدامة" (ص: 162).

كذلك يُلاحظ التقرير بأن المنطقة العربية لم تحقق التقدم المنشود في تحقيق الهدف الثامن، أي (العمل اللائق ونمو الاقتصاد). فبالرغم من اعتماد الدول العربية لسياسات تنويع الاقتصاد، وتعزيز القدرة التنافسية؛ "إلّا أنّها لم تحرز التقدم المطلوب للانتقال إلى اقتصادات مبتكرة ومنتجة تتيح فرص عمل لائق لجميع الفئات" (ص: 180).

الدول العربية تواجه جملة من الإخفاقات والتحديات في مجال الحوكمة بسبب عدم الثقة في المؤسّسات وانتشار الفساد

ولم تستطع الدول العربية تحقيق تقدم مهم في الهدف التاسع الذي يفضي بإقامة بنى تحتية قادرة على الصمود وتحفيز التصنيع المستدام الشامل للجميع وتشجيع الابتكار. فهناك تقدم في مجال البحث والتطوير، لكن ما زالت هناك فجوة بين البحث العلمي ومتطلبات الصناعات والأسواق المحلية".

بخصوص الهدف العاشر، يلاحظ التقرير بأنّ المعلومات غير متوفرة، أي الحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها، فالدول العربية لا تنشر بيانات متعلقة بتوزيع الدخل وعدم المساواة في الثروة. كما أنّ حصّة المرأة في المنطقة العربية، من الدخل القومي، هي في مرتبة متأخرة عن المتوسطات العالمية. وتحتاج الدول العربية إلى سياسات تعمل على تقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء وفرض الضرائب على الثروة وإعادة توزيعها بشكل فعال وحماية حقوق جميع الناس.

خلُص التقرير كذلك إلى أنّ الدول العربية ما زال أمامها تحديات مهمة لتحقيق الهدف الثاني عشر، (ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة)، وبالرغم من كون المنطقة لم تصل بعد إلى وضع الدول الصناعية في "الإفراط في استهلاك الموارد، إلّا أنّ اقتصاداتها كثيفة الكربون وقائمة على استهلاك الموارد الطبيعية". (ص: 264).

أمّا فيما يتعلق بالهدف الثالث عشر، (اتخاد إجراءات للتصدي لتغيّر المناخ وآثاره) فإنّ الدول العربية ما زالت شديدة التأثر بتغيّر المناخ، وبالتالي تعاني من تداعيات ذلك؛ وتحتاج إلى سياسات ناجعة وتمويل كافٍ لاحتواء آثار التغيّرات المناخية والوصول إلى الفئات المتضررة.

كما تعاني الدول العربية من التأخر في تحقيق الهدف الرابع عشر، ويهم حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة.

ويُلاحظ التقرير بأنّ المنطقة العربية تحرز نوعًا من التقدّم في تحقيق الهدف الخامس عشر المتعلق بحماية البيئة البرية وترميمها وتعزيز استخدامها على نحو مستدام، وإدارة الغابات على نحو مستدام ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره، ووقف فقدان التنوع البيولوجي، لكن للاستمرار في تحصيل النتائج المطلوبة، فإنّ الدول العربية مطالبة لبلوغ الهدف نفسه، بالاعتماد على الزراعة المستدامة (الهدف الثاني) وتحقيق الاستهلاك والإنتاج المستدامين (الهدف الثاني عشر)، والتكيّف مع تغيّر المناخ (الهدف الثالث عشر)، وتحسين القضايا الهيكلية للحوكمة (الهدف السادس عشر) وعقد الشركات (الهدف السابع عشر).

هناك ضرورة كبرى لتحقيق التكامل العربي والتصدي لحل المشاكل العابرة للحدود

ويؤكد التقرير أيضًا بأنّ الدول العربية تواجه جملة من الإخفاقات والتحديات في مجال الحوكمة، بسبب عدم الثقة في المؤسّسات وانتشار الفساد وبالتالي هناك حاجة إلى تبني مقاربة تشاركية في صناعة القرار "وبناء مجتمعات مسالمة عن طريق إبرام عقود اجتماعية شاملة للجميع، مرتكزة على الحقوق" (ص: 340).

نأتي للهدف السابع عشر، وعنوانه تعزيز وسائل تنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل تحقيق التنمية المستدامة، حيث إنّ الدول العربية تواجه تحدي التمويل، كما يتباين مستوى الدول العربية في استغلال التكنولوجيا لتحقيق حوكمة وتقدم في الاقتصاد. (ص: 393).

عمومًا، التقرير صريحٌ في التأكيد على حاجة الدول العربية إلى مواجهة تحديات كبرى، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأهمها إرساء معالم حكم رشيد وحوكمة قادرة على إدارة الموارد بشكل ناجع، والحد من الفساد والتفاوت الاجتماعي وعدم المساواة في توزيع الثروة، وكذلك ضرورة تشجيع البحث والتطوير وإعطاء القيمة للإنسان، لأنّه رافعة التنمية، كما هناك ضرورة كبرى لتحقيق التكامل العربي والتصدي لحل المشاكل العابرة للحدود.


لقراءة الجزء الأول

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن