يعكس التقرير هواجس الإخفاق في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، في سياق عربي، عانت فيه الدول العربية من أزمة كورونا، التي أثرت بشكل سلبي على اقتصاديات الدول العربية ومنظومتها الصحية والتعليمية. كما تعاني الدول العربية، من تبعات الحرب الروسية-الأوكرانية، و"ما تلاها من اضطرابات كبيرة في سلاسل الإمداد العالمية، من أخطر آثارها تهديد الأمن الغذائي في المنطقة العربية. فالمنطقة مستورد رئيس للمواد الغذائية الأساسية، ويخيّم الصراع على ثلث بلدانها، ما يكشفها بشدة لآثار تقلب الأسعار ونقص الأغذية"، حسب ما ذهبت إليه رولا دشتي، الأمنية التنفيذية للإيسكوا.
تواجه الدول العربية أيضًا مخاطر التغيّرات المناخية والكوارث الطبيعية، والتي تؤثر بشكل خطير على السياسات الإنمائية. لذلك يرصد التقرير تراجعًا في مؤشر التنمية في عدة بلدان عربية وخصوصًا التي تعاني الصراعات مثل سوريا والصومال والسودان وليبيا واليمن والعراق. واضح أنّ التقرير يصدر في فترة عصبية، يُواجه فيها سكان غزّة الإبادة والتجويع وتدمير البُنى التحتية، وتشريد الأطفال وانعدام المرافق الضرورية للحياة العادية وبالأحرى للعيش الكريم.
الدول العربية ما زالت بعيدة عن تحقيق التقدّم اللازم للقضاء على الفقر بكل أشكاله ولن تصل إلى ذلك في 2030
وبالرغم من هذه الظرفية، فإنّ الأمينة التنفيذية للمنظمة نفسها، تقول، "لقد أنجزت المنطقة الكثير حتى في المجالات التي افترضنا أنّا تأخرنا فيها، وحتى في المجالات الناشئة كالذكاء الاصطناعي والتقنيات التوليدية. لا بد لنا من البناء على إنجازاتنا وصقلها وتحسينها، وتعظيم نطاقها عند الاقتضاء. والدرب لا يزال أمامنا طويلًا، وأعمالنا تؤثر بشكل مباشر في حياة 469 مليون إنسان، فليس لدينا ترف تضييع الوقت".
يتفرّع التقرير على 17 فصلًا، متعلقة بأهداف التنمية المستدامة، تجمع بين التحليل الكمي والنوعي. ويهتم بتحليل السياسات العامة، التي تهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية. كما يشمل المسح بلدان مجلس التعاون الخليجي والبلدان المتوسطة الدخل وأقل البلدان نموًا والبلدان المتضررة من الصراع والهشاشة.
يُشير التقرير إلى أنّ الدول العربية، ما زالت بعيدة عن تحقيق التقدّم اللازم للقضاء على الفقر بكل أشكاله، ولن تصل إلى ذلك في حلول 2030. وذلك بسبب استمرار الأزمات الاقتصادية والصراعات وضعف الأداء في النمو والعجز عن استحداث فرص للعمل وارتفاع مستويات عدم المساواة. و"تسجّل المنطقة العربية أعلى معدل للبطالة الاجمالية على الصعيد العالمي يبلغ 10.7 في المائة، كما أنّها تسجل اعلى معدلات البطالة في صفوف النساء 19.9) في المائة) والشباب26 .3) في المائة) .ويُعيق هذا الوضع الجهود المستدامة للحد من الفقر، ويظهر ضرورة تحقيق النمو الاقتصاد الشامل واستحداث الفرص" (التقرير نفسه، ص: 29).
كما يلاحظ التقرير أنّ الإنفاق الاجتماعي في بلدان العربية هو أدنى بكثير من المتوسط العالمي. وعمومًا فإنّ دول مجلس التعاون الخليجي تحرز تقدمًا في القضاء على الفقر، بينما الدول العربية الأقل نموًا هي التي استفحل فيها الفقر بوثيرة أسرع ممّا هي عليه في المنطقة ككل، وتعاني البلدان العربية المتأثرة بالصراعات أو بحالات عدم الاستقرار، من إيصال المساعدة للمحتاجين، بل تسجّل أدنى معدلات تغطية في مجال الحماية الاجتماعية.
المنطقة العربية لم تحرز التقدم المطلوب في القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة
ينصح التقرير بتعزيز صياغة سياسات متكاملة للتصدي لعوامل تفاقم الفقر متعدّد الأبعاد، كما يتعيّن معالجة إشكالية عدم المساواة، من خلال تبني سياسات تقاسم المنافع المتأتية من النمو. ويدعو التقرير إلى تبنّي نهج الاستمارات الذكية وإصلاح نظم الحماية الاجتماعية، وتشجيع التعاون بين الدول العربية، من خلال إنشاء صندوق إقليمي للتضامن وإبرام اتفاق تنسيق إقليمي بشأن الضمان الاجتماعي، "لأنّ المنطقة العربية تستضيف أكثر من 40 مليون مهاجر ولاجئ يتعرض العديد منهم لخطر الفقر والتهميش الاجتماعي والاقتصادي مع محدودية أو عدم إمكانية وصولهم إلى نُظم الحماية الاجتماعية وغيرها من الخدمات الحكومية الحيوية" (ص: 42).
ويلاحظ التقرير أنّ المنطقة العربية لم تحرز التقدم المطلوب، في تحقيق الهدف الثاني، أي القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة. فهناك نقصٌ في التغذية في البلدان العربية الأقل نموًا (جزر القمر وجيبوتي والسودان والصومال وموريتانيا واليمن)، والأمر نفسه في الدول التي تشهد صراعات (سوريا والسودان والصومال والعراق وفلسطين وليبيا واليمن)، كما يُعاني ثلث سكان البلدان العربية من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد.
وبالرغم من انخفاض معدل التقزم لدى الأطفال في المنطقة العربية، لكنه مرتفع في الدول العربية الأقل نموًا وكذلك الدول التي تعاني من الصراعات. ويلاحظ أنّ معدل السمنة لدى الأطفال يبقى في تزايد في بلدان المشرق العربي ومجلس التعاون الخليجي، وهو يبلغ حوالى 1.7 أضعاف المتوسط العالمي. كما ارتفع معدل فقر الدم بين النساء غير الحوامل، خصوصًا في البلدان العربية الأقل نموًا.
كما هناك تناقص التمويل الحكومي للزراعة، حيث انخفض مؤشر التوجه الزراعي للنفقات الحكومية من 0.3 في عام 2001 الى 0.23 في عام 2021 وهو أقل من المتوسط العالمي البالغ 0.45. كما "سجل المؤشر انخفاضًا حادًا في بلدان مجلس التعاون الخليجي من 208 في عام 2004 إلى 0.4 في عام 2021".
(خاص "عروبة 22")