وجهات نظر

"الجنرالات" أم المقاومة.. من يحسم مواجهة شمال غزّة؟

وسط انشغال الرأي العام الإقليمي والدولي بالعدوان الإسرائيلي على لبنان، وبالرد المرتقب لجيش الاحتلال على الهجوم الصاروخي الإيراني، بدأت إسرائيل في تنفيذ مخطط التهجير - الذي تعثر مؤقتًا - في شمال غزّة.

رغم إعلان جيش الاحتلال قطاع غزّة "ساحة قتال ثانوية"، إلا أنه بدأ قبل أيام ما أطلق عليه "المرحلة الثالثة" من عملياته العسكرية في شمال غزّة، والتي تهدف إلى حصار جباليا بالكامل وعزل مناطق الشمال عن بعضها، بعد تقييم أفاد بأنّ حركة "حماس" أعادت بناء قدرتها العسكرية والمدنية هناك.

ووفقًا لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الجمعة الماضي، فإنّ العملية التي تنفذها الفرقة (162) المدرعة، ما هي إلا مرحلة أولى من "خطة الجنرالات" التي تهدف إلى إجلاء نحو 400 ألف فلسطيني وفرض حصار مطبق على مسلحي الفصائل الفلسطينية، ما يجعلهم أمام خيارين إما "الاستسلام أو الموت جوعًا".

مواطنو شمال القطاع يتمسكون بالبقاء في أراضيهم لأنهم يدركون أنّ الرحيل لن تتبعه عودة

وبحسب واضع الخطة الجنرال إيغور أيلاند، فإنّ "الحصار هو الطريقة الأكثر فعالية لإنهاء الحرب، ما يجعل عدد الضحايا أقل، سواء بين الجنود أو المدنيين".

أيلاند ورفاقه من الجنرالات المتقاعدين في الجيش الإسرائيلي الذين اقترحوا تلك الخطة التي وصفها رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بـ"المنطقية"، اعتبروا أنّ من شأن السيطرة على المنطقة، تأليب سكان غزّة ضد حركة "حماس"، ووصفوا ذلك بأنه سيكون أكبر "كابوس" لزعيم الحركة يحيى السنوار، ما يؤدي إلى التوصل لصفقة رهائن بشكل أسرع.

وضع أيلاند خطته على قاعدة أنّ "التجويع موتًا هو الحل لتفريغ شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي"، ويرى أنّ صفقة تبادل الأسرى التي تم تنفيذها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ما كان لها أن تنجح إلا بعد تجويع سكان شمال القطاع.

ما ينفذه جيش الاحتلال في شمال غزّة هذه الأيام من حصار وتجويع وغيرها من جرائم إبادة، أعاد إلى الأذهان الجرائم التي ارتكبتها عصابات (الهاجاناه وشتيرن والأرغون وليحي) الصهيونية قبل 76 عامًا، عندما حاصرت المدن والقرى الفلسطينية وقتلت سكانها وأجبرت من بقوا على ترك منازلهم والنزوح بعيدًا عن أراضيهم.

الفارق، بين الأمس البعيد واليوم، أنّ أهالي غزّة الآن تعلّموا درس النكبة الأولى، فرغم المجازر والتجويع والتعطيش لا يزال مواطنو شمال القطاع يتمسكون بالبقاء في أراضيهم، لأنهم يدركون أنّ الاستسلام والرحيل لن تتبعه عودة، ما يعني أنهم سيتحولون كأسلافهم إلى لاجئين في شتات لا يرحم حتى ولو كان لدى الأشقاء.

خطة الجنرالات تتطابق في بنودها مع ما طرحه خلال الشهور الأولى من الحرب مسؤولون إسرائيليون ومنهم وزير الدفاع يؤاف جالانت، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس، والذين أعربوا جميعًا في تصريحات معلنة عن هدفهم المتمثل في "حرمان المدنيين في غزّة من الغذاء والماء والوقود".

لا يخفي هؤلاء نواياهم، قد يصمتون عنها وفق ما تفرضه الحسابات الدولية، لكنهم يؤمنون أنهم ينفذون ما تفرضه عليهم العقيدة التلمودية الصهيونية التي تدفعهم إلى السيطرة على كل ما يقع تحت أيديهم من أراض، وإقامة دولتهم على كامل فلسطين التاريخية، وفي المرحلة الثانية تتمدد تلك الدولة وتتوسع لتشمل معظم دول الطوق (لبنان وسوريا وأجزاء من العراق ومصر والسعودية) فيما يُعرف بـ"إسرائيل الكبرى".

لم يتردد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في أن يعلن عن مخططاته لبناء مستوطنات في غزّة وتفكيك السلطة الفلسطينية في الضفة وإقامة دولة يهودية على كامل أراضي فلسطين التاريخية، ضمن إطار "خطة الحسم" التي نشرها قبل عدة سنوات.

قبل أسابيع صرح سموتريتش في مؤتمر علني بأنّ تجويع سكان قطاع غزّة المحاصر، قد يكون مبررًا، وأخلاقيًا، قائلًا: "لن يسمح لنا أحد بالتسبب في موت مليوني مدني جوعًا، مع أنّ الأمر قد يكون مبررًا، وأخلاقيًا، حتى نستعيد رهائننا".

استخدام سلاح الحرمان من الغذاء والمياه، جريمة حرب بحسب القانون الدولي والإنساني، لكن إسرائيل التي تفلت عادة من العقاب، وترى في نفسها دولة فوق العالم لا تعترف بالقوانين ولا تلتزم منذ نشأتها بالقرارت الأممية، معتمدةً على الدعم النهائي ولا المحدود من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

دفعت عمليات المقاومة المؤثرة وصمود الأهالي في غزّة، الجنرال أيلاند إلى إعادة النظر في الخطة التي وضعها وينفذها جيش الاحتلال الآن، إذ قال في تحليل نُشر بموقع "القناة 12" العبرية قبل أيام: "في إطار القتال الحالي، لن تحقق إسرائيل النصر المطلق في غزّة، وكذلك في لبنان.. "حماس" و"حزب الله" لن يستسلما، وسيكون هناك دائمًا مَن سيواصل إطلاق النار".

حكومة نتنياهو لن تتراجع إلا إذا تكبدت خسائر عسكرية وبشرية موجعة على كل الجبهات

ويمضي أيلاند في تحذيره مقترحًا التوقف، قائلًا إنّ استمرار القتال على الجبهتين لا يخدم مصلحة إسرائيل، لذلك، من الصائب فتح الباب أمام ترتيبات سياسية على الجبهتين.

إذن ومن وجهة نظر إسرائيلية بحتة، فإنّ حكومة نتنياهو لن تنكسر أو تتراجع إلا إذا تكبدت خسائر عسكرية وبشرية موجعة على كل الجبهات. هذا هو الرهان الوحيد الذي قد يدفع المجتمع الإسرائيلي لمعاودة الضغط على الائتلاف الحاكم ويدفع الرعاة الغربيين إلى التدخل قبل أن تضرر مصالحهم في الشرق الأوسط.

المقاومة والصمود، فقط، هما اللذان يفتحان الطريق إلى تسوية سياسية تحافظ على ما تبقى من حقوق، حتى يأتي اليوم التي نستعيد فيه كل الحقوق.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن