بصمات

"الركود العربي" في اللحظة التاريخية!

بعد العقد المؤلم الذي بدأ مع الربيع العربي عام 2011، وقبله زلزال تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، أصبح الناس في الشرق الأوسط على مدى عقدين منهكين ومستسلمين إزاء الأحداث المستدامة، والحروب الاستباقية التي سبقتها منذ العام 1948، والدول العربية كانت ولا تزال على هامش التفاعلات العالمية التي أحدثت تغيّرات كبرى في السياسات الدولية.

كل هذا أدى إلى مفارقة غريبة. فقد وقعت الدول العربية في موقف المتفرج في مواجهة الحرب الإسرائيلة الأخيرة على غزّة بعد عملية "طوفان الاقصى" في 7 أكتوبر 2023. لقد أدانوا الحرب الأخيرة لكنهم لم يقطعوا العلاقات مع الدولة العبرية، ولم يحاولوا ممارسة ضغوط سياسية أو دبلوماسية جديّة على داعميها الغربيين، بحيث أصبحت الولايات المتحدة الأميركية أكثر تدخلًا في شؤون المنطقة.

في الوقت نفسه، كانوا يسعون لتجنب أي مواجهة مع إيران، حتى عندما تسبب لهم وكلاؤها بضرر حقيقي. خسرت مصر نحو 6 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس، بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر. ويصاب الأردن بالحرج عندما يسقط طائرات إيرانية من دون طيار تنتهك مجاله الجوي خشية أن يُظن أنه يقف إلى جانب إسرائيل. وقد وجدت المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة نفسيهما وسط مجموعة من المشاعر المتناقضة أبرزها القلق من أنّ تصرفات إسرائيل الوحشيّة في فلسطين ستؤدي إلى تأجيج الأصولية الدينية في المنطقة، بينما قطر ترى "حماس" حركة إسلامية تحررية.

صنّاع القرار السياسي في أميركا وإسرائيل يتباهون بالفرصة المتاحة لقيام شرق أوسط جديد

لا شك بأنهم سعداء برؤية إيران ووكلائها يتراجعون، لكنهم يشعرون بالقلق من الصراع المتسع، وقد يصل إلى مدنهم وشواطئهم، ويطالبون بوقف إطلاق النار، مع الخشيّة في الوقت نفسه من التوصل إلى اتفاق مع طهران يعزز موقعها الإقليمي في المنطقة.

لمدة عام تقريبًا، تنتج القوى العربية الأساسية نوعًا من الركود، تقطعه الحرب المجنونة في غزّة في شريط ضيق من الأرض يقطنه مليونان من النازحين والجائعين والهاربين من المجازر الإسرائيلية، وعلى طول الحدود مع لبنان مع مئات الآلاف من النازحيين اللبنانيين. وكأنها في موقف المراقب.

في سوريا يرى بشار الأسد فرصة أن يلتزم الصمت عندما تقوم إسرائيل بضرباتها على أراضيه، ويتواصل مع دول الخليج ويلمح إلى أنه قد ينأى بنفسه عن إيران. فالأسد مثل والده، يبرع في تأليب كل الأطراف على بعضها البعض ويأمل بأن يؤدي التراجع عن إيران إلى تخفيف عزلته العالمية.

الدول العربية فشلت في استثمار اللحظة التاريخية الدرامية لبناء سياسات مؤثرة

قد تبدو بقية المنطقة طبيعية بشكل خادع. كان من المفترض أن تعيد اتفاقيات السلام إعادة تشكيل المنطقة، فأدت الحرب بدلًا من ذلك إلى طرق مسدودة وفاقمت الأحداث الأخيرة من المأزق.

لقد بدأ صنّاع القرار السياسي في أميركا وإسرائيل يتباهون بالفرصة المتاحة لقيام شرق أوسط جديد، وتخشى دول العالم الأخرى، أن ينتهي الأمر مع أميركا إلى التراجع عن جهود السلام في المنطقة. ورغم أن القضية الفلسطينية كانت تاريخيًا مركزية الوعي العربي، لكن سياسة بنيامين نتنياهو باتت تفجر الجبهات والحلول الجوهرية للقضية، ومن الواضح أن الدول العربية فشلت في استثمار اللحظة التاريخية الدرامية لبناء سياسات مؤثرة برؤية واضحة مستقلة، ولا تظهر حتى الساعة أي إشارة عن تغيير أساليبها، أما الدول الأخرى في المنطقة، فهي أضعف من أن تمارس قدرًا كبيرًا من النفوذ، أكثر من بقائها جزءًا من المعادلات السلبية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن