قبل حوالى أسبوعين، أعلن وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوزي، أنّ السلطات التونسية تمكنت منذ بداية العام الجاري من منع أكثر من 61 ألف مهاجر غير شرعي من محاولة الوصول إلى السواحل الأوروبية.
جاءت هذه التصريحات الرسمية الإيطالية في ظل تعمد السلطات التونسية التكتم عن أية معلومات متعلقة بعمليات إحباط حوادث الهجرة غير النظامية منذ يونيو/حزيران الماضي. وهي خطوة يبدو أنها كانت متعمدة تجنبًا للوقوع في الحرج أمام التونسيين لأنّ الأرقام المعلنة أوروبيًا لا تتعارض فقط مع تصريحات الرئيس التونسي بل وتؤكد أنّ تونس باتت فعليًا حارسًا لحدود أوروبا.
وحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تراجع أعداد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا عن طريق الحدود التونسية منذ توقيع مذكرة التفاهم مع الاتحاد الأوروبي عام 2023 والاتفاقيات الثنائية اللاحقة مع إيطاليا. ففي 2019 اعترضت السلطات التونسية التونسية طريق 4177 مهاجرًا، وفي سنة 2020 كان العدد 13466، و25657 في 2021، و38373 في 2022، و80636 في 2023، فيما كان العدد ما بين الأول يناير و14 يوليو 2024، 74464.
ورغم أنّ الأرقام تظهر تضاعف أعداد المهاجرين الذين تعترضهم تونس منذ سنة 2023، فإنّ السلطات التونسية ظلت تروّج خطابات تتهم فيها الجمعيات بالوقوف وراء التدفق الكبير للمهاجرين لتونس وتتجنب التصريح بمسؤوليتها عن ذلك.
ويقول الناشط السياسي المختص بملف الهجرة، مجدي الكرباعي، لـ"عروبة 22": "أصبحت تونس تشتغل بالمناولة مع الدولة الإيطالية، ويبدو جليًا الآن أنّ روما والاتحاد الأوروبي قد نجحا في تصدير مشكلة الهجرة إلى تونس. فقيام تونس بمنع 61 ألف مهاجر من الوصول إلى سواحل ايطاليا هو رقم مُرضٍ للجانب الإيطالي وبرنامج جورجينا ميلوني الذي كان مبنيًا على ملف الهجرة غير النظامية".
وأضاف الكرباعي: "إنّ إرجاع المهاجرين وتكديسهم في تونس يحيل إلى النقطة السادسة لبرنامج ميلوني والتي تتمثل في جعل مناطق شمال أفريقيا، ولا سيما تونس وليبيا، نقاطًا ساخنة لتجميع المهاجرين. وتونس تنخرط بقوة من أجل تحقيق هذا الهدف والمؤسف أنه في خضم هذه الاتفاقيات يواجه المهاجرون أوضاعًا لا انسانية ولا يبدو أنّ أوروبا تكترث لما يجري معهم طالما أنّ ذلك يحمي حدودها من استقبال المزيد من المهاجرين".
وفي صيف 2023 وقّعت تونس والاتحاد الأوروبي اتفاقًا تلقت من خلاله مساعدات مالية بقيمة 105 ملايين يورو (112 مليون دولار) مقابل جهود للحد من وصول المهاجرين غير النظاميين إلى السواحل الأوروبية. لكن هذا الدعم يأتي في شكل مساعدة لوجستية لتحسين أداء القوات البحرية التونسية دون أن يشمل تحسين ظروف عيش المهاجرين الموجودين على الأراضي التونسية والذين يعيشون أوضاعًا صعبة من المتوقع أن تتفاقم مع قدوم فصل الشتاء، بحيث لا يملك المهاجرون أماكن تحميهم من البرد والأمطار فضلًا عن حديث بعض الأهالي عن تفشي الأمراض فيما بينهم بسبب غياب الرعاية الصحية خصوصًا بعد أن تعذر دخول المنظمات التي تقدم الرعاية الصحية إلى مخيماتهم بأمر من السلطة.
ويتم نقل المهاجرين إلى حقول الزيتون في مدينتي العامرة وجبنيانة شمال محافظة صفاقس حيث يقيمون في خيم مصنوعة من بقايا البلاستيك ويعيشون أوضاعًا لا انسانية. ذلك أنّ المدينتين تُعتبران من بين أفقر المدن في البلاد وترتفع فيها معدلات البطالة، وعادةً ما يلجأ أبناؤها للهجرة غير النظامية بحثًا عن حياة أفضل. وفي ظل شح فرص العمل فضلًا عن ضغط السلط على الأهالي من أجل عدم تشغيل المهاجرين، تفاقمت أوضاعهم ولجأ بعضهم للقيام بأعمال سطو وسرقة واستخدام العنف الشديد أحيانًا لتوفير الأكل والشرب والأغطية.
ورغم نداءات الاستغاثة المتتالية التي يطلقها أبناء المدينتين، الذين لم يعد بوسعهم دخول حقولهم التي تعتبر بالنسبة للكثير مورد رزقهم الوحيد، فإنّ السلطات التونسية تتعمد تجاهل الأمر وتمنع دخول المنظمات والصحافيين مناطق خيم المهاجرين حتى لا يتم الكشف على الوضع المأساوي هناك.
وأصبحت تونس نقطة عبور رئيسة للمهاجرين وطالبي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وخاصة من السودان وتشاد وغينيا ومالي وساحل العاج، بهدف الوصول إلى أوروبا. كما دفعت الأزمة الاقتصادية الكبيرة في البلاد وتدهور الأوضاع، آلاف التونسيين على الهجرة، لكن ومنذ النصف الثاني من العام 2022، أصبح الأفارقة من جنوب الصحراء، المجموعة الأكبر المهاجِرة إلى أوروبا من تونس.
ويدفع الفقر وانعدام الأمن في دول أفريقية عدة، جنوب الصحراء الكبرى، بأبناء هذه الدول لاختيار طريق الهجرة غير النظامية، وكان التصور السائد سابقًا أن تونس تعد نقطة عبور آمنة أكثر إلى أوروبا، مقارنة بليبيا وحتى الجزائر. لكن هذه التصورات فقدت جدواها منذ أن قبلت تونس أن تتولى حراسة حدود دول أوروبا وتمنع المهاجرين من الوصول إلى أراضيهم. كما أن عجز تونس عن منع الجزائر من تمرير أعداد كبير من المهاجرين نحو أراضيها، جعلها قبلة للمزيد من المهاجرين ومن المرجح أن يتحول هذا الموضوع على المدى القصير إلى معضلة كبيرة في البلاد.
(خاص "عروبة 22")