طغى مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار على المشهد الإقليمي والدولي، حيث سارعت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، إلى مباركة هذه العملية وسط دعوات لانهاء الحرب في غزّة "بعد إغلاق حساب طوفان الأقصى" والتأكيد على ضرورة تحريك عجلة المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن والبدء بـ"اليوم التالي" لمن سيحكم القطاع وشكل الحكم والأبعاد الآخرى المتصلة بذلك.
ولا شك أن مقتل "المطلوب رقم 1" لدى اسرائيل والعقل المدبر لأحداث 7 أكتوبر سيعيد خلط الأوراق في المنطقة مع ما يحمله ذلك من تساؤلات حول من سيخلفه في قيادة "حماس" (التي خسرت السنوار واسماعيل هنية في غضون أشهر معدودات) والآلية التفاوضية التي سيتبعها كما الشروط التي ستضعها الحركة، التي وافقت في وقت سابق على مبادرة الرئيس الاميركي جو بايدن وسعت لارساء الهدنة التي نقضها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرة وخلق عثرات امامها لاستكمال حرب الابادة في قطاع غزّة.
وأمام هذه المشهدية الضبابية لما ستؤول اليه الأوضاع في غزّة كما على الجبهة اللبنانية التي دخلت يومها الـ25 من الحرب، سلطت الصحف العربية الصادرة اليوم الضوء على التطورات الأخيرة وتأثيرها على رسم معالم المرحلة المقبلة الشديدة التعقيد خاصة أن تصريحات نتنياهو، عقب الاغتيال، لا تشي بأننا أمام مرحلة تسويات واتفاقيات قريبة الأمد.
فعلى هذا الصعيد، أكد نتنياهو أن "الحرب لم تنتهِ"، لكنه زعم أن "الشرق الأوسط لديه فرصة الآن لوقف "محور الشر"، سعياً وراء تحقيق السلام والازدهار في المنطقة". وتوجه إلى مقاتلي "حماس" قائلاً "إلى من يحتجزون المختطفين نقول حرروهم وسندعكم تعيشون". فيما سارع الرئيس الأميركي جو بايدن الى الحديث عن ما أسماه "اليوم التالي" في غزّة دون سيطرة حركة "حماس".
ومع الاعلان عن جولة سيقوم بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لاعادة مفاوضات الهدنة، اعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن "السنوار كان عقبة رئيسية أمام التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار"، مضيفاً أن "مقتله يمثل فرصة لإيجاد طريق للتوصل لتسوية ما".
بدوره، احتفى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بمقتل السنوار قائلاً "إسرائيل أنهت اليوم حساباً طويل الأمد"، مضيفاً إن مقتله يشكل رسالة لأهالي القتلى والمحتجزين الإسرائيليين بأن "الجيش يفعل كل شيء لأجلهم"، بحسب تعبيره.
أما الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون فدعا إلى اغتنام "الفرصة" لوقف الحرب في غزّة، مطالباً، من جهة آخرى، بوضع حدٍ لعمليات اسرائيل العسكرية في لبنان. هذا وتجهد فرنسا دبلوماسياً وسياسياً، بمؤازرة قطرية ومصرية، على وضع حدّ للقتال في لبنان واطلاق مشاورات تفضي لاعادة الالتزام بالقرارات الدولية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية التي تعيش حالة من الفراغ في كافة المؤسسات الدستورية الرسمية.
وتصطدم المساعي الفرنسية حتى الآن بعدم رغبة اسرائيلية ومراوغة أميركية لنسف القرار 1701 والالتفاف عليه واستبداله بآخر يؤمن خلق واقع عسكري جديد في الجنوب بما يطمئن نتنياهو ويعيد سكان الشمال الى مستوطناتهم وبلداتهم.
وبالتوازي مع هذا الواقع المأزوم سياسياً، يستمر "حزب الله" في صدّ عمليات التوغل الإسرائيلي باتجاه القرى والبلدات المتاخمة للحدود، حيث يخوض اشتباكات عنيفة ومعارك محتدمة أوقعت المزيد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الاسرائيلي الذي أعلن عن مقتل خمسة من جنوده أمس، ما يرفع عدد الذين أكد مقتلهم، إلى 19، منذ بدء العمليات البرية أواخر شهر أيلول/ سبتمبر.
وفي حين، قال متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية إن سفينة حربية ألمانية تعمل ضمن قوات "اليونيفيل" أسقطت جسما طائراً غير مأهول قبالة ساحل لبنان. واصل الاحتلال شنّ غاراتٍ جويّة دامية على مناطق عدة في شرق لبنان وجنوبه، وذلك بعد توجيه الجيش الإسرائيلي إنذارات إخلاء متتالية طال بعضها منطقة البقاع للمرة الأولى منذ بدء التصعيد. وغداة التطورات المتسارعة، أعلن "حزب الله" عن أن المقاومة انتقلت إلى "مرحلة جديدة وتصاعدية ضد العدو ستتحدث عنها أحداث ومجريات الأيام القادمة"، بحسب ما جاء في البيان.
وبالعودة الى المشهد الانساني في غزّة، أعلنت وزارة الصحة عن مجزرة جديدة ارتكبها العدو الاسرائيلي في مخيم جباليا بعد قصف مدرسة تؤوي آلاف النازحين. في وقت قال فيه مصدر طبي إن 400 شهيد سقطوا منذ بدء العمليات العسكرية شمال القطاع قبل 13 يوماً.
وأظهر تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن نحو 345 ألفا من سكان غزّة، أي ما يمثل حوالي 16%، سيواجهون جوعاً "كارثياً" هذا الشتاء، في ظل تراجع تدفق المساعدات الإنسانية، محذراً من خطر توسع المجاعة في مختلف أنحاء القطاع.
وضمن جولة اليوم على الصحف العربية:
رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "الحل الوحيد لإعادة لبنان للاستقرار هو لبنان نفسه، فالأمر يقع بيدي أبنائه وليس بيد أي طرف آخر". وقالت: "الطريق الذي يجب أن تبدأ منه لبنان هو أن تعمل جميع القوى والفصائل على منع التدخل الخارجي في شؤونهم الداخلية، وعلى الاصطفاف والتوحد جبهة واحدة ضد كل من يسعى للتغلغل في صفوفهم وبث نزعات الفرقة والانفصال".
ووفق صحيفة "الراي" الكويتية، فإن "المنطقة تواجه مستقبلاً غير مؤكَّد على نحو متزايد، مع إمكان التصعيد السريع في ضوء تخلي الجانبين، أي اسرائيل و"حزب الله"، عن قواعد الاشتباك الراسخة"، مؤكدة أن "الأيام المقبلة ستكون من الأصعب في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، حيث تواجه إسرائيل الجبهة الإيرانية وغزو لبنان والوضع الداخلي الذي من المرجح أن يشعر بالضغط".
وتطرقت صحيفة "الأهرام" المصرية الى الأوضاع السياسية الراهنة في الشرق الأوسط، لافتة إلى أن "إعادة ترتيب موازين القوى في الإقليم ورسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة، أصبحت أقرب للتطبيق من أي وقت مضى، وهي حقيقة وشيكة الحدوث". وخلصت للقول: "لو كانت مصر غرقت في المستنقع الذي تم جرّ دول أخرى إليه، لكانت الآن تنتظر موقفها، وما يتم فرضه عليها".
من جهتها، شددت صحيفة "الرياض" السعودية على أن "المبادرة السعودية لحل القضية الفلسطينيّة تحتاج إلى اتخاذ قرارات قد لا تتناسب مع الحكومة الإسرائيلية الحالية التي هي حكومة حرب أبعد ما تكون عن السلام"، معتبرة أن "أن الطريق الوحيد للسلام في الشرق الأوسط هو إقامة الدولة الفلسطينية وإلا سيكون الوضع أكثر تعقيداً مما هو عليه الآن".
أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فتناولت مقتل السنوار قائلة: "مسيرته لن تتوقف برحيله، بل هي مستمرة طويلاً في رحلة الأجيال التي تتوارث راية النضال من أجل فلسطين العربية ، جيلاً بعد جيل، حيث تبقى شعلة الثورات المتتالية مشتعلة". وأضافت "إن نتنياهو سينقل الآن كل الثقل في عدوانه الشرس على لبنان، مستفيداً من الدعم الأميركي اللامحدود، علّه يستطيع في الوقت نفسه تنفيذ خطته الخبيثة في توسيع رقعة الحرب في المنطقة وصولاً إلى غريمه الإيراني".
وفي الاطار نفسه، كتبت صحيفة "القدس العربي" إن "التاريخ سيتذكّر السنوار كمسؤول رئيسي عن منحنى حادّ في فلسطين والشرق الأوسط والعالم، ومثل كل المنحنيات التاريخية فإن أعواماً، وعقوداً على الأغلب، ستمر حتى تظهر النتائج الحقيقية لقراراته، وفي الأثناء سيعود السنوار إلى رحم الأرض التي قاتل لاستعادتها وسيتذكره الفلسطينيون كأحد قادتهم الكبار"، على حدّ تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")