اقتصاد ومال

تأثير الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" على الناتج المحلي الإجمالي اللبناني!

بلغت المناوشات بين إسرائيل و"حزب الله" في جنوب لبنان على مدار عام كامل بسبب حرب غزّة ذروتها في النصف الثاني من شهر أيلول 2024، حيث اندلعت حرب شاملة. وتأتي هذه الحرب في ظل أزمة اقتصادية تشل الاقتصاد اللبناني منذ أواخر العام 2019. ومن المتوقع أن تؤثر هذه الحرب بشكل كبير على النشاط الاقتصادي اللبناني.

تأثير الحرب بين إسرائيل و

من حيث الطلب الكلي، ستؤدي الحرب إلى انخفاض الاستهلاك إذ إنّ جزءًا كبيرًا من الأغنياء وكبار المنفقين غادروا البلاد، وستقتصر الطبقات المتبقية في الغالب على الإنفاق على الضروريات، وبالنسبة للإستثمار والنفقات الحكومية فقد كانت بطبيعة الحال منخفضة للغاية بسبب الأزمة الاقتصادية. وفي ما يتعلق بالصادرات، وهي آخر مكونات الطلب الكلي، فمن المرجح أن تنخفض بسبب تعرض الطريق التجاري إلى سوريا وخارجها للقصف حتى الإغلاق.

تأثير الحرب على الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024 سيكون انخفاضًا بمقدار 3.1 مليار دولار

إضافة، وبشكل متزامن، سينخفض العرض الكلي حيث سيؤدي تدني الطلب الكلي إلى انخفاض العمالة وإغلاق عدد كبير من الشركات، ناهيك عن تدمير الممتلكات والقدرة الإنتاجية بسبب الحرب.

وبعيدًا عن هذه العموميات، ما هو الأثر العددي التقريبي للحرب على الناتج المحلي الإجمالي اللبناني؟ تنبع أهمية هذا السؤال من حقيقة أنّ الناتج المحلي الإجمالي يعكس كلًا من الطلب والعرض الكليين ويتغيّر بتغيّرهما. ونعتزم تقديم تقدير مبدئي لهذا التأثير.

في ورقة عازار وآخرون (2020)، تبيّن أن معدل النمو في مؤشر التطابق لدى مصرف لبنان (CI)[1] هو محدد خطي جيد وذو دلالة إحصائية لمعدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي[2]. وبما أنّ مصرف لبنان توقف عن حساب مؤشر التطابق في العام 2022، يوضح الجدول أعلاه التغيّرات السنوية في مؤشر التطابق والناتج المحلي الإجمالي لسنوات الأزمة التي تتوفر بياناتها (2019-2021). بلغ متوسط نمو المؤشر والناتج 24.79%- و %11.76- على التوالي. 

الانخفاض في مخزون رأس المال المادي سيكون 12.4 مليار دولار

وللحصول على تقدير لتأثير الحرب الحالية، يمكننا الاعتماد على واقعة مماثلة حدثت في السابق. ففي صيف العام 2006، اندلعت حرب عنيفة بين إسرائيل و"حزب الله"، وانخفض مؤشر التطابق السنوي حتى نهاية الأعمال العدائية في أغسطس 2006 بنسبة 32.9%. لذا، إذا افترضنا أنّ الحرب الحالية ستكون بالحدة نفسها والتدمير نفسه الذي شهدته الحرب السابقة، فإنه بناءً على حساباتنا السابقة والعلاقة القائمة بين نمو مؤشر التطابق ونمو الناتج المحلي الإجمالي، فإنّ الانخفاض المقابل في الناتج المحلي الإجمالي السنوي سيكون 15.6%.

علاوةً على ذلك، فإنّ الأدلة السردية تشير إلى أنّ الناتج المحلي الإجمالي للبنان كان سيبلغ 20 مليار دولار في العام 2024، وبالتالي فإنّ تأثير الحرب على الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024 سيكون انخفاضًا بمقدار 3.1 مليار دولار (0.156 × 20). ولكن هذا ليس كل شيء! بالنظر إلى أنّ نسبة التغيّر في رأس المال إلى التغيّر في  الناتج المحلي الإجمالي في لبنان تبلغ حوالى 4[3]، فإنّ الانخفاض أو الانهيار المقابل في مخزون رأس المال المادي سيكون 12.4 مليار دولار.  

الشعب اللبناني يدفع مرارًا وتكرارًا ثمنًا باهظًا لمصالح وحروب القوى الإقليمية الكبرى ووكلائها المحليين

بالطبع، التقديرات المذكورة أعلاه أرقام أولية فهي تعتمد على افتراض مرجح بأنّ الحرب الحالية ستكون نسخة عن حرب العام 2006. وإذا ثبت أنّ الحرب الحالية ستكون أكثر تدميرًا وأطول أمدًا، فإنّ تقديراتنا بالأثر السلبي على الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15.6% ستكون أقل من قيمتها الحقيقية والعكس صحيح. ومع ذلك، يوجد نقطة مهمة أنه على الرغم من أنّ الحرب الحالية بدأت في أيلول 2024، إلا أنّ المواجهة محدودة النطاق كانت مستمرة منذ أكتوبر 2023، وبالتالي فإنّ تأثيرها المخفض للناتج المحلي الإجمالي كان يتراكم منذ ذلك الحين.  

لذا، فإنّ تقدير الـ15.6% سيكون بالتأكيد تقديرًا أقل من قيمته الحقيقية، ربما بنسبة 2-3%. وفي كلتا الحالتين، لا ينبغي أن يلغي ذلك حقيقة أنّ الحرب في أيلول 2024 وما سبقها كانت غير ضرورية وغير مجدية. ونتيجة لذلك، يبدو أنّ الشعب اللبناني يدفع مرارًا وتكرارًا ثمنًا باهظًا للمصالح النهمة والحروب اللاإنسانية للقوى الإقليمية الكبرى ووكلائها المحليين.

وعليه، آن الأوان أن يستعيد اللبنانيون سيادتهم ويقرروا مصيرهم، وعلى القدر نفسه من الأهمية أن يعودوا إلى الحضن العربي بالكامل.



[1] مؤشر التطابق هو مؤشر مركب لجميع المؤشرات الحقيقية والمالية الرئيسية للاقتصاد اللبناني، انظر www.bdl.gov.lb

[2] انظر: عازار، س. وآخرون. 2020. "نموذج IS-LM-BP للبنان"، المجلة الدولية لبحوث التمويل والاقتصاد، يناير (177).

[3] انظر: البلبل وموراديان 2018 "الناتج المحتمل والبطالة في لبنان"، النشرة الشهرية لجمعية مصارف لبنان، العدد 4/2018. تقيس نسبة التغير في رأس المال إلى التغير في الناتج المحلي الإجمالي في مخزون رأس المال المادي الذي سيولّد تغيّرًا معيّنًا في الناتج المحلي الإجمالي.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن