اقتصاد ومال

"السكوار".. بورصة موازية للعملة الصعبة تنخر اقتصاد الجزائر!

الجزائر - ربيعة صباح

المشاركة

تزداد ساحة بور سعيد المُحاذية لبناية المسرح الوطني الجزائري، أو ما يُعرف بـ "السكوار"، الواقعة على بُعد أمتار من مجلس الأمّة، شهرة يومًا بعد يوم، باعتبارها الملف الوحيد الذي عجزت الحكومات المتعاقبة عن مجابهته رغم الأضرار الكبيرة التي تلحق بالاقتصاد الوطني بسبب الضغوط الممارسة على العملة المحلية التي استسلمت لانهيارات متتالية في السنوات الأخيرة.

تُساوي العملة الأمريكية الواحدة في البنك المركزي 133,15 دينارًا جزائريًا عند البيع و 133,13 عند الشراء، بينما تُساوي في سوق السكوار 225 دينارًا، ويصل اليورو الواحد في البنك 145,85 دينارًا، بينما تخطى عتبة 260 دينارًا في الأيام الأخيرة في سابقة هي الأولى من نوعها لتُصبح الساحة "اللغز" حديث العام والخاص وسط أسئلة مهمة تبحث عن إجابات وحلول ناجعة.

مما يُطرح من أسئلة اليوم: من يقف وراءها؟ ولماذا بقيت عصية على الحكومات المتعاقبة رغم الرقابة الشديدة المفروضة على المنظومة البنكية الرسمية؟ وما المطلوب اليوم لفك خيوط هذه البورصة التي يتداول على مُستواها كتلة نقدية ضخمة قُدرت سابقًا بـ 10 آلاف مليار دج، أي ما يعادل 90 مليار دولار؟.

قبل الإجابة على هذا النوع من الأسئلة، علينا استعراض رؤية الحكومة الحالية لهذه السوق والأسباب التي تحول دُون التخلص منها.

وزير المالية الجزائري لعزيز فايد، وفي معرض رده على مساءلة برلمانية كتابية نهاية العام المنصرم، قال إنّ التخلص من هذه السوق التي تتحرك خارج القانون "يعتمد على التوجه نحو التحرير الكلي للدينار الجزائري والذي يسمح للجميع باستبدال العملة الوطنية بحُرية"، غير أنّ هذا النظام "قد يطرح مشاكل كبيرة للاقتصاد المحلي ولسير سياسة الصرف إذ إنّ الظروف الحالية وطبيعة الاقتصاد الوطني لا تسمح باعتماده".

وزاد المسؤول الحُكومي شارحًا رؤيته بالقول: "إنّ المخاطر المرتبطة بقابلية التحرير الكلي للدينار هي هرُوب رُؤوس الأموال وبالتالي انخفاض احتياطات الصرف، بينما أنّ قدرة الاقتصاد المحلي على توليد إيرادات العملات الأجنبية غير مستقرة".

ولم يستسغ الخبراء الاقتصاديون هذه النظرة وأجمعوا على أنه لا خلاص من هذه السوق سوى بإصدار قرار رسمي ينهيها، ويقول الخبير المالي الدُكتور أبو بكر سلامي إنّ "القضاء على هذه السوق التي تكتنز موازنات ضخمة لا يتطلب بالضرورة تحرير العملة المحلية بل يكفي إصدار قرار رسمي يقضي بغلقها مع سن قانون يفرض عقوبات مشددة على كل من يتاجر بالعملة الصعبة خارج الأطر الرسمية وهو القرار نفسه الذي طبقته السلطات الجزائرية من أجل محاربة المضاربة".

ويؤكد سلامي لـ"عروبة 22" أنّ "التخلص من هذا النشاط سيجبرُ من يقف وراءها على بيع عملتهم في البنوك، على أن يرافق هذه الخطوة فتح مكاتب للصيارفة مثلما هو معمول به في العديد من الدول على غرار السعودية وجيبوتي وتونس، وبالمقابل تُحاول السلطات الجزائرية استعادة وتيرة تدفق العملات الصعبة عبر منفذ العاملين في الخارج مثلما هو معمول به في مصر".

وتبقى التحويلات المالية للمغتربين إلى الجزائر ضعيفة جدًا مُقارنة مع مصر ودول عربية أخرى، فبالرغم من وجود أكثر من 7 ملايين مهاجر في القارة الأوروبية وأمريكا غير أنّ تحويلات قيمة التحويلات للجزائريين من الخارج عام 2023 بلغت 1.770 مليار دولار.

ويُكمل سلامي شارحًا مقترحاته للقضاء على سوق العملة الصعبة، قائلًا إنّ "الجزائر سجلت رقمًا مُشجعًا لتوافد السياح الأجانب والمغتربين وصل 3.3 مليون سائح حسب تصريحات مسؤول في وزارة السياحة والصناعات التقليدية، وإذا استبدل كل شخص 1000 يورو فإنّ الخزينة العمومية ستستفيد من 3 مليارات دولار سنويًا".

ومن شأن ذلك، وفق أبو بكر سلامي، "غلق جميع المنافذ في وجه تجار العملة الذين يكتنزون موازنات ضخمة"، أما في سياق تعليقه على مخاوف الحكومة من هروب رؤوس الأموال خارج البلاد، فشدد على أنّ "عمليات بيع وشراء العملات الصعبة سيكون مُقيّدًا بشروط كتحديد هامش ربح مكاتب الصرف".

بدوره يُقر سليمان ناصر، الباحث الجزائري في المصرفية الإسلامية وأستاذ الاقتصاد النقدي والبنكي بكلية ورقلة بـ "صعوبة التوجه نحو التحرير الكلي لسعر صرف الدينار الجزائري أي أنه لا يحُدد بطريقة إدارية من طرف البنك المركزي كل أسبوع وإنما يخضع للعرض والطلب"، مشيرًا إلى أنّ "هذا التحول قد تكون له تداعيات كثيرة على الاقتصاد المحلي من بينها ارتفاع الأسعار وهو ما يتناقض مع سياسية دعم الأسعار التي تنتهجها بلادنا".

ويجزم ناصر لـ"عروبة 22" أنّ "الإجراء الأكثر أهمية لتطويق كل ما يتحرك خارج القانون اليوم هو تحرير سعر صرف الدينار الجزائري"، وهنا استدل بتجربة مصر في هذا المجال، وقال إنها "اتبعت تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية بشكل جزئي ثم تم إيقاف العملية بعد أن وصلت عملتها إلى عتبة 49.16 جنيهًا مُقابل الدولار الأميركي الواحد".

ويتفق أيضًا سليمان ناصر مع ما أدلى به الوزير الجزائري بخصوص هروب رؤوس الأموال بسبب وجود اختلاف بين الجزائر والدول التي تبنت هذه السياسية كتونس ومصر والمغرب، فجميعها تعتمد على تنوع مداخيلها من العملة، ومصر مثلًا تُعوّل على إيرادات السياحة والصادرات وأيضًا عوائد المجرى الملاحي بقناة السويس وتحويلات المصريين من الخارج، بينما الجزائر تعتمد على مدخل واحد فقط يشكل 96 بالمائة من مداخيل العملة الصعبة وهو البترول والغاز.

ولذلك، فالحل اليوم يكمن حسب الباحث والأستاذ في جامعة ورقلة، سليمان ناصر، في "تنويع مداخيل العملة الصعبة في الجزائر باستقطاب تحويلات المهاجرين وتطوير قدرات البلاد في مجالات متعددة مثل الصناعة والفلاحة والخدمات".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن