"إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وتهجير قسر"»، هذه أقل الأوصاف التي يمكن أن تعبّر عن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، في حرب مستمرة منذ 13 شهراً، أكلت الأخضر واليابس، ليتحول القطاع إلى بيئة لا تصلح للعيش الآدمي، وقطعة مثخنة بالجراح، بعد محو كامل لبناه التحتية، وقتل وجرح ما يربو على 150 ألف فلسطيني بشكل مباشر، فضلاً عن آلاف الضحايا الآخرين الذين أُزهقت أرواحهم بسبب تداعيات الحرب، من أمراض، وقلة علاج، ومجاعة.
"الأونروا" وصفت ما يحدث الآن في غزة، بأن "رائحـــة المــــوت تفـــــوح في كل مكان؛ حيث تُترك الجثـــــث ملقاة في الطرق أو تحت الأنقاض"، وأكدت الوكالة الأممية، أنه "يتم رفض البعثـــات لإزالة الجثث أو تقديم المساعدة الإنسانية..في شمال غزة، ينتظر الناس الموت فقط"، في حين لا يوجد ماء أو طعام أو طبابة للمصابين، كما أن الضحايا باتوا يدفــــــنون بلا أكفان لانعدام وجودها.
ما يحدث إبادة على رؤوس الأشهاد، وعلى البث الحي يُحرق الغزيون، في حين تواصل إسرائيل انتقامها المنجرف غير المحدود منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023؛ إذ قضت على حياة سوية لأجيال قادمة، كما حطمت عقوداً من النماء ففي تقييم جديد أطلقته الأمم المتحدة، يتوقع أن ينخفض مؤشر التنمية البشرية لغزة إلى المستوى المقدر لعام 1955، ما يمحو أكثر من 69 عاماً من التقدم التنموي.
لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية بعد، ولم تخفت همة مدافعها وطائراتها، فهي تنتقل من جبهة إلى أخرى، وتخوض حروباً متعددة، الضحية الأولى فيها هم المدنيون الآمنون، ويبدو أن التوصل إلى حل في الوقت الراهن بات أشبه بحلم، في ظل عزم حكومة نتنياهو على فرض وقائع جديدة على الأرض، ورفضها أي تسويات قد تمنعها من ذلك، فهي ترى أن الفرصة الآن مؤاتية لتصحيح أخطائها التاريخية، من خلال تأمين حدودها، وتهجير الفلسطينيين، والتخلص من «أعدائها» دفعة واحدة.
لكن ما تطمح إليه إسرائيل قد يكون بعيد المنال، مع صمود شعبي فلسطيني أسطوري أمام واقع الاستئصال، فهي حاولت ذلك مراراً، وكان الفشل حليفها؛ لذا فإن تمسك الفلسطينيين بأرضهم لن يتغير، مهما استخدمت ضدهم من أساليب قمعية، تهدف إلى خلعهم، وإهدار حقوقهم، أو انتزاعهم من جذورهم.
لكن أمام حالة الاندفاع الإسرائيلي، لا بد من ظهير عربي وإسلامي وعالمي يقدّم مزيداً من الدعم للفلسطينيين، عبر الضغط على الولايات المتحدة، لكبح جماح الحكومة اليمينية التي تريد كل شيء، دون أن تتنازل عن أي شيء، وإلا فإن المنطقة مقبلة على خطر داهم لا يعرف له نهاية، في ظل حالة التأهب والتصعيد الحاصلة.
(الخليج الإماراتية)