"التفاؤل اللبناني" بقرب التوصل الى تسوية بغضون أيام أو ساعات بدأ بالتضاؤل ومعه خابت الآمال، التي ارتفعت بعد الأخبار الاسرائيليّة المسربة، عن تقدم ملموس ومفاوضات جدية لوقف إطلاق النار. فالزيارة التي انتظرها لبنان الرسمي والشعبي للموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى تل أبيب لم تخرج ببوادر ايجابية بعد تمسك رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بشروط "تعجيزية" لتفخيخ المحادثات ورمي كرة "العرقلة" في الملعب اللبناني.
فإستراتيجية المماطلة والتسويف اللتان اعتمدهما نتنياهو في غزّة لإطالة أمد المفاوضات واتهام حركة "حماس" بأنها من يقف "حجرة عثرة" أمام الحل، ينفذهما اليوم معتمداً الاسلوب عينه، في وقت تلف البلدات والقرى اللبنانية، بقاعاً وجنوباً، الأحزمة النارية وتحاصرها الغارات العنيفة وأوامر الإخلاء اليومية التي أجبرت موجة جديدة من السكان على التهجير والنزوح. وفجراً عاد القصف الى الضاحية الجنوبية لبيروت بعد هدوء حذر دام 6 أيام، حيث أغار عليها العدو الاسرائيلي بشكل مكثف. بموازاة ذلك، يستمر الاحتلال بإستهداف خطوط إمداد "حزب الله" العسكرية، حيث باتت منطقة الكحالة - عاريا (شرق بيروت) نقطة استهداف شبه يومية لسيارات ومركبات تحمل أسلحة وذخائر.
وعلى وقع هذا المشهد المُعقد، وسّع "حزب الله" نطاق عملياته العسكرية، حيث بلغت حصيلة أمس، الخميس، 7 قتلى و11 إصابة في صفوف الإسرائيليّين نتيجة الرشقات الصاروخية المتواصلة على المستوطنات الشمالية. وبات من الواضح أن الكلمة الفصل ستكون للميدان وتطوراته العسكرية وقدرة كل طرف على الصمود والثبات وإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الآخر.
ويبدو أن إسرائيل التي كانت ترفض، في السابق، التورط في حروب طويلة بل تفضل اللجوء لخيار الحسم العسكري السريع قد تبدلت وأرست قواعد جديدة، بدأتها في غزّة وتستكملها في لبنان، بعدما نصب نتنياهو نفسه "حاكماً فعلياً" يريد القضاء على "محور الشر" واجتثاثه وتغيير موازين القوى الاقليمية في الشرق الأوسط وسط مخاوف من أن تكون سوريا المحطة الثانية وفق خريطة "الدم" الإسرائيليّة.
وفي التفاصيل، أكد نتنياهو، بعد لقائه المبعوثين الأميركيين آموس هوكشتاين وبريت ماكغورك أنّ "إسرائيل مصممة على مواجهة التهديدات في الشمال". وقال إنّ "أي وقف للنار مع "حزب الله" يجب أن يضمن أمن إسرائيل". وأضاف "لا أحدد موعداً لنهاية الحرب لكني أضع أهدافاً واضحة للانتصار فيها".
ووفق المعطيات المتداولة فإنه من الصعب الوصول الى هدنة محتملة قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وضمن هذا السياق، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأنّ "نتنياهو ينتظر رؤية من سيخلف الرئيس جو بايدن قبل الإلتزام بأي مسار دبلوماسي".
من جهتها، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر، الحديث عن "مسودة اتفاق أميركي - إسرائيلي تسمح لإسرائيل بضرب لبنان خلال فترة شهرين انتقالية". وقالت المصادر "نرجح معارضة "حزب الله" وحكومة لبنان لمسودة اتفاق إنهاء الحرب بسبب انتهاكها للسيادة"، مضيفة "وفق المسودة تنسحب إسرائيل بعد أسبوع ثم ينتشر الجيش اللبناني لتفكيك بنية حزب الله".
ويعرقل قرب التوصل الى اتفاق 3 بنود أساسية يرفضها لبنان جملة وتفصيلا: أولاً، التمسك بمنح القوات الدولية العاملة في الجنوب "اليونيفيل" صلاحيات إضافية، لكن دون إعطائها اذن الدخول والتفتيش في الأملاك الخاصة. ثانياً: الرفض الكلي لوجود أي رقابة دولية على المنافذ الحدودية، وثالثاً يتمثل بعدم إعطاء الجيش الإسرائيلي حق التدخل ميدانياً لتطبيق القرار الدولي 1701، وهو ما يتناقض مع سيادة لبنان واستقلال أراضيه.
أما مفاوضات غزّة، فلم تشهد أي جديد سوى الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز إلى مصر حيث تدور المحادثات في حلقة مفرغة دون تحقيق أي نتائج ملموسة، بينما تستمر المعاناة الانسانية في كامل القطاع، ولاسيما في مخيم جباليا والمناطق المحيطة به، بعدما حولها الإحتلال إلى ركام وخراب مستهدفاً كل مقومات الحياة.
في موازاة ذلك، نقل موقع "أكسيوس" عن مصدرين إسرائيليين قولهما إن إيران تستعد لمهاجمة إسرائيل من الأراضي العراقية في الأيام المقبلة، وذلك من خلال استخدام عدد كبير من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية. ووفق التقرير "فإن تنفيذ الهجوم من خلال الجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق قد يكون محاولة لتجنب هجوم إسرائيلي آخر ضد أهداف إستراتيجية في إيران".
وهيمنت التطورات في لبنان وغزّة على جولة الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث:
رأت صحيفة "الإتحاد" الإماراتية أن "الحل الوحيد أمام المنطقة ودولها ككل، هو النزول من الشجرة، وذلك تعبيراً عن الإيمان الحقيقي بضرورة ابتكار حلول سلمية تضمن للشعب الفلسطيني حقوقَه الكاملة"، مؤكدة أن "احتمالات السلام موجودة ومتوفرة، وعقدة التفوق العسكري الإسرائيلي لا ينبغي أن تتعملق لتصبح عنواناً عاماً مشتركاً لأحداث المنطقة في السنوات القادمة".
وفي الإطار نفسه، عقبت صحيفة "الرياض" السعودية على الأحداث المستمرة في غزّة ولبنان بالقول "المجتمع الدولي لا يضطلع بالدور الذي يجب أن يقوم به، رغم أن الأمور واضحة جلية ولا تحتاج إلى تفسيرات متعددة". وتابعت: "المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في حال لم يؤكد على حل الدولتين ويعمل من أجل تحقيقه، كون فوائد تحقيقه لن تقف عند حدود المنطقة، بل سيكون تأثيرها الإيجابي على المستوى الدولي".
أما صحيفة "الدستور" الأردنية، فكتبت: "حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة عكست إستراتجية جديدة لهيمنة اليمين الإسرائيلي وحملت توجهات في إعادة تشكيل الشرق الأوسط"، لافتة إلى أن "التكتل المتطرف يعتقد أنه بإمكانه التمدد الى ما يعرف إسرائيلياً بين دجلة والفرات ويعلنون صراحة من خلال خرائط يلتقطون الصور أمامها أنهم لن يكتفوا بغزّة".
وشددت صحيفة "الأيام" البحرينية على أن "حماس" و"حزب الله" فرضتا هذه الحرب على الشعبين الفلسطيني واللبناني، بما يُرضي المرشد علي خامنئي ويبقي إيران بعيدا عن ساحة الحرب، وهذا هدف الحرب الرئيس غير المعلن"، واصفة شعارات التحرير التي ترفعها إيران بأنها "ليست سوى أضغاث أحلام يشهد على انفصالها عن الواقع حطام غزة وبيروت الجنوبية ودوي القنابل والصواريخ التي تحصد كل يوم عشرات اللبنانيين والفلسطينيين حصدا".
ووضعت صحيفة "الأهرام" المصرية قرار الكنيست الإسرائيلي بوقف عمل "الأونروا" في إطار "الاستمرار في حرب الإبادة والتجويع ضد الشعب الفلسطيني، تمهيداً لقتل أي محاولة لإقرار السلام في المنطقة ومنع أي تفكير في حل الدولتين". وأضافت: "إن إبادة الشعوب أصبحت تاريخاً من الماضي ولا يمكن تكراره، وبالتأكيد فإن مصر والحكومات العربية لن تسكت على مواصلة هذه الانتهاكات، ولابد من بدء حملة توعية للرأي العام العالمي بخطورة قرار وقف "الأونروا" على القضية الفلسطينية"، على حدّ قولها.
والرأي نفسه، أعربت عنه صحيفة "الوطن" العُمانية التي وضعت قرار حظر "الاونروا"، بالعمل على "تجويع أبناء فلسطين في كامل الأراضي الفلسطينية، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية والقدس اللتين تشهدان إرهابًا مستمرًّا من قوَّات الاحتلال التي تسعَى إلى القضاء على حقِّ العودة للَّاجئين"، مؤكدة أن ذلك "يستوجب من واشنطن، الحليف الرئيس والشريك لدولة الاحتلال المارقة، القيام بواجباتها؛ لكونها ـ كما تقول ـ راعيةً للسلام، بدلا من تشجيعها على مواصلة العبث والإرهاب والاستخفاف بالدم الفلسطيني والعربي".
وفي سياق آخر، أشارت صحيفة "اللواء" اللبنانية إلى أنه "ثمة إشكالية مُعقدة تؤخر بلورة موقف لبناني رسمي وسياسي موحد، ليس حول شروط أو ظروف وقف النار وحسب، بل وأيضاً بالنسبة "لليوم التالي" في جنوب الليطاني والقرى الحدودية"، مشددة على أن "موقف "حزب لله"، ومعه الجانب الإيراني، مازال ملتبساً من تفاصيل التنفيذ المطلوب للقرار 1701، الذي أصبح اليوم "لب الإشكالية التي تؤخر إنهاء الحرب العدوانية المدمرة ضد البلد المنكوب، وهذا الشعب المعذب".
(رصد "عروبة 22")