تقدير موقف

تهويد القدس (1/2)أساليب الشيطان

"إننا إذا حصَلنا يومًا على القدس وكنت لا أزال حيًّا وقادرًا على القيام بأي شيء فسأزيل ما ليس مقدسًا لدى اليهود فيها، وسأحرق الآثار التي مرت عليها القرون"!!.. "هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية.

تهويد القدس (1/2)
أساليب الشيطان

سار الفكر الصهيوني والأيديولوجية الصهيونية منذ تبلورهما باتجاه هدف واحد هو النفي الكامل للشعب الفلسطيني وترحيله واستبداله باليهود من مختلف أنحاء العالم، وتهويد كامل الأراضي العربية في فلسطين، وكانت الخطة ترتكز على الاستيلاء على أكبر مساحات ممكنة من الأراضي الفلسطينية، وإجبار السكان الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم وبيوتهم بمختلف الطرق والوسائل، ثم دفع الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين.

برنامج عمل يومي باتجاه إعادة تشكيل المدينة وإعادة صياغة التركيبة والخريطة السكانية الديموغرافية لها

ولا بد أن نعلم أنّ مساحة الحي اليهودي في القدس قبل قيام دولة إسرائيل لم تكن تتجاوز خمسة آلاف متر وعدد سكانه في حدود 90 أسرة، ولكن مع ذلك فإنّ حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين وقادة الصهيونية اتفقوا على رسم حدود بلدية القدس بطريقة ترتبط بالوجود اليهودي كي يمكن ضم واستيعاب أحياء يهودية جديدة، وجاء تقسيم المدينة إلى شرقية للعرب وغربية لليهود في يوليو 1948.

أساليب الشيطان

بعد أن احتلت "إسرائيل" القدس الشرقية عام 1967، اتخذت خطوات مباشرة وسريعة من أجل تهويد المدينة وعلى جميع الأصعدة، ووضعت البرامج الإستراتيجية والتكتيكية طبقًا للسياسة الهادفة إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل ما يمكن من السكان العرب.

وهذا النهج الإسرائيلي أدى بدوره إلى برنامج عمل يومي ينحو باتجاه إعادة تكوين المدينة وتشكيلها من جديد وإعادة صياغة التركيبة والخريطة السكانية الديموغرافية لها، فمنذ الأيام الأولى بعد حرب 1967 أُعلن عن توسيع حدود بلدية القدس وتوحيد المدينة إثر احتلال الجزء الشرقي، وبدأت الخطوات العملية لإنشاء حي يهودي جديد؛ فهدمت سلطات الاحتلال جزءًا من حي المغاربة، وأجْلت سكانه دون أن تتيح لهم الفرصة لإخلاء مساكنهم، كما أجْلت قسمًا كبيرًا من سكان حي الشرف، وهو من الأحياء العربية القديمة، وعزلت أحياء عربية كاملة من القدس على إثر إعادة ترسيم الحدود للمدينة، ثم تم توسيع الحي اليهودي الذي استتبعه ظهور أحياء جديدة دفعت بآلاف من المستوطنين اليهود للقدوم إلى المدينة. وتولت شركة (إعمار الحي اليهودي) عملية تهجير السكان العرب، وامتدت عملية الإخلاء إلى مناطق شاسعة داخل مدينة القدس القديمة.

ولا بد من الإشارة إلى مخطط شارون لتهويد القدس الذي كشفت صحيفة "معاريف" النقاب عنه في 8/5/1991، وهو يقضي بتسمين المستوطنات اليهودية وإقامة مزيد من المستوطنات، لاستيعاب مليون يهودي في إطار طوق استيطاني محكم على مدينة القدس.

وأقر الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 27/6/1967 عدة قوانين أثّرت في مكانة القدس والأماكن المقدسة، وقد اعتبرت تعديًا صارخًا على القوانين والأعراف الدولية، كما تعتبر في الآن نفسه إلغاء للوضع الراهن من طرف واحد، وفي الوقت ذاته أطلقت يدها في القدس العربية، لتفرض واقعًا مظلمًا على شعب بكامله.

وكانت سلطات الاحتلال تعمل على الاستيلاء على الأراضي بواسطة شركات عقارية وهمية، ووحدة خاصة تسمى وحدة "أيعوم" وهي الوحدة التي كانت خاضعة لما يُسمى إدارة أراضي إسرائيل، وعملت هذه الوحدة على دفع المواطنين الفلسطينيين إلى بيع مبانٍ وأراضٍ في منطقة القدس الكبرى. ومنعت المواطنين الفلسطينيين من شراء الأرض واستثمارها والتوسع العمراني من خلالها. كما تم مصادرة واقتطاع نحو 20% من مساحة البلدة القديمة مما أدى إلى طرد أكثر من 7500 مواطن خارج أسوار المدينة، ومصادرة 630 عقارًا، وهدم 135 عقارًا.

وبعد إجراء سلطات الاحتلال ما يُعرف بالإحصاء العام حرمت آلاف المواطنين من أهالي المدينة الحصول على الهوية بسبب وجودهم خارجها وأقدمت سلطات الاحتلال على سحب بطاقات الهوية لعدد كبير من المواطنين الفلسطينيين المقدسيين مما يعني حرمانهم من دخول مدينتهم وفقدان حقهم الشرعي بالإقامة في القدس، ورفضت منح هويات الإقامة الدائمة وجمع الشمل لشباب وأطفال ولدوا خارج القدس.

وتُطبق إسرائيل سياسة الترحيل السري للسكان الفلسطينيين من مدينة القدس بوسائل متعددة تشمل قوانين وتنظيمات وأحكام قضائية وتكتيكات إدارية، ويُشكل الترحيل السري استمرارًا مباشرًا للسياسة العامة لإسرائيل في القدس الشرقية منذ عام 1967 التي تهدف إلى إيجاد واقع ديموغرافي لا يمكن معه تحدي سيادة إسرائيل على القدس العربية.

"خطة الجيش" هي الخطة الاستيطانية الأمنية القائلة بوجوب نقل حدود القدس إلى ما وراء الجبال المحيطة بالمدينة

وفي عام 1969 ظهرت تفاصيل مشروع القدس الكبرى وفي إطاره تم تنفيذ حوالى 15 مستعمرة وهي الحزام الاستيطاني الثاني حول القدس. وتسعى "إسرائيل" إلى تأكيد وضع القدس الكبرى التي تمثل القدس الموسعة من خلال صنع هوية للمدينة تنمحي معها هويتها الإسلامية فتبدو الأغلبية اليهودية كاسحة، وتصبح مساحة الأراضي التي يسيطر عليها العرب صغيرة جدًّا بالنسبة لما يسيطر عليه اليهود. ويستهدف مشروع القدس الكبرى تطويق الأحياء العربية في المدينة القديمة، وفصلها عن الأحياء العربية القائمة خارج السور، مما يسبب صعوبة كبيرة للسكان تدفع إلى الهجرة خارج مدينتهم.

خطة الجيش

وفي عام 1971، تبنى الكنيست الصهيوني مشروع القدس الكبرى التي تشمل بالإضافة إلى مدينة القدس في حدودها البلدية الموسعة، ثلاث مدن وسبعًا وعشرين قرية في الضفة الفلسطينية، هي مدن بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا والقرى المحيطة بها. وجرت مناقشة هذا المشروع واستندت نسخته الجديدة إلى ما يُعرف بـ"خطة الجيش" وهي الخطة الاستيطانية الأمنية القائلة بوجوب نقل حدود القدس إلى ما وراء الجبال المحيطة بالمدينة ما بين منطقة قلنديا شمالًا، ومنطقة بيت لحم جنوبًا، وما بين (معاليه أدوميم) شرقًا و(معاليه هعشميا) غربًا.

وفي 30/7/1980 أعلنت إسرائيل ضم القدس إداريًّا وسياسيًّا بقرار من الكنيست الإسرائيلي وإعلان توحيدها وجعلها عاصمة لدولتهم تحديًا لاتفاقية جنيف وحقوق الإنسان والقرارات الدولية. والخطورة تبرز حين تؤكد إسرائيل أنّ القدس خارج إطار العملية السياسية الجارية حاليًا، مما يعني سلفًا أن يصبح 24 في المائة من مساحة الأرض المحتلة عام 1967 جزءًا من إسرائيل، وجعلت القدس هي مقر رئيس الدولة، والكنيست، والحكومة، والمحكمة العليا.

وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول 1990 أقرت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون الاستيعاب خطة تقضي ببناء 40 ألف وحدة سكنية جديدة، معظمها في منطقة القدس الشرقية.

تغيّرت أسماء الشوارع والطرق والساحات العامة كجزء من خطة تهويد المدينة وإزالة الحضارة العربية منها

وسعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 إلى جذب مزيد من يهود العالم إلى فلسطين لغرض إحداث انقلاب ديموغرافي كامل لصالح أغلبية يهودية، وأسهمت الهجرة بأكثر من 67% من إجمالي الزيادة السكانية اليهودية خلال الفترة المذكورة، ليرتفع عدد اليهود في فلسطين المحتلة، من 650 ألفًا في عام 1948 إلى 5،2 مليون يهودي في نهاية عام 2000.

سلطة تسمية الأماكن "الإسرائيلية"

أمر دافيد بن جوريون ضباطه وخبراءه بمحو كل الأسماء الفلسطينية سواء كانت عربية أو إسلامية أو مسيحية أو ما قبل ذلك من كنعانية ويبوسية وعمورية وغيرها، واستبدالها بأسماء عبرية، ومن ثم تعرضت أسماء المدن والقرى العربية لتزوير وتهويد المسميات بطريقة عملية ومنظمة، تتم عن طريق سلطة "تسمية الأماكن الإسرائيلية". وتعتمد أوجه التحريف الصهيوني للأسماء على عدة طرق منها استبدال حرف بآخر إضافةً أو حذفًا، وترجمة الاسم إلى العبرية (العبرنة) مثل جبل الزيتون إلى "هار هزيتم" وجبل الرادار إلى "هار دار"، وهناك أسلوب آخر وهو تحريف الاسم العربي ليلائم اسمًا عبريًّا مثل كسلا أصبحت "كسلون" والجيب "جبعون".

وتغيّرت أسماء الشوارع والطرق والساحات العامة باستبدالها بأخرى يهودية كجزء من خطة تهويد المدينة، وإزالة المعالم والحضارة العربية منها مثل تل الشرفة سمي "جبعات هفتار"، وباب المغاربة "رحوب محسي"، وطريق الواد "رحوب هكامي"... إلخ. ولذلك لا بد من استعادة التاريخ المدفون، والجغرافيا المطموسة.

واستخدمت السلطات المحتلة آليات تهويد شيطانية، وهذه قصة أخرى.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن