مقاتلون يرفعون علم الفصائل المسلّحة عقب التقدم الميداني (أ.ف.ب)

هيّمنت الأحداث السورية المتسارعة على المشهد السياسي العام وخطفت الأضواء من المشهدين اللبناني والفلسطيني بعد التقدم الميداني الذي حققته الفصائل السورية المسلّحة بإعلانها الوصول إلى قلب العاصمة، دمشق، بعد فرار بشار الأسد، ودعوتها المهجّرين في الخارج للعودة إلى "سوريا الحرة" بالتزامن مع السيطرة الكاملة على مدينة حمص. وعلى الأثر، قال رئيس الحكومة السورية محمد الجلالي، فجر الأحد، إنه "مستعد للتعاون" مع أي قيادة يختارها الشعب ولأي اجراءات "تسليم" للسلطة. 

هذه التطورات التي ستعيد رسم موازين القوى في سوريا والمنطقة للسنوات القادمة، لاسيما بظل المعلومات المتداولة عن أن "حزب الله" والمليشيات التابعة لايران انسحبت وعادت أدراجها وذلك بعد أيام من اعلان الامين العام للحزب نعيم قاسم الوقوف بجانب سوريا لدحر ما أسماه "العدوان الذي ترعاه الولايات المتحدة وإسرائيل". وهذا الانسحاب والتراجع، ليس مجرد تفصيل بل يُستخلص منه الكثير من المعطيات والنتائج، خاصة أن النظام اتكىء طوال السنوات الماضية، أي منذ اندلاع أحداث الثورة السورية، على روسيا وإيران كي يستمر بالحكم.

إلا أن اختلاف المصالح الايرانية الروسية وتغيّر الحسابات عما كانت عليه سابقاً كما عدم رغبة موسكو بهذا التمدّد الايراني الواسع الذي تغلغل الى مفاصل الحياة السورية، أعاد خلط الأوراق لنشهد بشكل دارماتيكي مفاجىء على تقهقر النظام وسقوط المدن والبلدات السورية الواحدة تلو الاخرى بيد الفصائل المسلّحة وبعضها دون قتال أو معارك بعد الانسحابات التي قام بها الجيش النظامي.

وعليه، طوت سوريا صفحة حكم عائلة الأسد، الذي بدأ في العام 1971، واستمر بقبضة حديدية شملت كل مفاصل الدولة وشرايينها الاقتصادية والمالية. وستكون الأيام المقبلة حبلى بالمعطيات والمستجدات لمعرفة أي طريق ستختاره دمشق، الفوضى والحرب الاهلية أم الوصول لحل سياسي يطلق العنان لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة وتشكيل حكومة وطنية؟

وفي موجز للتفاصيل الميدانية، اتجهت الأنظار الى العاصمة دمشق حيث دخلت الفصائل المسلّحة إليها من دون أي مؤشر على انتشار الجيش. وكان زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني دعا، في وقت سابق، جميع عناصر الفصائل إلى عدم إهدار أي رصاصة "إلا في صدور أعدائكم"، قائلاً إن "دمشق تنتظركم". كما طالبهم بترك المدن "المحرّرة" إلى الشرطة والأمن "ليقوموا بواجبهم".

ومع ساعات فجر اليوم، أعلنت الفصائل اقتحامها لسجن صيدنايا في ريف دمشق ونجاحها في تحرير الأسرى لتنهي "عصر الظلم" في هذا السجن الذائع الصيت. ولاحقًا نقلت وكالة "رويترز" عن ضابطين كبيرين بالجيش السوري تأكيدهم أن الرئيس بشار الأسد "غادر البلاد على متن طائرة إلى وجهة غير معلومة". 

وتراقب اسرائيل عن كثب ما يجري حيث قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ذكر في أثناء زيارته للحدود السورية، أن الجيش يراقب الفصائل للتأكد من "عدم تحولها في اتجاهنا". ويأتي ذلك في وقت عززت إسرائيل قواتها في مرتفعات الجولان بعد تقييم الأوضاع.

وفي السيّاق، شددت 5 دول عربية (قطر والسعودية والأردن ومصر والعراق) بالإضافة إلى إيران وتركيا وروسيا، عقب اجتماعهم في الدوحة، على أن "استمرار الأزمة السورية يشكل تطوراً خطيراً على سلامة البلاد والأمن الإقليمي والدولي، مما يستوجب سعي جميع الأطراف إلى إيجاد حل سياسي للأزمة هناك".

أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فشدد على أنّ النظام السوري "لم يدرك قيمة اليد التي مدتها أنقرة إليه ولم يفهم مغزاها، وتركيا كما كانت بالأمس تقف اليوم أيضاً على الجانب الصحيح من التاريخ". وتابع: "أصبح هناك واقع سياسي ودبلوماسي جديد في سوريا". وعزا سبب ما يحدث اليوم إلى "الهجمات المتزايدة ضد المدنيين في محافظة إدلب، والتي كانت بمثابة الشرارة التي أججت الأحداث الأخيرة في سوريا".

على المقلب اللبناني، وسع الجيش انتشاره عند الحدود الشرقية المحاذية للأراضي السورية، وذلك منعاً لدخول مسلحين أو حركة نزوح من الجهة السورية عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية. وأقفل الأمن العام اللبناني المعبرين الشرعيين في جوسية ، القاع ومطربا - حمص، حاصراً بذلك عمليات الدخول والخروج إلى سوريا من معبر المصنع - جديدة يابوس فقط.

تزامناً، قال المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، إنّ "التوصل إلى اتفاقٍ سياسيّ في لبنان يستند إلى القرار 1701 ويكون قابلًا للتنفيذ كان ضروريًّا للحفاظ على استقرار البلاد"، مشيرًا إلى أن "الوضع الأمني والسّياسي في لبنان يتطلب حلولًا مستدامة". وعلّق على الأحداث بالإشارة إلى أن "الأوضاع في لبنان وسوريا قد تكون قد ساهمت في إضعاف "حزب الله" بشكلٍ ملحوظ، وهو ما قد يوفر فرصةً جديدة لاستقرار المنطقة".

من جهةٍ أخرى، صرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، بأن الجيش العدو نفذ عمليات في جنوب لبنان خلال الساعات الـ24 الماضية، استهدفت أنشطة قال "إنها تشكل تهديدًا لإسرائيل". وأكد أن الجيش الإسرائيلي ملتزم بالتفاهمات المتعلقة بوقف إطلاق النار في لبنان، لكنه يعمل في الوقت نفسه على "إزالة أي تهديد يمسّ أمن إسرائيل وسكانها"، على حدّ قوله.

وفي فلسطين، أكدّ رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن بلاده عادت إلى دور الوساطة بين إسرائيل وحركة "حماس"، من أجل استئناف الجهود للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وتبادل الرهائن، ويترافق ذلك مع تصعيد دموي أدى الى سقوط العشرات من الشهداء والجرحى نتيجة الضربات الاسرائيليّة المستمرة والمتصاعدة على مختلف أجزاء القطاع.

وتابعت الصحف العربية الصادرة اليوم الوقائع السورية ومستجداتها والتغيرات الحاصلة في الميدان. وأبرز ما ورد فيها:

اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن ما يحصل في سوريا "لم يكن وليد أيام أو أشهر، بل يحيل على سلسلة طويلة من المخططات لاستهداف الدول الوطنية في العالم العربي، مثلما حدث في الجولة الأولى مما يسمى "الربيع العربي". واضافت: "في خضم هذا المشهد، تقف سوريا، التي يجب أن تكون وحدتها خطاً أحمر غير مسموح بتجاوزه، في لحظة مصيرية، بعدما عادت مشاهد التحشيد المسلح، وبدأت تتشكل مخاطر تقسيم للوحدة الترابية ومآس إنسانية ونذر فتنة طائفية وتهديدات صريحة لضرب مؤسسات الدولة ومركزيتها".

ورأت صحيفة "الراية" القطرية أن "أقوى دعم لبقاء الأسد حتى الآن قدمته أمريكا وإسرائيل. لقد شهد العالم أجمع كيف أن أمريكا التي زعمت أنها جاءت إلى سوريا للإطاحة بالأسد ونظامه، غيّرت مسارها فجأة وأثارت سيناريو محاربة تنظيم "داعش" الذي صنعته بيدها. وبهذه الطريقة الحلزونية شرَّعت أمريكا لوجودها في سوريا وقدمت دعمًا لا يُقدر بثمنٍ للأسد"، لكنها أوضحت أن "المعارضة السورية تعلمت دروسا مصيرية من أخطاء الماضي، وتتصرف بشكل منسَّق ومتماسك للغاية على المستوى الداخلي، ما يجعلها مستعدة جيداً لهذه العملية".

ومن وجهة نظر صحيفة "عكاظ" السعودية، فإن "سوريا تحولت إلى خلاط أممي ستجد دولاً عديدة تريد أن يكون لها دور في منتج ذلك الخليط، حتى إن إسرائيل ستمد يدها مداً طويلاً؛ بحجة ضرب التيارات الإسلامية الخارجة من جيوب القاعدة". وقالت: "هيئة تحرير الشام" هو الاسم الحديث، أو الصورة البديلة لحركة دينية سيطلب منها أدوار جديدة حينما تعتلي سدة الحكم في سوريا، فدمشق سوف تسقط هذه المرة، ومن الآن تكتب السيناريوهات التي ستقدم ليبصم عليها الضيف القادم للبيت الأبيض".

في الاطار عينه، تحدثت صحيفة "الغد" الأردنية أن "الوضع في سوريا تغير تماما، وإننا في المنطقة أمام خيارين فقط، إما استمرار نظام الأسد بكل مظالمه، وما فعله خلال سنوات بحق السوريين، وأما استبداله بجماعات لديها عناوين دينية وقومية، وتنفذ مخططا تستفيد منه إسرائيل أولا، وهي جماعات سيتم توظيفها حين تنتهي مهامها الوظيفية لإشعال حروب وصراعات، بينها صراع على السلطة والجغرافيا، في ظل اتجاهات متباينة ستؤدي أيضا إلى تقسيم سورية نهاية المطاف".

أما صحيفة "الأهرام" المصرية، فنبهت إلى أن "المخططات الجهنمية لتمزيق وتقسيم الأراضي السورية الى 3 مناطق منفصلة بات أمراً يتبلور على الارض لتخضع لسيطرة دول وقوى إقليمية وعالمية موجودة فعليا على الأراضى السورية، وعلى رأسها امريكا وإسرائيل وروسيا وايران، لتكون المنطقة الاولى خاضعة لسيطرة الحكومة السورية على مساحة 60٪؜ من الاراضي، والثانية تخضع للأكراد على مساحة 25٪؜، والثالثة للمرتزقة والتنظيمات على مساحة 15٪؜ لتضيع معها السيادة الوطنية على الأراضي السورية وتزداد مأسي الشعب السوري".

من جهتها، دعت صحيفة "عُمان" العمانية الدول العربية والإقليمية "لتحديد موقفها بوضوح من الأزمة السورية، فقد لاحظنا أن بعض هذه الدول قد التزم الصمت، بينما القضية بمخاطرها لا تستوجب الصمت، وترك سوريا إلى مصيرها ما بين جماعات الإسلام السياسي وما بين قوى أخرى مجاورة لحدودها تتولى التمويل والتدريب". وتابعت: "النيران ليست بعيدة عن كثير من الدول العربية، خصوصا أنه بات واضحا حجم المؤامرة ومن له مصلحة في إسقاط سوريا، يبدو ذلك جليا في ظل ما تتعرض له غزة ولبنان بل وما تتعرض له أوطان عربية أخرى مجاورة لإسرائيل".

الى ذلك، شددت صحيفة "الوطن" البحرينية على أن "جميع الدول تمر في أزمات وتواجه تحديات وصعوبات، والنجاح في تجاوز ذلك يتطلب جهوداً جبارة، جهوداً تدرك بأن العملية صعبة لكن ليست مستحيلة"، مؤكدة أن "الاستقرار السياسي، والاستقرار الأمني، وأخيراً الاستقرار الاقتصادي. هي باختصار المعادلة التي تتمناها كل دولة، لأن نتائجها ستكون ممثلة بالاستقرار والإنجازات وراحة الشعوب وديمومة العمل الناجح".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن