سقط نظام "البعث" ورحل الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الذي فرّ وعائلته الى موسكو بعدما حكم دمشق أكثر من 24 عاماً، 13 منها حارب فيها الثورة التي اندلعت ضده في العام 2011 واستخدم كل الاساليب لؤادها كما استعان بدول خارجية ليبقى في سدة الرئاسة، حيث وفرت له روسيا وايران عبر أذرعها العسكرية في المنطقة "الأوكسجين" الضروري للبقاء على قيد الحياة، ولو "بالتنفس الاصطناعي".
وبين مشاهد الفرح بطي مرحلة حكم الأسد، الأب والإبن، الذي أطبق على أنفاس السوريين لنحو 5 عقود، واطلاق سراح المعتقلين من السجون، من بينهم أطفال ونساء كما مساجين لبنانيون اختفت أخبار بعضهم لسنوات طوال عن ذويهم، وبين تحذيرات الفوضى والإرهاب والحرب الأهلية، تقف سوريا عند مفترق طريق سيكون له انعكاساته وارتداداته ليس فقط على عاصمة الياسمين بل على المنطقة برمتها، وعلى رأسها لبنان والعراق كما إيران. ومن هنا، فإن ما ستحمله الأيام المقبلة سيكون محل رصد واهتمام عربي ودولي، لأنه سيحدد معالم "سوريا الجديدة" ما بعد خلع آل الأسد عن سدة الحكم.
وهذا الرحيل برمزيّته ومعانيه ودلالاته سيترك الكثير من الأسئلة عن التوقيت والغايات والأهداف، التي لا يزال بعضها مجهولاً، خاصة أن السقوط المدوي لم يستغرق سوى 10 أيام فقط بعدما استطاعت الفصائل السورية المسلّحة اطلاق معركة "ردع العدوان" بشكل مفاجىء لتتساقط المدن الواحدة تلو الاخرى بشكل دراماتيكي. وعليه، فإن عدة أسباب ساهمت بتسريع الرحيل وتتلخص بشكل أساسي بغياب دعم حلفاء الأسد، أي إيران وروسيا، فالأولى منهمكة بالضربات الاسرائيليّة على أذرعها بالمنطقة، ولاسيما "حزب الله"، كما تنظر بتوجس لمرحلة الرئيس المُنتخب دونالد ترامب، فيما موسكو منشغلة بالحرب الأوكرانية وتأثيراتها. أما العامل الثاني، فهو ضعف الجيش النظامي بعد سنوات من الحرب الداخلية التي انهكته وغياب القدرات التسليحية العالية إضافة الى النقمة الداخلية على الأسد وجماعته نتيجة التدهور الاقتصادي الحاد.
هذه الاسباب وغيرها سرّعت في خطوات سقوط الأسد، الذي كان حتى الأمس القريب أشبه بـ"حلم مستحيل". الا أن للسياسة وأربابها مصالحهم وغاياتهم، ومن هنا يمكن رصد مواقف الدول العربية والاقليمية، التي جميعها على حدّ سواء، دعت إلى إحترام تطلعات الشعب السوري وأحلامه من خلال الحفاظ على الوحدة الوطنية والمؤسسات العامة درءاً للفتنة والحرب والفوضى.
وفي التفاصيل التي طبعت اليوم الأول، اتهم رئيس "هيئة تحرير الشام"، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) الرئيس المخلوع بجعل سوريا "مزرعة لأطماع إيران"، مؤكدا أن الانتصار عليه هو انتصار "للأمة الإسلامية"، كما سعى، في أول خطبة له من الجامع الأموي في قلب دمشق، لطمأنة كافة أطياف الشعب السوري من خلال تأكيده أن ظلم الأسد طال جميع السوريين، ولم يقتصر على طائفة دون أخرى.
من جهته، قال ائتلاف المعارضة السورية إنه سيواصل العمل من أجل "إتمام انتقال السلطة إلى هيئة حكم انتقالية ذات سلطات تنفيذية كاملة"، مشدداّ، في بيان: على أن "الثورة السورية العظيمة انتقلت من مرحلة النضال لإسقاط نظام الأسد إلى مرحلة النضال من أجل بناء سوريا بناء سوياً يليق بتضحيات شعبها". فيما أعرب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن عن "تضامنه مع كل من تحملوا وطأة الموت والدمار والاعتقال وانتهاكات حقوق الإنسان التي لا تعد ولا تحصى". وأضاف: "لقد ترك هذا الفصل المظلم آثاراً عميقة، لكننا نتطلع اليوم بأمل حذر إلى فتح فصل جديد - فصل السلام والمصالحة والكرامة والإدماج لجميع السوريين".
واستغل العدو الاسرائيلي الأحداث الجارية فقام بشنًّ سلسلة من الضربات الجوية على شرق سوريا استهدفت مستودعات أسلحة ومجموعات موالية لايران، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان". كما توغل عدة كيلومترات داخل الجولان السوري معلناً سيطرته على موقع جبل الشيخ العسكري بعد مغادرة قوات النظام، وبإيعاز من رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر أن اتفاق فصل القوات الموقع مع النظام السوري، انهار بعد مغادرة جنود قوات النظام مواقعهم.
وقال نتنياهو إن "نظام الأسد هو حلقة مركزية في محور الشر الإيراني، وهذا النظام سقط. وهذه نتيجة مباشرة للضربات التي أنزلناها على إيران وحزب الله، الداعمان الأساسيان لنظام الأسد". في المقابل، وجه جيش الاحتلال، أمس، تحذيراً عاجلاً إلى السكان في جنوب سوريا، يطلب منهم البقاء في منازلهم وعدم الخروج حتى إشعار آخر.
هذا ووصف الرئيس الأميركي جو بايدن، ما حصل بـ"الفرصة التاريخية" من أجل "بناء مستقبل أفضل". في وقت أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن بلاده ستعمل مع الإدارة الجديدة في سوريا لضمان نجاح المرحلة الانتقالية، وأنها على اتصال مع أصدقائها العرب: السعودية ومصر وقطر والأردن والعراق، وأصدقائها الأميركيين"، معرباً عن أمله في أن تتوحد الفصائل وتعمل معاً بطريقة منظمة ومترابطة لضمان عملية انتقالية ناجحة.
أما إيران، فقد دعت إلى "تقرير مصير" مستقبل سوريا وتشكيل حكومة شاملة تمثل جميع فئات الشعب السوري، "من دون تدخل خارجي مدمِّر أو فرض خارجي"، مؤكدة أنه "حق حصري للسوريين". وفي وقت سابق، ذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أن مسلحين مجهولين اقتحموا سفارة طهران في منطقة المزة بدمشق بعد السيطرة عليها وأعاثوا فيها خراباً ودماراً ونهبوا محتوياتها.
توازياً، نقلت "هيئة البث الإسرائيليّة" عن رئيس الأركان هرتسي هاليفي قوله إنّ "الجيش الإسرائيلي يقاتل على 4 جبهات بغزة والضفة ولبنان وبدءا من الليلة في سوريا أيضاً". يُشار إلى أن وكالات الانباء الروسية نقلت عن مصدر في الكرملين تأكيده أن الرئيس المخلوع بشار الأسد وعائلته موجودون في موسكو بعدما "منحتهم روسيا اللجوء لدواعٍ إنسانية".
فلسطينياً، ومع دخول اليوم الـ431 للعدوان على غزّة، استهدف الاحتلال المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة بالقذائف المدفعية، مما أدى إلى إصابة 6 مرضى، كما كثف عمليات نسف المباني السكنية في رفح جنوبي القطاع. في حين تحدثت مهلومات اعلامية عن تقديم "حماس" ورقة بأسماء الرهائن الذين لا زالو على قيد الحياة وذلك بهدف تسريع وتيرة مفاوضات وقف النار.
وطغت التطورات السورية على عناوين ومقالات الصحف العربية الصادرة اليوم، وأبرز ما جاء فيها:
علّقت صحيفة "الخليج" الإماراتية على الأحداث السورية قائلة: "هذا التحول الدراماتيكي جعل المشهد السوري والإقليمي يدخل مرحلة جديدة وخطرة، ويفتح الباب أمام المجهول، نظراً للمصالح المتعارضة للجماعات المسلحة من جهة، ومصالح القوى الإقليمية والدولية التي ستتصادم على الجغرافيا السورية"، معتبرة أن "ما جرى من تطورات متسارعة خلال الأيام القليلة الماضية يطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل مصالح وعلاقات العديد من الدول".
وشددت صحيفة "العرب" القطرية على أن "الدور القطري سيظل محوريًا في دعم جهود إعادة بناء سوريا خاصة بعد سقوط نظام الأسد، لأن مساندة الدوحة للشعوب جزء رئيسي من نهجها السياسي والإنساني"، موضحة أن "الدعم للثورة السورية يمثل نهجًا ثابتًا يعبر عن قيم العدل والحرية، ويؤكد أن المساندة ليست مجرد موقف سياسي بل مسؤولية مستدامة"، على حدّ قولها.
بدورها، اعتبرت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "البداية في سوريا تشير إلى أن الشعب قد تعلم جيداً من المتاعب التي تعرض لها، والتجارب التي حدثت في بلدان أخرى". وأضافت: "لم تُسفك دماء في الطريق من حلب إلى دمشق، قوات النظام السابق لم تقاوم الزحف لأنها تعرف أنه نظام فاسد لا يستحق الدفاع عنه، والشعب لم يعد له هم سوى التخلص من النظام أولاً، ولذلك تضامن مع فصائل التحرير وساندها حتى وصلت إلى قصر الحكم في قلب دمشق وأعلنت رسمياً انتهاء نظام بشار وطغمته وأعوانه".
وكتبت صحيفة "الجريدة" الكويتية "يدخل لبنان إلى مرحلة سياسية جديدة في تاريخه على وقع التحول السوري، ولابد لهذه المرحلة أن تكون جديدة على دول المنطقة كلها، خصوصاً أن ما جرى هو متغير استراتيجي، يأتي بعد حرب إسرائيلية طويلة شملت فلسطين ولبنان وجزءاً من سورية. وبحسب الصحيفة، فإن "ما جرى لا بد أن تتسع انعكاساته لتطال جهات مختلفة، لا سيما إيران، التي ستكون أمام مراجعة كبيرة لكل السياسات والاستراتيجيات، والتفضيل بين خيار الثورة أو الدولة".
إلى ذلك، رأت صحيفة "القدس العربي" أن "النهاية التراجيدية لنظام الأسد تلخص ختام انحراف تاريخي هائل، فعلى عكس ما كان النظام يردّد، خلال أيام شعبويته الأيديولوجية، شعارات الوحدة، فقد كان النظام، في مجمل حقبته نموذجا للعداء لجيرانه العرب وممارسة البلطجة والإرهاب في لبنان والأردن والعراق". وخلصت إلى أن "إسقاط النظام السوري، بكل المعاني، هو بداية إيجابية جديدة للعالم، وسيكون يوم 8 كانون أول/يناير حدثا يغيّر معادلات المنطقة".
من جهتها، أكدت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "مغزى انهيار نظام الاسد على النحو الذي حصل، وفي ثورة قد تسمى بالثورة البيضاء نسبيا، من دون سفك دماء كما يحصل عادة، او الثأر من الموالين وجوقة النظام الفاسدة والقمعية، تقديم نموذج مغاير لأسلوب النظام الديكتاتوري، واستقطاب كافة مكونات الشعب السوري حول الثورة"، مشددة على "علامات الضعف والترهل بدت واضحة، على النظام الايراني وعدم قدرته للتدخل ومدّ يد المساعدة، لابقاء سوريا ممرا للامداد بالسلاح والعتاد لـ"حزب الله" في لبنان، خلافا لكل التعهدات والوعود التي صدرت سابقا".
(رصد "عروبة 22")