لأنّ اليمن يُعدّ واحدًا من أكثر بلدان العالم نُدرةً في المياه، فقد وجدت الأمم المتّحدة أنّ أكثر من نصف سكّانه لا يحصلون على مياه كافيّة ومأمونة ومقبولة للاستخدامات الشخصيّة والمنزليّة، بما في ذلك الشّرب والطّهي والصّرف الصّحّي.
وإلى ما قبل اندلاع الحرب الأخيرة، كان العنف الاجتماعي على الأرض والمياه، بخاصّة في المناطق الرّيفيّة، سببًا في مقتل أكثر من 4,000 شخص سنويًّا، وفقًا لوزارة الدّاخليّة اليمنيّة حينها، مع أنّ هذا العدد لا يشمل نسبةً كبيرةً من الحالات التي يتمّ حلّها من خلال العُرف القَبلي. وفي ظلّ الحرب وتراجع نفوذ السّلطة، تضاعفت هذه المشكلة وزاد من عمقها التّغيّرات المناخيّة التي ظهرت آثارها واضحة خلال السّنتَيْن الماضيتَيْن وتأثّر بها نحو مليون شخص.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ البلاد تفقد سنويًّا نحو 5% من أراضيها الزّراعيّة نتيجة التصحّر، وفق ما أعلنته وزارة المياه مؤخّرًا، ولهذا تسبّب تقلّص متوسّط حيازة الأراضي النّاتج عن ارتفاع نسبة النّموّ السّكّاني إلى 3% سنويًّا بسبب عدم وجود نظام شامل وموثوق به لتسجيل الأراضي، بفتح الباب أمام النّزاعات الطّويلة على الأراضي، حيث تشكّل القضايا المرتبطة بالنّزاع حول الأراضي نصف مجموع القضايا المطروحة أمام المحاكم.
وفي بلدٍ تحتلّ احتياطيّات المياه الجوفيّة فيه المرتبة الثانية عشرة في العالم من حيث النُدرة، وتُستنزَف احتياطيّات المياه الجوفيّة بسرعة، خصوصًا في المرتفعات حيث يصل الانخفاض إلى عدّة أمتار سنويًّا، فإنّ هذه النُدرة تتفاقم حاليًّا بسبب عوامل المناخ، والنّموّ السّكّاني، وممارسات إدارة المياه غير المستدامة.
ووفق توقّعات المنظّمات الدّوليّة فإنّ تغيّر المناخ سيؤدّي إلى تفاقم هذا الوضع، لأنّ ارتفاع درجات الحرارة، وأنماط هطول الأمطار التي لا يمكن التنبّؤ بها، وتدهور الأراضي الزّراعيّة، أمور آخذة في الارتفاع. كما أنّ مستويات سطح البحر آخذة في الارتفاع، مما يؤدّي إلى ملوحة طبقات المياه الجوفيّة الساحليّة وزيادة انخفاض المياه الصالحة للاستخدام.
وعلى الرّغم من مساهمته بالحدّ الأدنى في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالميّة، إلّا أنّ اليمن يتحمّل وطأة أزمة المناخ، وسط تحذيرات من المنظّمات الدّوليّة من عواقب وخيمة جرّاء ندرة المياه، كما أنّ ذلك يعرّض الأمن الغذائي للخطر، مع احتمال انخفاض الإنتاج الزّراعي، حيث أصبحت الصّراعات على موارد المياه أكثر تواترًا، مما يضع السّكّان الضعفاء تحت المزيد من الضّغوط.
وفي ظلّ هذه الأوضاع، حذّرت منظّمة الأمم المتّحدة للأغذية والزّراعة (فاو) من نفاد مخزون المياه الجوفيّة في اليمن خلال الأعوام الستّة المقبلة، ونبّهت إلى أنّ أغلب النّزاعات تدور حول المياه في بلد هو أفقر دولة في العالم من حيث الموارد المائيّة. وبيّنت في تقرير حديث عن "الاستفادة من المياه من أجل السّلام"، أنّ اليمن بحاجة ماسّة إلى فهمٍ كامل لأنظمة إدارة المياه، وكيفيّة استخراج الموارد واستخدامها وتقاسمها.
التّقرير الأممي نبّه إلى فجوة تتمثّل في محدوديّة التّمويل اللّازم لتكرار أفضل ممارسات إدارة المياه التي تمّت تجربتها وأثبتت فاعليّتها. وحذّرت المنظّمة المعنيّة بالأغذية والزّراعة من تهديد مثل هذه الفجوات للأمن الغذائي وصحة الإنسان وأمنه، لأنّه، وفي بعض الأحيان، تُزهق أرواح بشريّة عندما تتقاتل المجتمعات على الموارد، حيث إنّ ما بين 70% إلى 80% من النّزاعات في البلاد تدور حول المياه وحيازة الأراضي.
اليمن، ووفقًا لما أوردته الـ"فاو"، لديه وضع مائي لا يُحسد عليه، إذ يبلغ نصيب الفرد السّنوي من المياه 83 مترًا مكعّبًا مقارنة بالحدّ المطلق البالغ 500 متر مكعّب. في حين يستهلك القطاع الزّراعي حوالى 90% من استخدامات المياه، ويذهب معظمها لزراعة نبتة "القات" في جميع أنحاء البلاد، ويتمّ استنزاف المياه الجوفيّة بمعدّل ضعفَيْ معدّل تجديدها.
وفي حين نبّهت الـ"فاو" من استمرار استخراج المياه الجوفيّة بالمعدّل الحالي، حذّرت من أنّه وبحلول عام 2030، "سيتم استنفاد أحواض المياه"، ورأت أنّ ذلك في حال حدوثه سيكون كارثيًّا لبلد، 70% من المجتمع الرّيفي فيه يمتهن الزّراعة، كما أنه سوف يؤدّي إلى ضياع "أجندة" التحوّل في مجال الغذاء والزّراعة مع استنفاد الموارد المائيّة.
تغيّر المناخ والنموّ السّكّاني السّريع أدّيا طبقًا للبيانات الأمميّة إلى فرض ضغوط إضافيّة على موارد المياه المحدودة في هذا البلد، إذ لا يحصل حوالى 14.5 مليون شخص من سكّانه على مياه الشّرب الآمنة ومرافق الصّرف الصّحّي، في حين تتحمّل النّساء وطأة هذا الوضع المائي الذي لا يؤثر فقط في إنتاجهنّ من المحاصيل والثّروة الحيوانيّة، بل يستلزم المزيد من العمل واستخدام الوقت للسّفر لجمع المياه وتخزينها وتوزيعها.
وفي مسعى لاحتواء هذه الأزمة وتجاوز ظروف الحرب تمّ عام 2020، وبمساعدة دوليّة تشكيل 62 جمعيّة لمستخدمي المياه في محافظات صنعاء ولحج وحضرموت وأبين، ولعبت هذه الجمعيّات دورًا حيويًّا في تشكيل وتكوين ومهام اللّجان الإقليميّة ولجان إدارة مياه الأحواض، لأنّها تمثّل حلقةً حيويّةً في عمليّة استخراج المياه واستخدامها بشكل عادل، حيث يتولّى أعضاؤها المسؤوليّة عن إدارة توزيع المياه، وصيانة البُنية التحتيّة للرّي، وحلّ النّزاعات بين المستخدمين، وضمان الاستخدام المستدام للموارد المائيّة.
(خاص "عروبة 22")