سوريا.. أي مسار مستقبلي؟

الحدث الأهم هذا العام في الشرق الأوسط تمثل في السقوط السريع، والمفاجئ للكثيرين بالشكل الذي تم فيه، للنظام السوري رغم أن الكثير من مؤشرات الضعف حول قدرات النظام كانت قد ظهرت قبل ذلك. لقد فتح هذا السقوط الباب في الإقليم لتداعيات كثيرة وذات درجات متعددة من التغيير أيًا كان اتجاه هذا الأخير. يعود ذلك بالطبع إلى الموقع الذي تحتله سوريا في الجغرافيا السياسية في المنطقة وخاصة في المشرق، والدور الذي كانت تقوم به كلاعب تراجع دوره مع الوقت ثم كملعب في "حروب الآخرين".

عدم حدوث الفراغ الكلي في السلطة الذي عادة ما يواكب حالات من هذا النوع من السقوط لأنظمة مشابهة مرده حفاظ "هيئة تحرير الشام"، التي استولت على السلطة، على الحكومة القائمة لعدم حصول فراغ على صعيد تسيير أمور البلاد في الحد الأدنى المطلوب.

تبع ذلك بالطبع تشكيل حكومة انتقالية ومؤقتة. كان ذلك بمثابة رسالة ليس فقط من الطرف الذي استولى على السلطة على الأرض لكن من طرف من هم حماته أو محتضنوه على أنهم مع إطلاق مسار مفتوح للحوار حول إقامة نظام جديد في سوريا. الأمر الذي يطمئن الأطراف الخارجية المعنية. وللتذكير فإن اجتماع "مجموعة أستانا" (روسيا، وإيران، وتركيا) في السابع من هذا الشهر على هامش منتدى الدوحة وإعادة قرار مجلس الأمن 2254 على الطاولة كآلية للحل في سوريا كان بمثابة رسالة واضحة ومباشرة إلى النظام قوامها أن أيامه قد انتهت، وهو ما حصل في أقل من 24 ساعة.

اجتماع تبعه اجتماع مع الدول العربية الخمس (مصر، والسعودية، والأردن، والعراق، وقطر)، والتي كانت قد أكدت بدورها على الحل حسب القرار المشار إليه. اجتماع اللجنة الوزارية العربية الخاصة بسوريا الذي شاركت فيه أيضًا البحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر، الذي عقد السبت الماضي في الأردن، والذي أيضًا شمل الاجتماع مع الأطراف الأممية والدولية المعنية تحت عنوان تنفيذ القرار 2254 كان بمثابة رسالة واضحة في كل الاتجاهات حول ضرورة المضي في خريطة طريق لتنفيذ هذا القرار.

وللتذكير فإن القرار المشار إليه يدعو لمفاوضات رسمية بين الحكومة والمعارضة بشأن عملية انتقال سياسي والتوصل إلى حل خلال فترة ستة أشهر، لا يقوم على الطائفية، وبلورة دستور جديد وإجراء انتخابات على أساسه. نظام يقوم على التشاركية بين جميع أبناء الوطن الواحد.

السؤال المطروح اليوم في ظل هذا التوافق المبدئي في العناوين أنه يجب أن يستمر ليواكب عبر الأمم المتحدة عملية التوصل إلى توافق في المضامين مع التذكير أن الأطراف الدولية المعنية قادرة، ولو بدرجات مختلفة في التأثير في نجاح هذا المسار. يعود ذلك بالطبع إلى علاقات التأثير القائمة أو المستقبلية مع الأطراف السورية المختلفة.

إن كل تأخير أو تعثر في إطلاق وتقدم هذا المسار، وهو ليس بالأمر السهل نظرًا لتعدد الأطراف السياسية والعسكرية على الأرض في سوريا وهوياتها العقائدية والسياسية والمصلحية المختلفة، قد يؤدي إلى سقوط سوريا في المحظور. فإذا كانت الخلافات في السياسة أمر أكثر من طبيعى في كل المجتمعات، خاصة في لحظة الخروج من الحروب المختلفة العناوين والمضامين، لكن التحدي أمام الجميع يكمن في عدم السماح لهذه الاختلافات في أن تسقط عملية الإنقاذ الوطني فى حروب جديدة تحت عناوين مختلفة بين أبناء الوطن الواحد. الأمر الذي قد يؤدي إلى السقوط على سبيل المثال في السيناريو الليبي أو السيناريو السوداني، مع ما لذلك من تداعيات على المستوى الإقليمي.

ولا بد من التذكير أخيرًا أن هنالك مصلحة عربية استراتيجية كبرى، وبالتالي مسئولية خاصة في توفير الدعم والمواكبة الفاعلة لعملية الإنقاذ الوطني في سوريا، رغم التعقيدات والصعوبات الكثيرة القائمة، وذلك لإقامة نظام إقليمي مستقر في الشرق الأوسط. 

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن