جهود حثيثة تقوم بها "هيئة تحرير الشام" لرفعها عن قائمة الارهاب منذ الاطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلا أن "الانفتاح" الغربي، ولاسيما الأميركي والأوروبي منه، والذي تمثل بالاتصالات أو الوفود الرفيعة المستوى التي بدأت تصل دمشق لإجراء لقاءات مع الحكومة الانتقالية يرافقه، على المقلب الآخر، حذر وتأنٍ من السير بهذه الخطوة التي تعتبرها بعض الدول "سابقة لأوانها".
هذا وقد عاد القرار الدولي (2254) الخاص بخارطة طريق للحل السياسي في سوريا إلى الواجهة مجدداً وذلك غداة دعوات من قبل قوى في المعارضة السورية وجهات دولية الى اعتماده كإطار للانتقال السياسي بعد سقوط الأسد، خاصة أن القرار الذي صدر بالاجماع عن مجلس الامن في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015 يدعو الى المضي قدماً بعملية السلام وتدابير بناء الثقة مع التشديد على احترام خيارات الشعب السوري لتقرير مصيره.
وفي مقابل هذه الدعوات، طالب قائد القيادة العامة لإدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) بإعادة النظر في القرار "نظراً للتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي"، داعياً لرفع العقوبات المفروضة على الحكومة السابقة التي قال إنها "كانت مفروضة على الجلاد الذي رحل الآن". وفي تصريح آخر، شدد الشرع على أن "سوريا يجب أن تبقى موحّدة، وأن يكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية"، مكرراً موقفه بـ"حلّ الفصائل وتهيئة المقاتلين للانضواء تحت وزارة الدفاع وخضوع الجميع للقانون"، على حدّ تعبيره.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا أشارتا، في وقت سابق، إلى أنهما تدرسان رفع الهيئة عن القائمة، فيما كانت مواقف دول أوروبية آخرى أشد "تحفظاً" بانتظار بلورة الامور واتضاح الرؤية وذلك بناء على ما سيتم اتخاذه من قرارات مستقبلية. وتضع هذه الدول لائحة شروط ستحكم وفقها ومنها التزام القيادة الجديدة بحماية الأقليات وضمان حقوق المرأة، في إطار حكومة موحدة ترفض التطرف الديني، وهو كلام عبرت عنه مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في تصريحات لوكالة "رويترز"، حيث أشارت ايضاً إلى أن دبلوماسياً أوروبياً كبيراً وصل إلى العاصمة دمشق لإجراء اتصالات مع القيادة السورية.
وفي السيّاق عينه، تستعد فرنسا لإرسال بعثة دبلوماسية مماثلة إلى سوريا بعد قطيعة دامت 12 عاماً. وأعلن وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو، أن البعثة التي ستزور دمشق، اليوم الثلاثاء، مكونة من أربعة دبلوماسيين، وستعمل على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة، تتمثل في استعادة الممتلكات الفرنسية في سوريا، إقامة اتصالات أولية مع السلطات الجديدة، وتقييم الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان. فيما أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن بلاده أوفدت مسؤولين رفيعي المستوى إلى دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة.
على خطٍ موازٍ، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الحكومة الأميركية تواصلت أكثر من مرة مع "هيئة تحرير الشام" في سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، مشيرة إلى أن الاتصال ركز على المساعدة في العثور على الصحافي الأميركي أوستن تايس، الذي وقع في الأسر عام 2012، وكذلك لاستيضاح مبادئ المرحلة الانتقالية في سوريا.
إنسانياً، شدد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر على أن سوريا بحاجة إلى كميات كبيرة من المساعدات بعد سقوط نظام الأسد. وإذ أوضح أن "7 من كل 10 سوريين يحتاجون إلى المساعدة حالياً"، لفت إلى أن الدعم يجب أن يشمل "الغذاء والدواء والمأوى، ولكن أيضاً الأموال لإعادة تنمية سوريا التي يمكن للناس أن يؤمنوا بها مجدداً". يُذكر أن الاقتصاد السوري يئن من وطأة الحرب الطويلة التي قضت على قطاعاته الانتاجية وأسواقه التصديرية كما أن العقوبات المفروضة تقيّد الاقتصاد السوري وتزيد من خسائره.
وفي موازاة هذه المستجدات، نشرت الرئاسة السورية السابقة بيان منسوب للرئيس المخلوع بشار الأسد، الذي يتحدث للمرة الأولى منذ لجوئه إلى روسيا، عن ظروف فراره حيث أكد "أن مغادرته سوريا لم يكن مخطط لها". ووفق البيان أنه منذ اليوم الأول للحرب، "رفض الأسد أن يساوم على إنقاذ وطنه مقابل مكاسب شخصية أو على شعبه مقابل العروض والإغراءات"، معلناً أنه "بقي في سوريا مع عائلته إلى جانب شعبه، يواجه الإرهاب تحت القصف والتهديدات المتكررة بالتسلل الإرهابي إلى العاصمة طوال 14 عاماً من الحرب".
الى ذلك، برز موقف الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب الذي رأى أن "لا أحد يعرف النتيجة النهائية في سوريا، ولا من هو الطرف الفائز، لكن أعتقد أنه تركيا.. أنقرة سيكون معها المفتاح للأحداث" في هذا البلد. وأضاف "تركيا استولت على سوريا بطريقة غير ودية دون سقوط الكثير من الأرواح"، معتبراً أن سوريا "بها الكثير من الأمور التي لا تزال غير واضحة".
ميدانياً، يواصل العدو الاسرائيلي إنتهاكه للأجواء السورية دون حسيب أو رقيب. وفي هذا المضمار، تحدث "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن غارات عنيفة استهدفت عدة مواقع عسكرية بالقرب من الساحل السوري وأصابت نحو 36 مدنياً. ووصف المرصد الهجمات على مدينة طرطوس بأنها "الأعنف على الساحل منذ عام 2012"، موضحاً أن المدنيين أصيبوا نتيجة الانفجارات المتتالية الناجمة عن قصف مستودعات الأسلحة.
وعلى المقلب الفلسطيني، وسّع الاحتلال من هجماته على خيام ومراكز إيواء النازحين، فاستهدف بالقصف الجوي والمدفعي، 4 مدارس على الأقل، فيما بلغ عدد المجازر 7 خلال الـ24 ساعة الماضية. بالتزامن تحدثت معلومات عن تطورات "ايجابية" على خط التفاوض للوصول الى تسوية ما "رغم بعض العثرات". ونقلت "القناة 12" الإسرائيليّة عن مصادر مطلعة، أن وفداً اسرائيلياً يتكون من ممثلين على مستوى تقني عن جهاز الأمن العام (الشاباك) وجهاز الموساد والجيش الإسرائيلي غادر إلى العاصمة القطرية، الدوحة. وذكرت أن الصفقة قد تتطلب من إسرائيل اتخاذ "قرارات قاسية"، لافتة إلى أن "الفجوات تتمحور حول أعداد الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين كما مسألة انتشار الجيش الإسرائيلي في القطاع".
ولليوم الثاني على التوالي، نفذ الجيش الأميركي، في ساعة متأخرة من ليل الاثنين، ضربة جوية على ما وصفه بأنه "مركز لتنسيق عمليات الحوثيين مثل الهجمات على السفن الحربية والتجارية التابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن"، بينما قالت قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين إن الضربة استهدفت مجمع العرضي في العاصمة اليمنية، صنعاء.
وفي جولة اليوم على الصحف العربية تسليط للضوء على الاعتداءات الاسرائيليّة المتواصلة على سوريا وأهدافها ودوافعها، حيث:
رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "إسرائيل قد تكون أخطر معضلة أمنية تواجه القادة الجدد في دمشق. فاستغلالاً للفراغ الأمني وسّعت إسرائيل وجودها العسكري على الحدود مع سوريا لتضم ما يقرب من ربع مساحة الجولان المحتل، مع مباشرة حملة عسكرية بمهاجمة عتاد الجيش السوري بطول البلاد وعرضها". وأضافت: "كل معضلة من هذه الأزمات كفيلة بأن تفتت سوريا إلى دويلات ومقاطعات وضِيَع يصعب احتواها في دولة مركزية واحدة، كما هو الحال في ليبيا والصومال".
وتناولت صحيفة "الراي" الكويتية "الاعتداءات الاسرائيليّة على السيادة والمقدرات السورية وتدمير البنية التحتية في كل أنحاء المحافظات"، معتبرة أنها "تدلّ عن هدف شامل يتمثل في نزع أي قدرات دفاعية عن سورية لتخضع بالكامل، خصوصاً على المستوى الإستراتيجي". وأكدت أن إسرائيل "لم تعد تعمل بهدف منع ما كان يُسمى بـ "محور المقاومة" من ترسيخ موطئ قدم في المنطقة أو نقْل السلاح إلى لبنان أو استهداف الأصول الإيرانية، بل ان مئات الضربات تهدف لمنع إعادة بناء نظام دفاعي متماسك".
من جهتها، لفتت صحيفة "القدس العربي" إلى أن الاعتداءات الاسرائيليّة "تشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاقية الأممية حول فصل القوات، واستغلالاً خسيساً للوضع الانتقالي الهش الذي تعيشه سوريا بعد سقوط نظام آل الأسد، إلا أن الولايات المتحدة وعديد الديمقراطيات الغربية تواصل اجترار مقولة الدفاع عن النفس لتبرير الجرائم الإسرائيلية". وخلصت إلى القول: "فإذا صحت المعلومات عن صفقة تبادل وشيكة في قطاع غزّة، فإن الاحتلال لا ينوي إنضاجها إلا على نيران حروب الإبادة والعدوان".
ومن وجهة نظر صحيفة "عُمان" العمانية، فإن "أمريكا تمتلك نفساً طويلاً في تغيير الخارطة الدولية، فلا تضرب بسوطها الحارق إلا بفرصة تواتيها، وهي تمهد للأمور باصطناع الضغوط لتحقق الظروف لاستراتيجيتها طويلة المدى، فإن لم يحصل التغيير بالسلم ضربت ضربتها القاضية عندما تجد الفرصة"، مستنتجة أن "مرحلة طوفان الأقصى ينبغي أن تأخذ حقها من التقييم، فهي مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة".
وتحت عنوان "قطر تفخر بدعمها الثورة السورية"، كتبت صحيفة "الراية" القطرية أن "الاتصالات بين الدوحة والنظام المخلوع في سوريا كانت مقطوعة بسبب الجرائم الكبيرة التي لا يمكن قبولُها أو التغاضي عنها، أما الآن وقد عاد عبير الياسمين لسوريا الجديدة، فإن قطر انخرطت بشكل إيجابي مع المرحلة الجديدة"، مشيرة إلى استئناف عمل سفارتها في دمشق اعتبارًا من اليوم وذلك "تأكيدًا لموقفها الداعم لثورة الشعب السوري المُطالب بالحياة والحرية والعدالة الاجتماعية".
بدورها، تطرقت صحيفة "الخليج" الإماراتية إلى رغبة السوريين في "استعادة وطن يتسع لكل اختلافاتهم، وهي عامل مؤثر في ابتعادهم المحمود عن أي عنف مبعثه تصفية حسابات بين المكونات الشعبية، وأملهم في عيش مشترك أساسه الانتماء الوطني والعدالة"، لكنها اعتبرت أن "كل هذا يتهدده خطر انقلاب القوى المهيمنة على القرار السياسي السوري على ما تعد به، وظهور وجوه أخرى لها متعارضة في ما تنطق به باسم هذه الدولة أو تلك، أو معبرة عن أطماع الجيران وغيرهم".
وفي إطار ذات صلة، نبهت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "تغيّر المعادلة الإقليمية سينعكس بالضرورة على المشهد اليمني خاصة مع تسلم ترامب السلطة والتوقعات باتخاذ إجراءات لقص أجنحة الحوثيين"، مشددة على أنه "من المنتظر أن يسعى التحالف العربي والقيادة الشرعية اليمنية الى تعزيز التنسيق الميداني وفي المحافل الدولية للضغط على الحوثيين سياسياً وعسكرياً وإقناعهم بعبثية اختطاف الدولة وابتلاع السلطة وحدهم والجلوس إلى طاولة مفاوضات وتحقيق السلام وبناء يمن جديد يتسع للجميع."
(رصد "عروبة 22")