العرب وتغيّر المناخ

"تغيّرات المُناخ" تجبِر نساء الرّيف على الهجرة

تونس - فاطمة البدري

المشاركة

تفرز سنوات الجفاف في تونس، النّاتجة عن تغيّرات المُناخ الّتي تضرب العالم، عدّة تحدّيات وصعوبات كبيرة تتحمّل أعباءها النّساء الرّيفيّات اللواتي يُمارسنَ النّشاط الفلّاحي بمختلف مسالكه. فهُنَّ يتعاملنَ مباشرةً مع الموارد المائيّة، ويُلاحظنَ قبل غيرهنَّ مظاهر التّغيّر المُناخي ويتحمّلنَ عبء الصّدمة وهنَّ يُتابعنَ تدريجيًّا كيف تجفّ أراضيهنَّ وتموت الأشجار وتفقد حيواناتهنَّ مراعيها الخضراء فيُصبحنَ بلا مورد رزق ما يضطرهنَ مُكرهات إلى الهجرة وطرق أبواب جديدة في إحدى المدن الكبرى بحثًا عن عمل.

"كنتُ أعمل في أرض والدي، نزرع القمح والشّعير وبعض الخُضار وبعض الفواكه والغلال والأشجار المُثمرة كالزّيتون والفستق، ونربّي الأغنام ونرعاها ونطعمُها مما تدرّه الأرض. كما كنتُ أعمل على تقطير بعض الحشائِش وصنع العصائِر من بعض الغلال مثل التّين الشّوكي وبيعها في الأسواق. كانت حياتنا مستقرّة، فلاحتنا الصّغيرة كانت تضمن لنا حياة كريمة، وفجأة ضاع كل هذا..

منذ أكثر من خمس سنوات بدأ الجفاف ومعه تغيّر كلّ شيء، في البداية لم يعد بوسعنا زراعة أيْ شيء لأنّنا كنّا نعتمد على مياه الأمطار حصرًا وبدأت أشجارنا تموت تباعًا عدا بعض أشجار الزّيتون، بعدها لم نعد قادرين على توفير الأعلاف لأغنامنا لعدم توفّرها باستمرار من جهة ولغلائها الكبير من جهة أخرى".

كانت "أماني" وعائلتها (32 عامًا من محافظة القصرين وسط غربي) يظنّون أنّ الأمر لن يطول وستعود سنوات المطر، ولكن طال الجفاف وساءت أحوالهم جدًّا ولم يعد لديهم مورد رزق يعتمدون عليه. فاضطرّوا لبيع أغلب أغنامهم، وبعد تردّد كبير قرّرت وشقيقها الذّهاب إلى محافظة سوسة للبحث عن عمل حيث تعمل الآن في أحد معامل النّسيج فيما يعمل أخوها في أحد مصانع الجلد، تاركةً والدَيْها يحرسان الأرض الجرداء، على أمل أن تعود الأمطار وتخضرّ الأرض مجدّدًا أو توفّر الدّولة المياه لصغار الفلّاحين في مدينتها كي لا يُجبروا على ترك أرضهم وطرق دروب جديدة بالكاد تلبيّ حاجياتهم.

وتواجه الكثير من العائلات في تونس مصير أماني عينه بسبب التّبعات الوخيمة لتغيّر المُناخ، وتتضرّر من هذا الوضع على وجه الخصوص النّساء اللّاتي تُمثّلن العمود الفقري للفلاحة في البلاد.

إذ أوضحت دراسة صادرة منذ حوالى شهرَيْن عن المنتدى التّونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة أنّ النّساء يتأثّرن أكثر بسبب تغيّر المُناخ نظرًا لاعتمادهنَّ على الموارد الطبيعيّة كمورد رزق. وبيّنت أنّ النّساء التّونسيات في الوسط الرّيفي تواجهنَ تحدّيات مناخيّة كالجفاف ونقص المياه والحرائق، وهي عوامل تؤدّي آليًّا لتراجع إنتاجيّة الأراضي الزّراعية ما يؤدّي للفقر والبطالة والذي يدفعهنَّ في نهاية المطاف للهجرة بحثًا عن موارد جديدة غالبًا لا تكون ذات صلة بالفلاحة.

كما أنّ عدم امتلاك نسبة كبيرة من النّساء الرّيفيّات للأراضي (19 بالمئة فقط) يجعلهنَّ عُرضةً أكثر من غيرهنَّ للآثار الوخيمة لتغيّرات المُناخ، إذ يؤدّي الجفاف لعدم توفّر الأنشطة الفلاحيّة (جني زيتون، جني خضار وغلال...) لهذا تضطر النساء الريفيات غالبّا للهجرة بحثًا عن فرصة عمل أخرى.

عضو منتدى الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتخصّصة في الملفّ البيئي، منيارة المجبري، تقول لـ"عروبة 22" إنّ "تغيّرات المُناخ أصبحت دافعًا مهمًا لهجرة النّساء في تونس ولخروجهنَّ من مناطق سكنهنَّ.

أوّلًا، قلّة الأمطار التي أثّرت كثيرًا في المائدة المائيّة، جعلت بعض النّساء الرّيفيّات في بعض المحافظات تجدنَ صعوبةً كبيرة في الحصول على المياه.

ثانيًا، ارتفاع درجات الحرارة جعل النّساء في بعض المناطق غير قادرات على مقاومتها.

ثالثًا، ارتفاع أعداد الحرائق وتوسّعها منذ سنوات. كلّها عوامل تجبر النّساء على الانتقال إلى مناطق أخرى والبحث عن مواطن عمل مغايِرة داخل المصانع أو في المنازل في المدن أو في المحافظات الساحليّة".

وبدأت تأثيرات الجفاف تظهر سريعًا بشكلٍ كبير في تونس أيضًا لأنّ أغلب الفلّاحين في تونس يصنَّفون كصغار الفلّاحين ما يعني أنّهم لا يملكون الموارد الكافية لمواجهة تقلّبات المُناخ. وهذا ما تؤكّده إحصائيّات وزارة الفلاحة التّونسيّة التي تقول إنّ صغار الفلّاحين والفلاحة العائليّة هي الّتي تهيمن على قطاع الفلاحة في البلاد، حيث إنّ 75 بالمئة من الأراضي الفلاحيّة لا تتجاوز مساحتها عشرة هكتارات. هذا فضلًا عن عدم توفير الدّولة بدائل مائيّة تساعد الفلّاحين على مواجهة خطر الجفاف، وارتفاع كلفة استخراج آبار المياه.

ولا تبدي السّلطات في تونس اهتمامًا لظاهرة "هجرة المُناخ" على الرّغم من أنّها باتت واقعًا تعيشه عدّة مناطق ريفيّة، واستمرّت في تفسير الأمر في سياق اقتصادي واجتماعي بحت حتى أنّه لا توجد أيْ دراسات أو بحوث رسميّة في موضوع هجرة المُناخ وحتى المشاريع المُوجّهة لدعم النّساء الرّيفيّات لا تأخذ بعين الاعتبار خطر تغيّر المُناخ.

ويأتي هذا التّعاطي الرّسمي التّونسي في وقت تتوالى التّقارير الدوليّة والمحليّة (الصادرة عن منظمات معنية) المحذّرة من تبعات تغيّر المُناخ، مؤكّدة مرارًا أنّ تغيّر المُناخ سيكون أحد أهم عوامل الهجرة، حيث توقَّع البنك الدّولي أن يهاجر حوالى 216 مليون شخص في العالم بحلول 2050 منهم 19 مليون مهاجر من شمال أفريقيا.

كما كشف التّقرير العالمي حول النّزوح الدّاخلي لسنة 2022، الصادر عن مركز رصد النّزوح الدّاخلي، أنّ واقع الجفاف وحرائق الغابات يسبّب نزوح 69 ألف شخص داخليًّا في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا حتّى نهاية 2022 ليكون أعلى رقم سُجّل منذ سنة 2016. علمًا أنّ مجموع عدد النازحين داخليًّا في المنطقة عينها بلغ 12.8 مليون شخص خلال الفترة عينها.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن