بعد الزخم الدبلوماسي الغربي، بدأت طلائع الوفود العربية تصل سوريا، الواحدة تلو الآخرى، في صورة تؤكد على بدء إعادة دمشق لمكانتها ودورها الذي انحسر في السنوات الاخيرة وحولها الى دولة عاجزة مهترئة بعد رفض الرئيس المخلوع بشار الأسد الاستماع الى الحراك الشعبي، الذي انطلق قبل 13 عاماً، وقراره الاستعانة بدول آخرى (روسيا وايران) للقتال كي يبقى هو في كرسي الرئاسة، ولو صورياً.
فهذه الزيارات المتسارعة منذ سقوط الأسد وتسلم الإدارة الجديدة مفاتيح الدولة تعكس رغبة دولية وعربية في استقرار الأوضاع في سوريا لأن تداعيات ذلك ستتجلى في المنطقة برمتها كما تفتح الباب أمام دعم الدولة ومؤسساتها الشرعية، التي تآكلت بفعل الحرب، مع التشديد على ضرورة اعتماد عملية سياسية ديمقراطية تكفل حقوق الأقليات وتمثيلها كما الفئات المُهمّشة للحفاظ على النسيج المجتمعي والتعددية والتنوع.
وعليه، ستكون الأيام المقبلة هي الحكم بعد عودة سوريا للحضن العربي وعودة العرب اليها لفتح صفحة جديدة بعيداً عن حكم الأسد، الأب والابن، وسط آمال بالنهوض الاقتصادي وبدء عملية الاعمار وعودة تدريجية للسوريين الى وطنهم، بعدما ذاقوا الأمرين من هجرة وتشرد. هذا ويبقى ملف السجون السورية مفتوحٌ على مصراعيه في ظل تمسك الأهالي بمعرفة مصير ذويهم بعد سنوات من الفُقد.
وفي تفاصيل التطورات، التقى القائد العام للإدارة السياسية الجديدة في سوريا أحمد الشرع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي يُعد أول وزير خارجية عربي يزور دمشق منذ سقوط الأسد. وجدّد الصفدي خلال زيارته دعم بلاده للشعب السوري في المرحلة الانتقالية "بعد سنوات من القتل والتشريد والدمار، ليصل إلى مرحلة مستقبلية يكون فيها نظام سياسي جديد يبنيه السوريون، ويحمي حقوق كل السوريين".
كما حط وزير الدولة في الخارجية القطرية محمد الخليفي في العاصمة السورية، دمشق، للقاء الشرع الذي حيا مواقف قطر المشرّفة تجاه الشعب السوري، مؤكداً أن الدوحة أبدت اهتمامها باستثمارات الطاقة والموانئ ومجالات أخرى في سوريا. وشدد على أن مشاركة قطر خلال الفترة القادمة ستكون "فعالة ومهمة". يُشار الى أن الشرع حمّل الخليفي دعوة رسمية لأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، لزيارة سوريا.
بدورها، فتحت الامارات "ثغرة" في جدار العلاقات، رغم انها في السنوات الماضية سبقت العرب جميعهم بإعادة الانفتاح على سوريا الأسد، حيث أجرى وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري الجديد أسعد حسن الشيباني، ناقشا خلاله تعزيز العلاقات الثنائية. فيما طغت مستجدات الأوضاع على الساحة السورية على الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مع نظيره المصري بدر عبد العاطي.
تزامناً، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى حماية وحدة أراضي سوريا، مؤكداً أن "هذا خط أحمر بالنسبة لتركيا، ولن نتراجع أبداً عن هذا المبدأ". ولفت إلى أن بلاده "ستقدم الدعم اللازم إلى الشعب السوري المنتصر في حربه ضد النظام الظالم، حتى يجعل هذا النصر والنجاح دائمين". في حين طالب مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا غير بيدرسون بـ"إيجاد حل سياسي للتوتر في منطقة شمال شرق سوريا" بين الأكراد ومن وصفهم بـ"الجماعات المدعومة من تركيا"، محذراً من "عواقب وخيمة" على سوريا بأكملها، وفق تعبيره.
في الوقت ذاته، نبهت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، من نشوب حرب بين تركيا والأكراد في سوريا. وقالت: "لن يكون من المفيد لأحد أن يكون الطرف الثالث "المسرور" في الصراع مع الأكراد، "تنظيم داعش"، مشددة على أن "هذا من شأنه أن يشكل تهديداً أمنياً لسوريا وتركيا وأوروبا".
الى ذلك، أقر وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بمسؤولية إسرائيل عن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، وذلك في أول تبنٍ إسرائيلي رسمي للاغتيال الذي نُفذ في العاصمة الإيرانية، طهران. وقال كاتس، في معرض تهديده للحوثيين، "تماماً كما فعلنا مع (اسماعيل) هنية، (يحيى) السنوار و(حسن) نصرالله، في طهران وغزّة ولبنان، سنفعل ذلك في الحديدة وصنعاء". وأضاف: "من يرفع يده على إسرائيل ستُقطع يده. يد الجيش الإسرائيلي الطويلة ستضربه وتحاسبه".
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فرّد، أمام أعضاء الكنيست، أمس، على التهديدات المباشرة للحوثيين بالقول "وجهت القوات المسلحة بتدمير البنى التحتية للحوثيين لأننا سنضرب بكامل قوتنا أي طرف يحاول إلحاق الضرر بنا. سنواصل سحق قوى الشرّ بقوة ومهارة، حتى وإن استغرق الأمر وقتاً". ويأتي ذلك بينما توعدت جماعة الحوثيين باستمرار عملياتها العسكرية ضد إسرائيل "نصرة لغزّة"، موضحة أنها لن تتوقف "إلا بوقف العدوان" على القطاع.
وفي الشأن الفلسطيني، أعلن نتنياهو أنه تم إحراز "بعض التقدم" في المفاوضات الرامية إلى الافراج عن الرهائن في غزّة، من دون ذكر المزيد من المعطيات. هذا وتستمر معاناة أهل القطاع المُحاصر فصولاً من تجويع مُتعمد الى تهجير وقصف ولاسيما في شمال القطاع، الذي شهد على أكبر عملية تهجير عرقي وإبادة جماعية. بينما أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل ثلاثة من جنوده في اشتباكات بشمال قطاع غزّة، ما يرفع خسائره إلى 389 قتيلاً منذ بدء الهجوم البري في 27 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
لبنانياً، برزت الزيارة الميدانية التي قام بها رئيس الحكومة نحيب ميقاتي يرافقه قائد الجيش جوزف عون الى الجنوب للاطلاع على الاوضاع عن كثب والتشديد على الالتزام بالقرار الدولي 1701، على وقع استكمال العدو الاسرائيلي لإجرامه واعتداءاته وانتهاكه لقرار وقف النار، حيث تابع تفجير الأحياء والمباني في عدة قرى حدودية جنوبية. بالتوازي، أُفيد أنّ جيش الإحتلال قام برفع العلم الإسرائيلي على تلة في منطقة إسكندرونا، الواقعة بين بلدتي البياضة والناقورة.
وعكست الصحف العربية الصادرة اليوم ما يجري في المنطقة العربية من أحداث متسارعة في سوريا واليمن كما في غزّة التي تتأرجح بين نيران العدو الاسرائيلي والتصريحات اليومية "المتفائلة" بوقف الحرب. وأبرز ما جاء:
تناولت صحيفة "البيان" الاماراتية توجيه ضربة اسرائيليّة للحوثيين في اليمن، مشيرة إلى أن "الأهداف المختارة في الرد ستركز على المنصات "السرية" للصواريخ الباليستية سواء القديمة المتوارثة عن الجيش اليمني السابق أو منصات ومخازن الصواريخ الإيرانية التي زودت بها طهران حليفها الحوثي". وأعربت عن اعتقادها بأن "عمليات الحوثي الأخيرة ضد أهداف داخل إسرائيل تساعد نتنياهو على إطالة أمد حالة الحرب وشراء الوقت حتى يتم تنصيب دونالد ترامب".
وأبرزت صحيفة "الوطن" القطرية الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الدولة بوزارة الخارجية، لدمشق، والتي "تؤكد على متانة العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين، وحرص قطر التام على استمرار مساندتها ودعمها للشعب السوري الشقيق من أجل النهوض بسوريا والمحافظة على سيادتها واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها". وأضافت: "قطر لطالما آمنت بقدرة الشعب السوري على مواصلة نضاله لتحقيق النصر، فآزرته في أصعب الأوقات، حتى الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية".
بدورها، اعتبرت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "نتائج اجتماع العقبة هو خارطة طريق صحيحة وفعالة، لسوريا جديدة وموحدة، وهو المطلوب تحقيقه بأسرع وقت في هذه الفترة الحرجة، حيث إن العملية السياسية الانتقالية يجب أن تكون بقيادة وملكية سورية، وإنتاج حكومة شاملة وغير طائفية". وخلصت الى التشديد على أن "تنفيذ بنود ذلك البيان هو الضامن لتحقيق تطلعات الشعب السوري للأمن والاستقرار والتنمية، وحفظ وحدة سوريا وسيادتها وسلامتها الإقليمية".
وشددت صحيفة "الراي" الكويتية على أن "مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، تُشكل نقطة تحول تاريخية ستترك أثراً عميقاً على المشهد السوري داخلياً وخارجياً"، متوقعة أن "تكون هذه المرحلة شديدة التعقيد، حيث تتداخل التحديات الأمنية مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يتطلب إعادة بناء دولة أنهكتها الحرب لأكثر من عقد من الزمان". واستنتجت أن "الحلول المستدامة ستتطلب توافقاً وطنياً ودعماً دولياً جاداً لإعادة بناء الدولة وضمان استقرارها".
من جهتها، تحدثت صحيفة "عُمان" العمانية عن تأثيرات الربيع العربي وتداعياته، فمن وجهة نظرها، فإن من "الآثار المباشرة التي أدت إليها هذه السياسة انفجار الأوضاع بغزة، وقيام المقاومة الفلسطينية؛ في مقدمتها "حماس" بطوفان الأقصى، الذي أدخل المنطقة في صراع مستعر، وجعل العالم على حافة حروب دولية". وقالت: "لقد أدى الربيع العربي إلى تدمير الدولة في بعض البلدان التي عصف بها، ثم لم تتمكن من بنائها من جديد..وهناك تفاؤل من البعض بأن سوريا الجديدة ستكون أوفر حظاً، ولكن سوابق المنطقة لا تبشر بذلك".
من جهتها، سلطت صحيفة "الأهرام" المصرية الضوء على الواقع الفلسطيني المرير بظل استمرار الوحشية الاسرائيليّة، حيث "تبرز أهمية التحرك الدولي لحماية الشعب الفلسطيني من جرائم الاحتلال المستمرة كل يوم, وأن يقوم مجلس الأمن بدوره فى حفظ السلم والأمن الدوليين، وفي إطار الفصل السابع من الميثاق"، مناشدة بترجمة الإدانات الدولية، خاصة الغربية، إلى خطوات ملموسة على الأرض لوقف هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها.
وأشارت صحيفة "الدستور" الأردنية الى أن "ادعاءات نتنياهو على أنه مقبل على "شرق أوسط جديد"، لا يجد الأدوات والعوامل لفرض هذه النتيجة، فالشعب الفلسطيني الصامد الباقي في وطنه، ما زال العقبة الجوهرية الأولى"، معتبرة أن نتنياهو يضع العراقيل أمام ابرام اي صفقة لأن "وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والانسحاب من قطاع غزة ولو تدريجياً، سينقل مكانته (اي نتنياهو) من حالة الإخفاق إلى موقع الفشل والهزيمة".
(رصد "عروبة 22")