يعتقد العلماء أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (إضافةً لآسيا الوسطى) سوف تكون أكثر مناطق العالم تضرّرًا من التغيّرات المناخية خاصة فيما يتعلّق بموجات الحرارة وتراجع الأمطار.
الوضع في الدول العربية سيكون أسوأ بكثير من معظم دول العالم، لأنّ أغلب العالم العربيّ (وإيران) يقع في نطاق مطري محدود أصلًا، وحتى أكثر دولة عربية مطراً، مثل لبنان ودول المغرب العربي، موسم الأمطار فيها قصير ومتذبذب كما أنّ هناك مساحات كبيرة من المناطق المزروعة بالعالم العربي هي أصلًا شبه جافة، ومجرد تراجع الأمطار فيها بنسب متوسطة ستتحوّل إلى مناطق قاحلة، كما أنّ الأنهار الرئيسية بالعالم العربي تنبع من دول أخرى، التي بدورها تواجه آثار التغيّرات المناخية أو تريد زيادة نصيبها من المياه، لأسباب عدّة بعضها سياسي.
انخفاض إنتاج المحاصيل 30٪ عام 2025، وخسارة ما بين 6٪ و14٪ من الناتج المحلي الإجمالي عام 2050
وارتفعت درجات الحرارة بمنطقة الشرق الأوسط (ذات الحرارة المرتفعة أصلًا) بمعدل يعادل ضعف المتوسط العالمي في العقود الثلاثة الماضية (بمقدار 1.5 درجة مئوية)، وبحلول عام 2050 سيكون الشرق الأوسط أكثر حرارة بمقدار 4 درجات مئوية مقارنةً بمعدل 1.5 درجة الذي حدّده العلماء لنجاة البشر من آثار الاحترار.
ويُتوقّع أن تكون أكثر الدول تضررًا من ارتفاع درجات الحرارة العراق، الذي ترتفع متوسط درجات الحرارة به معدّل مرتين إلى سبع مرات أسرع من المتوسط العالمي يليه، الكويت فمصر ثم ليبيا والسعودية.
وحذرت الأمم المتحدة من أنّ إنتاج المحاصيل بالشرق الأوسط قد ينخفض بنسبة 30٪ بحلول عام 2025. ومن المتوقع أن تخسر المنطقة ما بين 6٪ و 14٪ من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 بسبب ندرة المياه، وفقاً للبنك الدولي.
وتواجه دول الخليج الغنية خطر استنزاف موارد المياه العذبة خلال خمسين عامًا، وأنظمة إنتاج الغذاء والماء في بلاد الشام تواجه انهيارًا وشيكًا.
أما مصر والسودان، فرغم أنه ليس هناك مؤشرات على تراجع الأمطار في منابع النيل بهضبتي الحبشة والبحيرات، ولكن سدّ النهضة الأثيوبي وغيره من السدود المحتملة تهدد بتراجع نصيبهما من النيل.
كما أنّ ارتفاع منسوب مياه البحر جراء ذوبان الجليد بالقطبين يهدد بغمر أطراف الدلتا الشمالية (التي بدأ المتوسط بالفعل يتغوّل ببعض مناطقها) إضافةً إلى تسرّب المياه المالحة لتربة هذه المنطقة الخصبة التي تُعدّ من أكثر مناطق العالم كثافة، ويعيش بها نحو نصف سكان مصر وتُعدّ سلّة غذائها منذ آلاف السنين.
وقد تصبح بعض مدن المنطقة لا سيما في الجزيرة العربية غير صالحة للسكنى بحلول نهاية القرن بسبب الحرارة، وبينما قد تستطيع مدن الخليج التكيّف، اعتمادًا على وفرة الطاقة والأموال، فإنّ مدن سواحل اليمن، خاصة الواقعة على البحر الأحمر، قد يستحيل العيش فيها.
ويزيد الأمر سوءًا تأخّر نُظم الريّ بالمنطقة العربية وغياب ما يمكن تسميته بمدرسة عربية في هذا المجال رغم تشابه الظروف والتحديات.
ويزيد الطين بلّة ضعف الصناعة والسياحة في المنطقة العربية، أي قد لا يتوفّر لها الأموال لاستيراد المحاصيل الزراعية، خاصة إذا تراجعت أسعار النفط بسبب ثورة السيارات الكهربائية.
كما أنّ غياب قطاع صناعي كبير في المنطقة يعني اعتماد جزء كبير من السكان بالعديد من دولها على الزراعة كمصدر للدخل، ولقد ظهرت مؤشرات هذه المأساة واضحة بعد الأزمة الأوكرانية، مع تراجع الإنتاج الزراعي لأسباب بعضها يتعلق بأخطاء في السياسات، وأخرى بسبب المناخ، كما يبدو واضحًا في تونس التي تواجه أزمة خبز وقمح كبيرة، جزء منها نتيجة التغيّرات المناخية.
شحّ المياه والغذاء يخلق بيئة خصبة للإرهاب والتطرّف
كما أنّ دولتين عربيتين كانتا مشهورتين بالثراء الزراعي، هما سوريا والعراق، تعانيان منذ سنوات من العزلة والحروب الأهلية.
فالعراق منذ ظهور النفط تراجع اهتمامه بالزراعة بعدما كان مصدرًا كبيرًا للحبوب، وتدهور الوضع جراء الحصار والحروب، وقيود إيران وتركيا على تدفّق نهري دجلة والفرات.
أما سوريا التي كانت الزراعة فيها بوضع جيّد نسبيًا، فيُعتقد أنّ تراجع الزراعة جراء التغيّرات المناخية أدى لأزمة بريف البلاد، كانت أحد الأسباب الكامنة للثورة السورية، وبالفعل حذّرت الأمم المتحدة من أنّ شح المياه والغذاء في المنطقة يخلق بيئة خصبة للإرهاب والتطرّف العنيف، وقالت: "لن ينجو أيّ بلد من هذا الخطر".
هل يمكن للعرب النجاة من التغيّرات المناخية؟
كان تراجع الأمطار وتحوّل الشرق الأوسط للمناخ الجاف قبل آلاف السنين، هو سبب ظهور أولى حضارات البشر به، وقد يكون التغيّر المناخي الحالي سببًا لكارثة إنسانية أو يمكن للعرب التكيّف كما فعل أجدادهم قبل نحو 10 آلاف عام.
"هناك حاجة للتكيّف بجميع بلدان المنطقة لجعل الزراعة أقل تأثراً بالجفاف، ولكن التكيف مكلف ويجب أن يعتمد على العلم"، كما يقول يوسف بروزين، الممثل الإقليمي للمعهد الدولي لإدارة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "IWMI".
تحتاج المنطقة لثورة زراعية عبر الاستفادة من مواردها على غرار الثورات الزراعية بالهند والمكسيك التي أدت لأساليب زراعة ومحاصيل أنقذت الهند تحديدًا من المجاعات المتكرّرة، وجعلتها إحدى سلال الحبوب العالمية.
لتحقيق ذلك، تحتاج المنطقة لتنشيط المجتمع المدني القادر على لعب دور في إشراك الجمهور بالقضايا المناخية ومعالجة المشكلات المحلية بعيدًا عن ضيق أفق البيروقراطية.
وتؤكد المؤسسات الدولية على أهمية تطوير أنظمة الإنذار المبكر مثل مؤشر الجفاف المركّب المعزّز (eCDI) الذي يستخدمه معهد "IWMI" ويعتمد على بيانات الأقمار الصناعية ونماذج هطول الأمطار ودرجة حرارة سطح الأرض ورطوبة التربة والغطاء النباتي، ولقد حقق نتائج جيدة في المغرب والأردن.
الثورة الزراعية المطلوبة لا يمكن استيرادها بل يجب أن تعتمد على الكوادر المحلية، لأنّ معالجة هذه الأزمة مرتبط بالسياقات الجغرافية والاجتماعية والسياسية والمحلية.
في ظل تشابه التحديات والظروف المناخية بالدول العربية، يمكن إنشاء مراكز بحثية عربية مشتركة لتطوير الزراعة الجافة وتحلية مياه البحر وغيرها من الأساليب الملائمة للمنطقة، خاصة أنّ بلدان مثل إسرائيل والصين وولايات الغرب الأمريكي لها تجارب ناجحة في الزراعة بالمناطق الجافة.
وتناولت القمة العربية الأخيرة في جدّة فكرة إنشاء مراكز بحثية عربية في مجال تحلية مياه البحر والزراعة.
تحلية مياه البحر خيار لا مفرّ منه لمواجهة نقص المياه
وهناك تجربة عربية ناجحة جزئيًا يمكن توسيعها، فمصر لديها تجربة جيّدة لتطوير سلالات المحاصيل عبر مراكز الأبحاث التابعة لوزارة الزراعة التي تمّ توفير الحوافز لها مما مكّنها من تحقيق بعض من أعلى معدلات إنتاجية الفدان في بعض المحاصيل مثل القمح والأرز.
وهناك حاجة لتوسيع هذا النموذج ليشمل المراكز الخاصة بالريّ (مشكلة المنطقة الكبرى)، والميكنة والهندسة الزراعية والصوب.
أما التحدي الأكبر فهو تحلية مياه البحر، فرغم أنّ الدول العربية وخاصة الخليجية هي صاحبة النصيب الأكبر من المياه المحلاة في العالم، ولكن هذه التقنيات يتمّ استيرادها مما جعلها عالية التكلفة وأحيانًا غير ملائمة للبيئة المحلية، لذا تحتاج الدول العربية عبر موارد الطاقة المتوفرة لديها مثل الغاز والنفط والطاقة الشمسية إلى تطوير نموذجها الخاص من مشروعات تحلية مياه البحر، باعتبارها خيارًا لا مفرّ منه لمواجهة نقص المياه، والذي يهدّد المنطقة بقحط لن يستمرّ هذه المرة سبع سنوات بل قد يكون قحطًا أبديًا.
(خاص "عروبة 22")