تعيش المنطقة على صفيح ساخن. فعلى الرغم من سقوط نظام بشار الاسد، إلا أن التحديات الداخلية أمام السوريين كبيرة ومتشعبة، خاصة أن هناك من يسعى جاهداً للتقسيم وتزكية نار الفتنة وإعلاء النعرات الطائفية في بلد مُعقد من حيث تركيبته السكانية ونسيجه المجتمعي. فيما لبنان يحاول لملمة خسائره وتضميد جراحه نتيجة الحرب الاسرائيليّة الاخيرة بالتزامن مع محاولات لتقريب وجهات النظر والدفع نحو انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن المعطيات الحسية الملموسة حتى اللحظة تكشف عن عدم القدرة على التوافق على اسم واحد للرئاسة فيما اسرائيل تسرح وتمرح في جنوب لبنان وتخرق اتفاق وقف النار دون حسيب أو رقيب.
والوضعان السوري واللبناني لا يختلفان عن عودة اليمن الى الواجهة نتيجة الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على تل أبيب، والتي زادت وتيرتها مؤخراً بظل تصاعد الرد الاسرائيلي والتوعد بالمزيد من الضربات والتي كانت أعنفها أمس، الخميس، وشملت مطار صنعاء ومنشآت طاقة. هذا وتتعثر مفاوضات غزّة نتيجة الشروط التي يبتدعها الجانب الاسرائيلي للحصول على المزيد من التنازلات على وقع الجرائم اليومية المرتكبة في القطاع المُحاصر والانتهاكات اليومية في الضفة الغربية.
وبالتالي يختتم العام 2024 أيامه الاخيرة بمزيد من التصعيد والخوف من حروب اسرائيليّة جديدة وقلق على المستقبل و"اليوم التالي" دون القدرة على رسم مسار المرحلة المقبلة بظل التعنت الاسرائيلي الذي يرافقه دعم أميركي لامحدود وغياب المواقف العربية الحاسمة والفعّالة التي ترقى إلى مستوى التحديات الجسام التي تهدد بنية الدول العربية وإستقرارها وأمنها.
ورغم دقة الوضع السوري الا أن المستجدات اللبنانية واليمنية خطفت الأنظار. ففي لبنان، يستمر الاحتلال الاسرائيلي بخرق اتفاق التسوية وعدم الالتزام بمضامينه بظل عجز واضح من قبل اللجنة الخماسية وقوات "اليونيفيل" على وقف التعدي، بعدما وصل الإسرائيليون (بعد توقيع الهدنة) إلى مناطق لم يصلوها خلال الحرب والمواجهة، خصوصاً لجهة التوغل باتجاه بلدة القنطرة، أو وادي الحجير ووادي السلوقي.
وفي هذا الإطار، برز ما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في تقرير صدر عنها أمس، إذ أشارت إلى أنّ "الجيش الإسرائيلي يخطط لاحتمال البقاء في جنوبي لبنان بعد فترة الـ60 يوما المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي". وهذا من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام مشاكل داخلية جديدة لاسيما أن هناك من يقرأ خلف الخروقات الاسرائيليّة رغبة للتصعيد ودفع "حزب الله" للرّد ما يعطي ذريعة لتل أبيب لاستكمال حربها واشعال الجبهة مجدداً.
هذا الواقع المقلق لدى اللبنانيين يقابله شعور مشابه لدى اليمنيين الذين يعانون من تبعات الحروب وآثارها الاقتصادية والاجتماعية. وفي التطورات، شن العدو الإسرائيلي، أمس، أعنف الضربات ضد الحوثيين، بالتزامن مع الخطبة الأسبوعية المتلفزة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. وقد استهدفت الغارات مطار صنعاء ومنشآت طاقة في العاصمة كما في محافظة الحديدة الساحلية.
بالسيّاق عينه، توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو بمواصلة بلاده ضرب المتمرّدين الحوثيين "حتى إنجاز المهمة". وقال "نحن مصّممون على قطع هذا الفرع الإرهابي لمحور الشر الإيراني". يُشار الى أن الجيش الإسرائيلي أعلن، فجر اليوم الجمعة، عن اعتراض صاروخ بالستي أُطلق من اليمن قبل دخوله إلى وسط البلاد ما أدى إلى إصابة 18 شخصاً نتيجة التدافع.
أما سورياً، فينقسم المشهد بين اللقاءات الدبلوماسية والسياسية وبين الوقائع الميدانية عقب التظاهرات التي اجتاحت مدن ذات اغلبية علوية وما خلفه ذلك من توترات وتخوف من جرّ سوريا نحو الاقتتال المذهبي والطائفي. وقد هيمنت الاحداث الأمنية على اللقاء الذي أجراه الوفد العراقي برئاسة رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري مع القائد العام للإدارة السياسية الجديدة في سوريا أحمد الشرع. وبحسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية، فإن "الوفد العراقي ناقش حماية الحدود، والتعاون بشأن منع عودة نشاط عصابات "داعش" الإرهابية، وكذلك حماية السجون التي تضم هذه العصابات داخل الأراضي السورية".
وفي هذا الصدد، أعلنت إدارة العمليات العسكرية تعيين مؤسس جهاز الأمن العام في "حكومة الإنقاذ"، أنس حسن خطاب، رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة في سوريا. ويترافق ذلك مع توقيف رئيس القضاء العسكري السابق محمّد كنجو الحسن، المسؤول عن الإعدامات الميدانية في سجن صيدنايا، وفق ما أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، غداة اشتباكات في غرب البلاد أعقبت محاولة اعتقاله.
مجدداً، أعربت طهران عن "قلقها" من "انتشار الفوضى والعنف" في سوريا، رافضة ما وصفته بـ"الادعاءات المتعلقة بتدخل إيران في الشؤون الداخلية لسوريا"، وذلك رداً على تصريحات وزير الخارجية أسعد شيباني والذي حذر فيها ايران "مِن بثّ الفوضى في سوريا". ويدأب المسؤولون الايرانيون، ومنذ السقوط المدوي لحليفهم بشار الأسد، الى مهاجمة القيادة السورية الجديدة والدعوة لمحاربتها واسقاطها.
في المقابل، دعا مجلس التعاون الخليجي إلى ضرورة التمسك بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها ورفض التدخل الخارجي في شؤونها، كما دعا لرفع العقوبات عن سوريا، واصفاً الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية بأنها "انتهاك صارخ للقوانين الدولية". جاء ذلك خلال الاجتماع الاستثنائي السادس والأربعون لوزراء خارجية المجلس في الكويت لمناقشة الأوضاع في سوريا ولبنان.
فلسطينياً، نقل موقع "والا" الاسرائيلي عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه لا تزال هناك فجوات كبيرة للوصول الى اتفاق لوقف النار على الرغم من إحراز بعض التقدم في الدوحة. من جهتها، قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" إن فرص التوصل لاتفاق في غزّة قبل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب "ضئيلة"، وإن المفاوضات لم تنهر لكنها عالقة.
وتوزعت اهتمامات الصحف العربية الصادرة اليوم بين تطورات اليمن ومفاوضات غزّة وصولاً إلى التداعيات السورية والواقع اللبناني المتشظي:
سلطت صحيفة "القدس العربي" الضوء على الهجمات الاسرائيليّة على الحوثيين في اليمن والتداعيات العامة في المنطقة برمتها، حيث نبهت إلى أن "الحديث عن ثمن باهظ يدفعه الحوثيون بعد تولّي ترامب السلطة يدور عمليا عن خطط أمريكية لفرض حظر وعقوبات عليهم، بالتزامن مع هجمات جديدة قد تكون أكثر عنفا وعدوانية على الحوثيين". وخلصت إلى "اسرائيل هي وصفة لجنون عالمي مستطير ليس مسلطا على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمنطقة العربية فحسب، وهذا الجنون لا يمكن أن يستمر!".
وتحت عنوان "الفتنة تطل برأسها"، تناولت صحيفة "الخليج" الاماراتية المستجدات السورية إذ اعتبرت أن "سوريا تعيش مرحلة مفصلية خطِرة، بين الاستقرار الذي يحقق الأمن والسلام، وبين الفوضى التي تقود إلى الاستقطاب الإقليمي والدولي، مع ما يحمله ذلك من تفكك وتذرّر، واستحضار خرائط جاهزة، حدودها الدم بين الطوائف والأقليات". وقالت: "لا يزال الأمل معقوداً على تغليب لغة الحوار؛ لأن الانتصار يكون انتصاراً لسوريا وشعبها، وليس انتصاراً لمجموعة أو طائفة".
ورأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "سوريا اليوم على مفترق طرق، بين إعادة بناء دولة موحدة، والغرق في فوضى، يؤججها مطالبة الأكراد بدولة فيدرالية، وهو ما ترفضه الحكومة الجديدة، التي تريد دولة واحدة تضم جميع أطياف التركيبة العرقية للمجتمع السوري". وأضافت: "حتى الآن لا يمكن الحكم على الوضع، إذ لا تزال المرحلة الانتقالية غير واضحة المعالم، إلا أن المسار السياسي والأمني يسير نحو الأفضل"، من وجهة نظرها.
من جهتها، أشارت صحيفة "الوطن" القطرية إلى أن "نتانياهو يماطل، والعالم بأسره يدرك ذلك، لكن الثمن الفادح يدفعه أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكل ساعة إضافية تمر دون إبرام اتفاق تعني سقوط المزيد من الضحايا، بالإضافة إلى الدمار الواسع الذي طال كل شيء"، مشددة على أن "هذا الامتحان العسير شكل فشلا ذريعا للمجتمع الدولي وللقوانين الأممية والإنسانية والأخلاقية، ولا بد من موقف مختلف يضع حدا لهذه الجرائم الإسرائيلية الوحشية".
وفي الشأن اللبناني، لفتت صحيفة "الجريدة" الكويتية الى أن "اتفاق وقف النار يهتز ولا يقع، إذ تريد إسرائيل تكريس يدها العليا في تطبيقه، وهي ستواصل العمليات العسكرية، وسط توجيهها اتهامات لحزب الله بأن عدم التزامه بالاتفاق وعدم انسحابه سريعاً يدفعانها إلى مواصلة العمليات وتأجيل الانسحاب"، موضحة أن ذلك "سيضع الحزب أمام تحديات كبيرة، وسط مخاوف من احتمال تنفيذ ردود عسكرية تستدعي تصعيداً إسرائيلياً كبيراً، أو لجوء إسرائيل إلى تنفيذ ضربات واسعة في كل لبنان قبل انسحابها الكامل من الجنوب".
أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فرّكزت على أن "سقوط محاولات التوصل إلى الرئيس التوافقي، بسبب تمسك الأطراف السياسية بمواقفها المتباعدة، يرجح كفة قائد الجيش جوزف عون كمرشح وفاقي، لأنه يتمتع بإلتفاف شعبي واسع حوله وحول المؤسسة العسكرية، فضلاً عن علاقاته الجيدة مع معظم الأطراف والأحزاب السياسية". وأردفت: "العماد عون في الرياض، والرئاسة والإستقرار في لبنان في صميم المحادثات مع كبار المسؤولين السعوديين، يعني أن الجلسة الإنتخابية جدّية، ومستمرة حتى خروج الدخان الأبيض من المجلس النيابي".
(رصد "عروبة 22")