الإجابة عن هذا السّؤال ليست إجابة مُرْضية للأسف، نحن في الوطن العربي نواجه ثلاث مشكلات فيما يتعلق بالتّكنولوجيا:
- نحن مستهلكون للتّكنولوجيا، أي أنّنا نشتريها من الغرب أو نحصل عليها كمنحة من الغرب.
- في بعض الأحيان ننجرف وراء "الموضة" التّكنولوجيّة من دون أن نحسب إذا كانت تلك التّكنولوجيا الجديدة التي ظهرت في الغرب مفيدةً لنا أم لا.
- لا نهتمّ بشرح معلومات عن التّكنولوجيّات الجديدة للعامّة وبالتّالي قد لا يتقبّلها رجل الشارع لأنّ الإنسان عدوّ ما يجهل.
لنتأمّل كلّ نقطة من الثلاث ونحاول إيجاد "روشتة" للتّعامل مع كل واحدة.
نحن نستهلك التّكنولوجيا ولا نبدعها. قد يقول قائل إنّ عندنا مُبرمجين يُبدعون تطبيقات كثيرة للتّلفون المَحمول وأجهزة التابلت... إلخ. هذا صحيح، ولكنّهم يستخدمون أدوات للبرمجة تمّ تصميمها في الخارج وتطبيقاتُهم تعمل على أجهزة تمّ تصميمها في الخارج أيضًا.
هل فكّرنا في تطوير برمجيّات الذّكاء الاصطناعي وتدريبه باستخدام بياناتنا؟
بالطّبع في البداية لا بد أن نستقدم التّكنولوجيا من الخارج لكن كخطوة أولى. يجب دراستها جيّدًا ومعرفة كيف تعمل ثم نستخدمها الاستخدام الأمثل - مثلما يعمل مبرمجونا الآن - وهي الخطوة الثّانية. الخطوة الثّالثة هي تطوير تلك التّكنولوجيا.
هل فكّرنا مثلًا في تصميم رقائق الكومبيوتر؟ لا نقول تصنيع، ولكن تصميم. شركة عملاقة مثل (NVIDIA) لا توجد لديها مصانع، هي تصمّم وشركة (TSMC) تقوم بالتّصنيع. التّصميم يحتاج إلى عقولٍ نيّرة ونحن نمتلك منها الكثير. التّصنيع يحتاج إلى مصانع عملاقة وتمويل ضخم وهذا صعب حاليًّا في ظلّ وجود منافسة شرِسة بين شركات عِملاقة.
إذا تأمّلنا تكنولوجيا أخرى مثل الذّكاء الاصطناعي، هي برمجيّات تمّ تصميم خوارزميّاتها في الخارج وتمّ تدريب البرمجيّات - نعم الجيل الحالي من برمجيّات الذّكاء الاصطناعي يجب أن يتمّ تدريبه وليس برمجته قبل استخدامه - في الخارج. اشتهر عندنا جدًّا في الوطن العربي برنامج مثل (ChatGPT) من شركة (OpenAI)، فهل تعرف أن حرف الـ"P" في اسم البرنامج تعني (Pre-trained) أي تمّ تدريبه مُسبقاً؟ أي تمّ تدريبه في الغرب. هل فكّرنا في تطوير برمجيّات الذّكاء الاصطناعي وتدريبه باستخدام بياناتنا؟ هذا مثالٌ واحد.
المسؤوليّة لا تقع فقط على عاتق من يعملون في هندسة الإلكترونيّات والحاسبات وعلوم الحاسب، ولكن على عاتق من يعملون في أي مجال. أبواب الإبداع مفتوحة على مصراعيْها، مثلًا من يعمل في مجال التّاريخ هل فكّر في استخدام الذّكاء الاصطناعي في البُحوث التّاريخيّة؟... هل أصبح من الخبراء المعدودين في هذا المجال؟... هذا ما نحتاج إليه.
التّكنولوجيا المتقدّمة تؤدّي إلى اختفاء وظائف وظهور أخرى لكن سرعة الاختفاء والظّهور تعتمد على كل دولة
نأتي إلى النّقطة الثّانية وهي الانجراف وراء الموضة التّكنولوجيّة لنقول إنّنا نمتلك أحدث تكنولوجيا. ليست التّكنولوجيا الأحدث هي دائمًا الأفضل، في بعض الأحيان نحتاج إلى أفضل تكنولوجيا في مجال ما، ولكن قد يكون من الأفضل وجود تكنولوجيا أقلّ حداثة في مجالٍ آخر. قد يكون من الأفضل تأخير استقدام تكنولوجيا ما حتى تكون الدّولة مستعدّة للتّعامل مع البطالة التي ستُولِّدها هذه التّكنولوجيا عندما تؤدّي إلى اختفاء بعض الوظائف، بخاصّة لو كانت ضرورة تلك التّكنولوجيا غير ملحّة في الوقت الحالي أو كانت من قبيل الرّفاهيّة أو ليست من الأولويّات للدّولة. يجب أن نلاحظ أنّ التّكنولوجيا المتقدّمة تؤدّي إلى اختفاء وظائف وظهور وظائف أخرى، لكن سرعة الاختفاء وسرعة الظّهور تعتمد على كل دولة على حِدة.
عندما نستقدم تكنولوجيا جديدة إلى بلادنا فإنّنا نحتاج إلى ثلاثة أنواع من الخبراء:
- خبير في التّكنولوجيا عينها ونظريّاتها.
- خبير في تطبيق هذه التّكنولوجيا في مجالٍ معيّن، مثل تطبيق الذّكاء الاصطناعي في الطبّ أو تطبيق الذّكاء الاصطناعي في علم الجغرافيا... إلخ.
- خبير في دراسة تأثير هذه التّكنولوجيا في حياة الناس، وهذا يحتاج إلى علم الاجتماع وعلم النّفس.
يجب أن نتحرّك سريعًا لنلحق بالرّكب وإلّا سنصبح في آخر الصّف نأخذ مما تتركه لنا الدّول الصّانعة للتّكنولوجيا
أما النّقطة الثّالثة فتتطلّب عمل ورشات عمل للأفراد بمختلف تخصّصاتهم وخلفيّاتهم لشرح هذه التّكنولوجيا بالإضافة إلى برامج توعية سواء في التلفزيون أو المنصّات وكذلك المقالات. يجب أن يكون الخطاب موجّهًا لرجل الشّارع بطريقة سهلة وشيّقة.
خلاصة القول، نحن في عصر تتطوّر فيه التّكنولوجيا بسرعة تفوق الوصف، ومن المتوقّع أن تتسارع الوتيرة في العصور المقبلة لذلك يجب أن نتحرّك سريعًا لنلحق بالرّكب وإلّا سنصبح في آخر الصّف نأخذ مما تتركه لنا الدّول الصّانعة للتّكنولوجيا وهي في الغالب لن تعطينا أحدث ما عندها.
لقراءة الجزء الأول
(خاص "عروبة 22")