يبدأ العام الجديد أحداثه من حيث انتهت في العام 2024. فالواقع الفلسطيني لا يزال على حاله مع استمرار الاجرام الاسرائيلي الذي حصد في اليوم الاول من عام 2025 مزيداً من الارواح والشهداء، فيما واصل العدو إعتداءاته في جنوب لبنان مع تحليق الطيران الحربي على علو منخفض في العاصمة بيروت ومحيطها. أما المشهد السوري فبقي في قلب الحدث مع مشاهد الاحتفالات الحاشدة التي عمت دمشق لاستقبال العام الجديد بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وفتح صفحة جديدة في تاريخها.
وهذه الصفحة كرستها أيضاً الزيارة البالغة الاهمية التي يقوم بها وفد رسمي سوري برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني - في أول زيارة خارجية له منذ تعيينه - الى المملكة العربية السعودية تلبية لدعوة رسمية تلقاها في وقت سابق. وقد رافق شيباني كل من وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب. تزامناً وصلت صباح أمس، الأربعاء، أول طائرة مساعدات إنسانيّة وإغاثيّة سعودية إلى مطار دمشق الدولي ضمن جسر جوي أعلنت الرياض عن إطلاقه.
الاندفاعة السعودية التي تعكس عودة بعد غياب دام سنوات يعول عليها، في حال توافرت الظروف الملائمة لها، لأنها تضمن أمرين: إعادة الدور السعودي الذي تراجع في الآونة الاخيرة لحساب دول آخرى في المنطقة وأبرزها ايران وتركيا. أما الثاني فيتمثل بعودة سوريا، بما تمثله من ثقل سياسي وموقع جغرافي، الى قلب العرب وعودة العرب اليها من البوابة السعودية، مع ما يمكن أن يعنيه ذلك من مشاريع اقتصادية تطلق عملية اعادة الاعمار.
في غضون ذلك، يبرز الدور السعودي ايضاً في لبنان مع ترقب الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لبيروت هذا الاسبوع، والتي تأتي على وقع المساعي الدولية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية في الجلسة المتوقع عقدها في 9 كانون الثاني/ يناير الحالي. وتترافق هذه الزيارة السعودية الأولى على هذا المستوى الرفيع، مع الزيارة التي سبق وأن قام بها قائد الجيش جوزف عون إلى المملكة. ومن المعروف أن عون لا يزال الأوفر حظاً في بورصة أسماء المرشحين لمنصب الرئاسة مع ما يتوفر له من دعم اميركي سعودي، الا أن البت بإنتخابه ما زال دونه عقبات داخلية عديدة.
وعليه، يعول لبنان وسوريا على هذا الدور السعودي المُستجد بعد تراجع نفوذ ايران مع سقوط الرئيس المخلوع بشار الاسد والضربات الاسرائيليّة التي استهدفت "حزب الله" وأبرز قيادييه وكوادره. على الرغم من أن طهران، على لسان مسؤوليها، تحاول إعادة رص الصفوف ورفض التنازل عن الساحات التي سبق وشكلت مصدر نفوذ وسطوة لها، ومن هنا كان إعلان المرشد الإيراني علي خامنئي من أنّ "لبنان واليمن هما رمزا المقاومة وسينتصران". وفي كلمة خلال الذكرى الخامسة لاغتيال القائد السابق لـ"فيلق القدس" قاسم سليماني، قال إنّ "سليماني كان يُعبّئ الطاقات في العراق وسوريا ولبنان".
وفي التطورات السورية ايضاً، برز الاتصال الذي قام به وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، والذي كسر "الجمود" بين البلدين، بعد الترقب الحذر الذي تنتهجه القاهرة إزاء الاحداث السورية بعد سقوط الأسد وغياب المواقف الرسمية حيال هذا الحدث الجلل، الذي يعتبر نقطة تحول في منطقة الشرق الأوسط. علماً أن هذا الاتصال جاء بعد تزاحم الوفود العربية، وآخرها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الكويتي عبدالله اليحيا، يرافقه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي إلى العاصمة السورية، دمشق.
داخلياً، تستمر مساعي الادارة السورية الجديدة لطمأنة الاقليات وجمع شمل الشعب السوري وذلك بعد تأجيل المؤتمر السوري العام الذي كان يُفترض عقده يوم الخامس من كانون الثاني/ يناير الحالي. وفي هذا الاطار، التقى القائد العام للإدارة السياسية الجديدة في سوريا أحمد الشرع وفداً يضم مسؤولين دينيين يمثلون الكنائس المسيحية. وجاء ذلك، فيما أفادت عدة مواقع صحافية، عن محادثات "ايجابية" أجراها الشرع مع وفد من قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ومن شأن التوافق، إن حصل، أن يطمئن المكون الكردي ويضع حداً لاراقة الدماء ويوفر أرضية للاستقرار في سوريا.
أما لبنانياً، فقد طغى ما نشرته "هيئة البث الإسرائيلية" عن "نية" جيش الاحتلال الانسحاب من الجبهة الغربية في جنوب لبنان، وهي المنطقة المقابلة لرأس الناقورة وشلومي ونهاريا. ووفق القناة، فإنه "تم اتخاذ هذا القرار بالتنسيق وفقاً للآلية الأميركية التي تشمل إعادة نشر الجيش اللبناني على طول الحدود". في المقابل، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"عن مصادر عسكرية إسرائيلية إشارتها إلى إنّ "تمديد الوجود العسكري الإسرائيلي في لبنان بعد وقف إطلاق النار قرار سياسي، مؤكدة أن الجيش حريص على الحفاظ على مواقع استراتيجية في لبنان".
وضمن السيّاق عينه، قال الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم، "أثبتنا بالمقاومة أننا لم نمكّن العدو الإسرائيلي من أن يتقدم والآن فرصة للدولة اللبنانية لتثبت نفسها بالعمل السياسي". وأكد أنّ "الإعتداء الإسرائيلي الذي يحصل في جنوب لبنان هو على الدولة والمجتمع الدولي"، مشدداً على أنّ "المقاومة مستمرة وقد استعادت عافيتها".
هذا واستقبل الفلسطينيون اليوم الأول من العام الجديد، بمجزرة جديدة ارتكبها جيش العدو في جباليا شمالي قطاع غزة. فيما ذكرت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية، في تقرير، أن حركة "حماس" اقترحت هدنة لمدة أسبوع، من دون أن تشمل تبادلاً للأسرى، ستعمل خلالها على إحصاء الأسرى الإسرائيليين الذين يمكنها الإفراج عنهم (لاسيما الاحياء منهم) وتقديم قائمة بأسمائهم مع انتهاء اليوم السابع من الهدنة. الى ذلك، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت استقالته من الكنيست بعد شهرين على إقالته من وزارة الدفاع. وقال، في كلمة متلفزة، إنه قرر الاستقالة من الكنيست واعتزال الحياة السياسية مؤقتاً.
وعلى المقلب الآخر، كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، أمس الأربعاء، أن منفذ هجوم نيو أورليانز، الذي أوقع قتلى وجرحى، يُدعى شمس الدين جبار وعمره 42 عاما وهو مواطن أميركي من تكساس وخدم في الجيش الأميركي سابقاً. كما أعلن "إف بي آي" أنه تم العثور على راية تنظيم "داعش" في المركبة المستخدمة في عملية الدهس.
وفي جولة الصحف العربية الصادرة اليوم والتي لم تغب عنها القضايا السياسية العالقة من الحرب الاسرائيليّة على غزة إلى الواقع السوري وتداعياته، حيث:
سلطت صحيفة "الخليج" الاماراتية الضوء على المعاناة الفلسطينية المتفاقمة قائلة "رغم أن شبح الموت أصبح قدراً لمئات آلاف النازحين في قطاع غزة، إلا أنه يمنحك هامشاً واسعاً من الديمقراطية وحرية الاختيار للطريقة التي يمكن أن تموت بها، ويمنح المجتمع الدولي أيضاً صكوك البراءة من قبول ديكتاتورية الموت". وأضافت "تعددت الأسباب والموت واحد.. بالنسبة للجندي الإسرائيلي لا يهم كيف تموت وإنما المهم هو أن تموت، وهو بحد ذاته يمكن أن يعتبر "إنجازاً" حتى لو كان عرضياً".
ولفتت صحيفة "القدس العربي" إلى أنه "في حمأة المقتلة الدموية للفلسطينيين، وفي استعارة همجية لصورة الألعاب النارية المنتشرة في سماوات العالم، كانت إسرائيل تضيء سماء قطاع غزة بالقذائف والصواريخ، وتتابع تدميرها ليس للحياة فحسب بل كذلك لإمكانيات النجاة"، معربة عن خيبتها من "ترك العام الآفل للفلسطينيين تحت رحمة عدوّ لا يرحم، وآلة قتل لا تتوقف.. وتركهم بانتظار دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الجديد، الذي يطالب الضحايا بتقديم الحل… وإلا!".
من جهتها، رأت صحيفة "الوطن" القطرية أن "القيادة السورية الحالية تسير في الاتجاه الصحيح إذا أخذنا في الاعتبار عددا من المؤشرات، كما أنها حظيت في فترة قصيرة بدعم إقليمي عربي ودولي نادر.. لكنها لا تزال في عين العاصفة"، معتبرة أن "كل المؤشرات الإيجابية لا تعني أن السفينة قد وصلت إلى برّ الأمان، بل إن الأخطار الداخلية لا تزال قائمة بسبب تراكمات جرائم الأقليات وارتباطها بأجندات أجنبية. وهو الأمر الذي يفرض على القيادة الجديدة تحديات ضخمة أولها تتعلق بالموازنة بين محاسبة المجرمين من جهة والحفاظ على اللحمة الوطنية من جهة ثانية".
وقارنت صحيفة "الوطن" البحرينية بين الدول الخليجية "التي تتسابق لمد يد العون لأشقائنا السوريين وإعانتهم على تخطّي معاناتهم "، وبين إيران "التي تصرح مهدّدةً الشعب السوري بأن الفوضى ستعود، وتقول له لا تفرح كثيراً فمحورنا الذي سمّيناه "مقاومة" سيعود خلال سنة"، مشددة على أن "دول الخليج تسعى للسلام والازدهار والتنمية، والنظام الإيراني مُصرّ على سياسته السابقة وتبنّي الفوضى في المنطقة".
وأشارت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى أن "بناء دولة ديمقراطية موحدة مستقرة فى سوريا بعد نصف قرن من الاستبداد ليس مستحيلا، فهناك دول كانت أكثر تنوعا من سوريا نجحت في ذلك وأصبحت نموذجا ومثالا للتعايش والاستقرار رغم تنوعها الكبير"، موضحة أن "من أهم عوامل استقرار هذه الدول وجود دستور توافقي يضمن المساواة والحقوق لجميع المواطنين أمام القانون، ومؤسسات قوية، واحترام التنوع، وتعزيز الحوار وقبول الآخر…".
بدورها، قالت صحيفة "الغد" الأردنية، في مقال لافت، إن "التوتر من استبدال النفوذ الإيراني بالنفوذ التركي، توتر مبالغ به، وسيزيد تعقيدات الاقتصاد الأردني، لأننا إذا بقينا متفرجين فإن هذا الاستبدال لن يكون سياسيا وحسب، بل سنراه اقتصاديا بشكل واضح". وخلصت الى أن "الأردن عليه التحرك اقتصاديا، بشكل أسرع من الجانب السياسي، وذلك على مسربين أولهما تنشيط التجارة بين البلدين في الوقت الحالي بأعلى درجة ممكنة، وإرسال وفود أردنية اقتصادية إلى دمشق، واستقبال وفود، وتطوير العلاقات على مستوى التبادل".
(رصد "عروبة 22")