الأمن الغذائي والمائي

العرب وقضايا المياه

على نحو لافت عُقد في المملكة العربية السعودية مؤخرًا قمّة أُطلق عليها "مياه واحدة" وذلك بحضور رؤساء غربيين أبرزهم الرئيس الفرنسي، فضلًا عن الرئيس الكازاخي، ورئيس البنك الدولي. وإذا كان الإتجاه الرئيسي في هذه القمّة هو الإعلان عن تمويل سعودي لمشروعات مائية في دول تعاني من الشح والجفاف، إلا أنه وفي السياق نفسه تم إبراز قضية المياه وأهميتها في هذه المرحلة، وذلك بعد عقود زمنية تحدث فيها ساسة وعلماء وخبراء عرب عن حروب مياه قادمة في منطقتنا ولعل أبرزهم بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة.

العرب وقضايا المياه

وذهب البعض إلى أنّ أحد أهم معطيات حروب الشرق الأوسط هي المياه إذ يتم تفسير دوافع حرب ١٩٦٧ من هذه الزواية، ويتم الإستدلال على ذلك بإستيلائها على نزح مياه نهري الأردن والليطاني فضلًا عن نزح مصادر المياه الجوفية من الجولان السورية إلى إسرائيل بوسائل متعددة.

لم تتبلور في السياق السياسي آليات رصد ومتابعة مناسبة للتعامل مع مسألة شح المياه وجفاف المنطقة العربية

كما يتم النظر إلى سد النهضة الإثيوبي أيضًا من بعض الزوايا على أنه آلية إسرائيلية للحصول على مياه نهر النيل بعد أن تعطل مشروع الرئيس السابق أنور السادات في ما سمي بـ"ترعة السلام"، وذلك في ضوء وجود إهتمام من جانب الدوائر الصهيونية في الاتصال بالحكومة البريطانية عام ١٩٠٣ لإرسال البعثات الفنية بهدف إجراء الدراسات المتخصصة حول إمكانية سحب جزء من مياه نهر النيل إلى سيناء، ومن ثم جر هذه المياه إلى صحراء النقب لتطويرها وبناء المستعمرات اليهودية فيها طبقًا لما جاء في أعمال المؤتمر العلمي لجامعة أسيوط عام ١٩٩٨ والذي طرح إشكالية شح المياه في المنطقة العربية ورصد طبيعة الأداء الإسرائيلي تاريخيًا في هذه المسألة.

يمكن القول إنّ الخطاب السياسي العربي لم يفرد لقضايا المياه ومصادرها وشحها أهمية متمايزة سواء في إطار الصراع العربي الإسرائيلي، أو في إطار قضايا التنمية، كما لم تتبلور في السياق السياسي آليات رصد ومتابعة مناسبة للتعامل مع مسألة شح المياه وجفاف المنطقة العربية.

في هذ السايق يمكن رصد إتجاهين للسياسات العربية في هذا الإتجاه، الأول تكوين المجلس العربي للمياه عام ٢٠٠٤ ومقره القاهرة، حيث نشأ كمنظمة غير هادفة للربح، لا دور لها في رسم السياسات، وإن كان من أدوارها التنبيه للمخاطر وهو ما فعلته بنجاح. هذا المجلس هو طبقًا للأدبيات الدبلوماسية يصنّف كمسار ثانٍ، حيث تولى رئاسته وزراء مياه سابقون خصوصًا من مصر، كما اقتصرت أجندته في غالبيتها على القضايا الفنية دون الأبعاد الإستراتيجية بأوزانها المطلوبة، ولكن بمقترحات محددة لسياسات بديلة كان من المطلوب تفعيلها في التوقيت المناسب.

أما الاتجاه الثاني فهو الإستزراع العربي في الدول كثيفة المياه، خصوصًا في مناطق شرق أفريقيا وشرق أوروبا، وهو أمر اتجهت إليه الدول الخليجية منذ تسعينيات القرن الماضي، كما اتجهت إليه مصر أيضًا خلال العقد الأخير.

قمّة "مياه واحدة" التي جاءت على هامش مؤتمر الأطراف الـ١٦ لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في الرياض، هي خطوة لاحقة لإنشاء المنظمة العربية للمياه بالرياض أيضًا وهي المنظمة التي توجت جهودًا سعودية لتكثيف مجهودات الحصول على المورد المائي سواء عبر التحلية أو غيرها.

من الأهمية طرح بعض الأفكار للنقاش الدولي في المؤتمر المشترك مع المجلس العالمي للمياه

ولعل أهم ما طرحه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته بقمّة "مياه واحدة" هو أنه سوف يتم استضافة المنتدى العالمي للمياه بالرياض عام 2027 بالتعاون مع المجلس العالمي للمياه. وطبقًا لهذه الأجندة التي نجدها مستجيبة بنجاح للتحديات الماِثلة أمام العرب بشأن المياه، فمن المتوقع أن تنشط الديبلوماسية السعودية في قضايا المياه في المرحلة المقبلة ويكون من الأهمية بمكان في هذا الإطار طرح بعض الأفكار الجدير الاهتمام بها وطرحها للنقاش الدولي خصوصًا في المؤتمر المشترك مع المجلس العالمي للمياه، منها الاهتمام بمسألتين، الأولى الأوضاع القانونية للمياه العابرة للحدود، ونحن هنا نتكلم عن ثلاثة أنهار في المنطقة العربية وهي دجلة والفرات ونهر النيل، وذلك لتأسيس صيغ تعاونية وليس صراعية بين دول هذه الأنهار، وهما بالأساس إثيوبيا وتركيا اللتان باتتا تؤثران بحجزهما للمياه المشتركة على مقدرات كل من مصر والعراق وسوريا.

أما المسألة الثانية، فهي المياه المهدرة لنهر النيل بالمستنقعات في عدد من الدول ومنها جنوب السودان وأوغندا، وهي المستنقعات التي يمكن أن تضيف ٥٦ مليار متر مكعب من المياه إلى الموارد الشاملة لنهر النيل لتقترب في هذه الحالة من ١٤٠ مليار متر مكعب.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن