الاقتصاد العربي.. وضرورات التكامل

أميركا ونهاية "عصر اللّيبيراليّة الاقتصاديّة"... ماذا يفعل العرب؟

القاهرة - أحمد أبو المعاطي

المشاركة

تؤشّر حزمة الإجراءات الاقتصاديّة التي أعلن عنها الرّئيس الأميركي دونالد ترامب، والمُقرّر البدء في تنفيذِها خلال فترة ولايتِه الثّانيّة، إلى نهاية دراميّة لـ"عصر اللّيبيراليّة الاقتصاديّة"، التي تبنّتها العديد من البلدان العربيّة على مدار عقودٍ كطريقٍ للتّنمية المُستدامَة، وهو ما بات يَفْرُضُ العَمَلَ على إدخالِ تعديلاتٍ جوهريّة على العديد من السّياساتِ الاقتصاديّة الحاكِمة في المنطقة العربيّة، على نحوٍ يَتماشى مع النّظام الدّولي النّاشِئ، الذي سوف يُحرّكُه بشكلٍ كبير، مفاهيم القوميّة الاقتصاديّة والمُنافسات الجيوسياسيّة، بين اللّاعبَيْن الرّئيسيّين في النّظام العالمي الجديد.

أميركا ونهاية

يتوقّع الكثير من الخُبراء، أن تشهدَ العديدُ من بُلدانِ العالم، العديد من التّحدّيات خلال فترة ولايَة ترامب الثّانيّة، خصوصًا إذا ما نفَّذ الأخير وعودَه الانتخابيّة، بفرضِ رسومٍ جمركيّة على جميع السِّلَع المُسْتَوْرَدَة، والشّروع في إجراءات حِمائيَّة أخرى من أجل دعم القطاعات الاقتصاديّة المحلّيّة، وهي الإجراءات التي قد تدفع العديد من الدّول المُتضرِّرة وعلى رأسِها الصين، إلى الرّد بإجراءات حِمائيّة أخرى، ما قد ينتهي إلى تعليق العمل بالآليّات الخاصّة بحلّ النّزاعات في مُنظّمة التّجارة العالميّة، وما قد يَتبع ذلك بالضّرورة من انهيارٍ كاملٍ للنّظام التّجاري الدّولي،  وهو الأمر الذي يُجدِّد، حسبما يرى الكثير من الخُبراء، الحديثَ حول أهميّة التّكامل الاقتصادي في النّظام العربي الحالي، حيثُ يُمكنُ للدّول العربيّة من خلال تكاملٍ اقتصاديٍ إقليميٍ مُنضبِط، الوصول إلى نموٍّ اقتصاديٍ حقيقي يُساهم بالانخراط في الاقتصاد العالمي، من خلال مشاركةٍ واسعةٍ في سلاسِل القيمةِ والإمداد، واعتبار ذلك جزءًا أصيلًا من استراتيجيّة التّنميّة في المنطقة العربيّة.

لا يرى الكثير من خُبراء الاقتصاد، في اقتراحِ ترامب بضرورةِ فرضِ الرّسوم الجُمركيّة على جميع الواردات إلى بلادِه، أي بادِرة أمَل في دفعِ الاقتصاد الأميركي إلى الأمام، بلّ إنّ الكثيرين منهم يقولون إنّه قد يَسْحَق الاقتصاد تمامًا، في ظلّ توقّعاتٍ بتضاعفِ معدّل التّضخّم في الاقتصاد الأميركي، إلى نحوٍ قد يصل إلى 3.7% بحلول نهاية العام 2025، وهو ما يعني حَسْبَ دراسةٍ لوِحدة "بلومبرغ إيكونوميكس للأبحاث"، أنّ المُستهلكين الأَميركيّين قد يَخسرون ما بين 46 مليار دولار و78 مليارًا من القُدْرة الشّرائيّة سنويًّا، إذا ما فُرِضَت تِلك التّعريفات، التي تَعكس ملامِح السّياسة الجديدة التي سوف يَنتهجُها الجُمهوريّون، الذين أصبحوا الآن يُمثّلون حزب القوميّة الاقتصاديّة، التي باتت تُمثِّل تَحِدِّيًّا كبيرًا للعَوْلمة في السّنوات الأخيرة، في ظلّ ما تُنادي به حسبما يرى الدّكتور أحمد عبد الكريم، أستاذ الاقتصاد والعلوم السّياسيّة، من سياساتٍ تَعمَل على تفعيلِ الدَّور النَّشِط للحُكومات في السّياسة الاقتصاديّة، وهي السّياسة التي لا تزال الكثير من الأحزاب اليَمينيّة في أوروبّا، بما في ذلك التي تُوصف بأنّها "يَمينيَّة شَعبويَّة"، ملتزمةً بها في التّعامل مع قضايا الهُويّة والهِجرة.

لن تؤدّي الاضطرابات التي سوف تُحْدِثُهَا "أجندة" ترامب الاقتصاديّة، إلى نهاية عصر اللّيبيراليّة الاقتصاديّة فحسب، لكنّها سوف تفرض كذلك على العديد من بلدان العالم، ضرورةَ البحثِ السّريع، عن  تحقيق التّوازن بين مصالحِها الاقتصاديّة بيْن القُوَّتَيْن العُظْمَيَيْن، الولايات المتّحدة الأميركية من جهة، والصّين من جهة أخرى، في ظلّ ما سوف تشهده سلاسِلُ التّوريد العالميّة من ارتباكٍ كبير، قد يُفضي في النّهاية إلى ابتكار أنظمَةِ دفعٍ جديدة عبْر الحدود، غير قائمةٍ على الدّولار، في ظلّ اشتعالٍ مُتوقّع للنّزاع التّجاري بين أميركا والصّين، وهو حسبما يرى الدّكتور تامر محمد سامي، الاستاذ في كليّة الدّراسات الاقتصاديّة والعلوم السّياسيّة بجامعة الاسكندريّة، أحد أبرز الآثار الجانبيّة لفكرة الحِمائيّة التي سعت أميركا لاتخاذها ضدّ الصّين منذ عام 2006، كردّ فعل على استخدام الأخيرة للعديد من السّياسات الحِمائيّة، التي تتمثّل في الإعانَات والدّعم المالي الذي تُقدِّمُه الحُكومة الصّينية لمُصدِّريها المحليّين، بهدف تعزيز القُدرة التّنافسيّة لمنتجاتِها في الأسواق العالميّة.

ويقول سامي إنّ حرب الرّسوم الجُمركيّة بيْن البَلدَيْن، بدأت عمليًّا في عهْد الرّئيس الأميركي الأسْبق باراك أوباما في عام 2009، عندما قامت الولايات المتّحدة بفرضِ تعريفاتٍ جمركيّةٍ على الإطاراتِ الصّينيّة، في ظلّ ما أحدثتْه الزّيادة الهائلة في وارداتِها من ضررٍ بالغ بالصّناعة المحليّة الأميركيّة، وقد ردّت الصّين بالمثل، عندما فَرضَت ضرائب تصل إلى 105% على أقدام الدّجاج الأميركيّة في العام عينه!

ما الذي يمكنُ أن يفعلَه العرب إذنْ أمام تلك التّغيّرات الجديدة التي سوف يشْهدها العالم مع ولاية ترامب الثّانيّة؟

الحقيقة أنّه لن يكون هناك بديل أمام العرب سِوى التّكامل الاقتصادي، والقضيّة لا تكمُن في ضرورةِ تحوّل العالم العربي إلى قوّة اقتصاديّة، مؤهَّلة لخوضِ حروبٍ تجاريّة مع دولٍ أخرى، بقدْر ما تتعلّق بضرورةِ اتّخاذِ إجراءاتٍ عمليّة باتجاه إقرارِ سياساتٍ اقتصاديّة مُشتركة بيْن الدّول العربيّة، لمعالجةِ العديد من الأزمات والتّحديّات التّنمويّة، التي تلعب دورًا كبيرًا في إعاقة هذا التّكامل الذي لعبَت الخِلافات الجيوسياسيّة بيْن الدّول الأعضاء في جامعة الدّول العربيّة، دورًا كبيرًا فى تقويضِ آفاقِه، بل واستخدامِه في بعض الاحيان كأداةٍ للضّغط المُتبادل.

وتقول الدّكتورة عبير محمد علي، أستاذة الاقتصاد بكلية الإدارة والتّكنولوجيا، بالأكاديميّة العربيّة للعلوم والتّكنولوجيا والنّقل البحري، إنّه على الرّغم من الجُهود التي بذلتها العديد من الدّول العربيّة، من أجل تحقيق التّنمية الاقتصاديّة على المستويَيْن المحلّي والاقليمي، إلّا أنّ هذه الجهود شهدَت تراجعًا كبيرًا خلال العقد الماضي، في ظلّ ما تواجهُه المِنطقة من تَحدّيات تتعلّق بقصورِ المَوارد التّمويلية المُتاحَة للتّنمية، والافتقار إلى سياساتٍ اقتصاديّة تتَّسق مع التّطورات العالميّة، وقد باتَ على صُنّاع السّياساتِ في الدّول العربيّة الآن، إدراكَ أنّ مسارات التّنمية التي تمّ الاعتماد عليها في الماضي، لم تعد قادرةً على تحقيق الأهداف الانمائيّة المرجوّة.

لا بديل أمام ما سوف يَشهدُه العالم من تَغيُّرات مع مطلع العام الجديد، سوى تكاملٍ اقتصادي عربي، قادر على تحقيق تغيّر نوْعي، وخلق فرص استثماريّة كبيرة، تُنْتِجُ فُرص عملٍ مُتنوّعة. ويقول الدّكتور خيري فرجاني أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، إنّ مثل هذا التّكامل من شأنِه أن يلعبَ الدّور المطلوب، في تقوية وتحسين أُسُس التّعاون مع دول العالم، على أساس مبدأ حماية المَصالح الاستثماريّة المُشتركة، مشيرًا إلى أنّ الدّول العربيّة بما تملكُه من وفرة في الموارِد الاقتصاديّة، بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي والإرث التّاريخي والثّقل الإقليمي، يمكن أن تلعبَ دورًا كبيرًا يُعبّر عن حجمِها الحقيقي، وإقامة أفضل العلاقـات الاقتصادّية على أساس المصالِح المتبادلَة والتّكامليّة مع مختلف دول العالم.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن