تتعقد مفاوضات وقف النار في غزّة رغم كل ما يرافقها، في كل مرة، من نشر أجواء ايجابية ليعود "ويتمخض الجبل ويولد فأراً". وفيما يئن القطاع المُحاصر من الجوع والتهجير، يُمعن الاحتلال الاسرائيلي في ارتكاب المجازر واستهداف البنى التحتية، لاسيما القطاع الصحي والاستشفائي، فبعد مستشفى كمال عدوان الذي جرى إحراقه واعتقال مديره حسام أبو صفية في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، خرج المستشفى الاندونيسي شمال القطاع، بشكل كامل عن الخدمة، ولم يعد يقدم أي خدمات للمرضى أو الجرحى.
وعلى الرغم من الضغوط الداخلية المكثفة الممارسة على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لعقد صفقة فوراً تقضي بإطلاق سراح الرهائن الذين تتدهور ظروفهم الصحية والنفسية ايضاً، يراوغ نتنياهو ويختلق العثرات والذرائع الى حين موعد وصول الرئيس المُنتخب دونالد ترامب الى البيت الأبيض.
أمام هذا المشهد المبكي إنسانيًا، نشرت "كتائب القسام"، تسجيلاً جديداً لأسيرة إسرائيلية، مجندة في الخدمة الفعلية تدعى ليري ألباج، والتي وجهت انتقادات لاذعة للحكومة الاسرائيلية متهمة إياها بالتقصير في تحريرها وبقية الأسرى. ويأتي ذلك بالتزامن مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات في الدوحة. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن "إن إدارة الرئيس جو بايدن، لا تزال تعتقد أن التوصل إلى اتفاق يعيد المحتجزين إلى ديارهم، هو أسرع السبل وأكثرها فعالية لإنهاء الصراع في غزة بشكل دائم"، مشيراً إلى أن الإدارة أمضت شهوراً تعمل على خطة ما بعد الحرب مع العديد من البلدان، خصوصاً مع "الشركاء العرب".
ويشغل "اليوم التالي" بعد الحرب اهتمام الجانبين الأميركي والإسرائيلي بظل رفض تام بأن يكون لحركة "حماس" أي وجود في القطاع. وهذا ما يجعل تل أبيب تقترح سيناريوهات لتطبيقها على وقع الابادة الجماعية والتطهير العرقي المستمر، لاسيما في شمال القطاع، حيث عمد الاحتلال، أمس، الى تدمير حياً سكنياً مكوناً من عدة بنايات في بلدة بيت حانون. في السيّاق، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن تدمير الحي تم في إطار خطة فرقة غزّة في الجيش الإسرائيلي لهدم آلاف المنازل والمنشآت لصالح المنطقة العازلة في القطاع.
وبإنتظار ما سيرشح عن جلسة المفاوضات الجديدة دون إعلاء سقف التوقعات، يتواصل الدعم الاميركي لاسرائيل حيث أبلغت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس "بصورة غير رسمية"، عن صفقة أسلحة مقترحة بقيمة 8 مليارات دولار. وتشمل الصفقة ذخائر للطائرات الحربية والمروحيات الهجومية، بالإضافة إلى قذائف مدفعية وصواريخ جو - جو. وبحسب "أكسيوس" فإنه، على الرغم من مطالب بعض أعضاء الحزب الديمقراطي، بربط مبيعات الأسلحة ، بإيجاد آلية لمعالجة الحرب والوضع الإنساني في غزّة، إلا أن بايدن رفض وضع شروط على هذه الصفقة.
في المقابل، تتصاعد الخروقات الاسرائيليّة في جنوب لبنان مع استمرار قوات العدو بخرق اتفاق الهدنة بشكل يومي وسط تسريبات اعلامية عن نيته بالبقاء أكثر من المهلة المحددة بـ60 يوماً، والتي من المفترض أن تنتهي في 27 من الشهر الحالي. وأفادت "هيئة البث الإسرائيلية" بأن الحكومة ستبلغ واشنطن بأنها لن تنسحب من لبنان بعد انتهاء المهلة الحالية، مشيرة إلى أن إسرائيل ستنقل أيضًا رسالة إلى الولايات المتحدة بعدم السماح لسكان القرى اللبنانية القريبة من الحدود بالعودة إلى منازلهم، مما يزيد من حدّة التوترات على الخطوط الأماميّة.
ويترافق ذلك مع الزيارة التي سيقوم بها الموفد الرئاسي أموس هوكشتاين الى لبنان غداً، الاثنين، حيث سيكون على جدول لقاءاته تطبيق قرار التسوية والملف الرئاسي، الذي يشغل بال المجتمع الدولي الذي يدفع بإتجاه انتخاب رئيس وإعادة إحياء المؤسسات الدستورية. في حين، برزت جولة الوفد السعودي، الذي وصل الى لبنان يوم الجمعة الماضي برئاسة الامير يزيد بن فرحان المشرف على عمل اللجنة السعودية المعنية بملف لبنان، حيث أجرى عدة لقاءات بعيدة عن الأضواء مع القيادات والمسؤولين اللبنانيين. وبات من المعروف أن السعودية، كما الولايات المتحدة الاميركية، تدعمان وصول قائد الجيش جوزف عون الى سدة الرئاسة، إلا أن ذلك يقابله رفض من قبل الثنائي الشيعي و"التيار الوطني الحر" اللذان يدفعان بإتجاه أسماء آخرى وهما إما جورج خوري او إلياس البيسري.
هذه المستجدات تضع جلسة الـ9 من كانون الثاني/ يناير في مهب الريح بحال فشل الافرقاء اللبنانيين بالتعالي عن الخلافات والوصول الى اسم مقبول داخلياً ولا يشكل رفضاً خارجياً خاصة أن لبنان مقبل على استحقاقات كبيرة. فيما التغيرات الداخلية والاقليمية، لاسيما على ضوء التطورات السورية والحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان، تلقي بظلالها على هذا الملف الشديد الحساسية والتعقيد. وغداة هذا التحرك السعودي، توالت الزيارات والتصريحات الخاصة بـ"حزب الله"، لتطويق أي تفاهمات لا ترضي الحزب وأولوياته. ومن هنا كانت دعوة أمينه العام نعيم قاسم إلى انتخاب رئيس للجمهورية بالتفاهم بين الكتل النيابية، معرباً عن "حرص حزب الله على أن يأتي هذا الاستحقاق بالتوافق والتعاون، بما يضمن المصلحة الوطنية العليا". وأشار إلى أن "الإلغائيين لا فرصة لهم، والاستحقاق لا ينجز بالإستقواء".
أما في سوريا، فالمشهد على حاله بين انفتاح دولي وعربي وتحديات داخلية تقع على عاتق الادارة السياسية الجديدة، مع ما يرافق ذلك من تعديات اسرائيليّة واشتباكات مستمرة مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وتخوف تبرزه الأقليات في مجتمع يقوم على التعددية والتنوع وهو على مستوى عالي من التعقيد، خاصة أن السوريين الذين عانوا من بطش النظام السابق لن يقبلوا بتطويعم مجدداً او اعادتهم الى ما قبل سقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وفي التطورات الاخيرة، أعلنت هيئة الطيران المدني والنقل الجوي في سوريا عن بدء استقبال الرحلات الجوية الدولية من وإلى مطار دمشق الدولي، اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل. أما سياسياً، فأبدى وزير الخارجية أسعد الشيباني، عزمه القيام بجولة خارجية، الأسبوع الحالي، تشمل قطر والإمارات والأردن وذلك بعد الزيارة التي قام بها الى المملكة العربية السعودية، والتي شكلت أول زيارة خارجية له. وجاء إعلان الشيباني، فيما استأنفت دولة تشيكيا العمل بسفارتها، وفي وقت أعلنت فيه أذربيجان، إعادة فتح سفارتها في دمشق، بعد انقطاع دام 12 عاماً.
إلى ذلك، تطرق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى التطورات السورية قائلاً "حرصنا منذ بدء الأحداث في سوريا على النأي بالعراق عن الانحياز لجهة أو جماعة". وأضاف "هناك من حاول ربط التغيير في سوريا بالحديث عن تغيير النظام السياسي في العراق، وهو أمر لا مجال لمناقشته". وأوضح أن "المنطقة شهدت منذ أكثر من سنة تطورات مفصلية نتجت عنها تغيرات سياسية مؤثرة".
وهيمن المشهد الفلسطيني بتحدياته وتداعياته على عناوين ومقالات الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث:
تطرقت صحيفة "الخليج" الإماراتية الى جولة المفاوضات الجديدة واصفة إياها بالـ"عقيمة التي تتأرجح منذ أكثر من عام بين التشاؤم والتفاؤل، وأغلب الانطباعات حولها كانت مصطنعة وغير نزيهة، وبعد كل الدمار الشامل في غزة لم يعد هناك معنى للاستعراض الدبلوماسي والإيهام بأن إنهاء الحرب بات قريباً"، مشددة على أن "واقع الحال يؤكد استمرار التداخل الفظيع بين المأساة الإنسانية المتفاقمة وحرب الإبادة، التي طبقت أصداؤها الآفاق، وتكاد تصبح أمراً عادياً لا يكترث إليه أحد".
وركزت صحيفة "الدستور" الأردنية على "إحباط نتنياهو كافة مبادرات الوسطاء، حيث لم يستقبل اقتراحات حركة حماس التسهيلية بالقبول والرضى، بل نظر إليها وتعامل معها، على أن ما قدمته هو تعبير عن ضعفها"، لافتة إلى أن "نتنياهو لا مصلحة له بوقف إطلاق النار، ولكنه يُمارس التضليل في مواجهة الجيش والأجهزة الأمنية الذين يُصرون على أهمية وقف إطلاق النار، وكذلك لا يملك الحجج والذرائع لمواصلة الحرب أمام عائلات الأسرى الإسرائيليين، وكذلك يسعى لإظهار الانتصار أمام لجنة تحقيق لاحقة بشأن التقصير في معالجة عملية 7 أكتوبر وتداعياتها".
بدورها، تناولت صحيفة "الوطن" القطرية دخول القرار الإسرائيلي بحظر وكالة "الأونروا"، حيّز التنفيذ نهاية الشهر الجاري، ما سيمنعها من تقديم خدماتها لملايين اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، موضحة أن هذا القرار يعني "محاولة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وتجاوز كل القيم الإنسانية، وإن تم ذلك فهو بمثابة جريمة جديدة ضمن جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، خاصة اللاجئين الذين تم طردهم من أراضيهم المحتلة منذ عام 1948".
وانتقدت صحيفة "الأهرام" المصرية، في مقال، عملية "طوفان الأقصى" قائلة "ما حدث كان يفتقد إلى الحسابات الصحيحة دون معرفة لعواقب قراراتها، وما آلت إليه الأمور من كارثة سياسية وعسكرية وإنسانية. ومن لم يستطع صون كرامة وعزة المواطن فعليه أن يتحلى بالشجاعة للاعتراف بأفعاله وأن ينهي مشكلة الرهائن ذريعة إسرائيل التي تستخدمها لقتل وإبادة الأبرياء". وتساءلت: "هل تملك الفصائل في غزة شجاعة القرار وتنهي ذريعة الاحتلال في قتل المدنيين؟".
من جهتها، دعت صحيفة "الشروق" الجزائرية إلى "إعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس وطنية موحدة، بعيداً عن الحسابات الضيقة والمصالح الآنية"، مؤكدة على أن "الحلول لن تأتي من الخارج، بل من الداخل الفلسطيني نفسه، عبر إستراتيجية شاملة تعيد ترتيب الأولويات وترفع من مستوى المقاومة الشعبية والدبلوماسية على حد سواء". وخلصت إلى أن "القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي اختبار لضمير الإنسانية. إنها تذكير دائم بأن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن الشعوب التي تقاتل من أجل حريتها لن تُهزم مهما طال الزمن".
وفي الملف السوري، رأت صحيفة "البلاد" البحرينية أن (القائد العام للإدارة السياسية الجديدة في سوريا أحمد) "الشرع الذي تقصد تهدئة مخاوف الدول العربية والأجنبية، أقلق الداخل السوري، إذ إنه حين تحدث عن الدستور الجديد أعطى نفسه مهلة ثلاث سنوات لكتابة دستور جديد"، معتبرة أن "المقلق في الأمر ليس طول المدة، بل غياب التمسك بأية وجهة محددة أو أي نص دستوري أو قانوني من الآن وحتى إتمام الدستور الجديد، فعلى أي مرتكز قانوني أو دستوري تسير وتستند السلطة في سوريا الآن؟".
(رصد "عروبة 22")