جاءت قمة العلمين الثلاثية في توقيت بغاية الحساسبة، حيث تنوع واضطراب الأحداث في ظل سباق عالمي للريادة وكسر هالة القطب الواحد لصالح عالم متعدد الأقطاب، وفي وقت يمثل فرصة جيدة ومناسبة للشعب الفلسطينى الذي يعاني من حكومة إسرائيلية هي الأكثر تطرفًا في التاريخ، إذ لا تزال عمليات التهجير والاستيطان والاغتيالات والاعتقالات مستمرة، لذلك كان ضروريًا وفي هذا التوقيت أيضًا أن يؤكد القادة الثلاثة الرئيس السيسي والملك عبدالله الثانى، ملك الأردن، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، خلال القمة، أنّ حل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام العادل والشامل هو خيار استراتيجي وضرورة إقليمية ودولية ومسألة أمن وسلم دوليين، ويشددون على أن السبيل الوحيدة لتحقيق هذا السلام هو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه غير القابلة للتصرف، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتجسيد دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
ولأن القمة تأتي كذلك في ظل أوضاع عالمية صعبة، مع استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، واضطراب الأوضاع في المنطقة بشكل عام، فإن هذه الظروف المضطربة اقتصاديًا وسياسيًا وعلى جميع المستويات تقريبًا إنما هي بمثابة فنار الإضاءة لسفينة العدالة التي كانت قد ضلت سبيلها حتى اشتدت الرياح في الغرب، الذى بات ينادي بوقف الانتهاكات وإيقاف آلة الحرب التي تهدد حياة البشرية، خصوصًا بعد التلويح باستخدام السلاح النووي، كما توازت القمة مع حالة الارتباك الأمريكي، بعد أن صار مؤكدًا أن العالم سيشهد مباراة جديدة بين ترامب وبايدن بعد أن أعلنا رسميًا ترشحهما في انتخابات 2024، وذلك مع مواجهة ترامب تحقيقات جنائية لدوره في اقتحام الكونجرس، غير عدد من الدعاوى القضائية الجاري النظر فيها أمام القضاء، كما أن بايدن يثار جدلٌ حوله لكبر سنه إذ يبلغ من العمر 80 عامًا، إضافةً إلى الأزمة الممتدة لأمريكا في الشرق الأوسط، وضلوعها في جميع الصراعات، التي يبدو أنها لا تجد مصلحتها في هدوء الأجواء، بل ربما تنحاز إلى نقل دائرة الصراع نحو أقاليم أخرى مثل أفريقيا، مثلما هو الحال في السودان أو النيجر.
وفي ظل هذه الأجواء وتحوّل العديد من الأطراف عن الاعتداد بالموقف الأمريكي، وبعض الشواهد الأخرى التي تؤكد إعادة تقييم العلاقات، مثل الاتفاق السعودي الإيراني، الذي ربما تراه تحديًا لمصالحها، وتغييرًا قد يؤثر في إستراتيجيتها بالشرق الأوسط، فضلًا عن كونه تحدّيًا صينيًا، ومن الشواهد القريبة الدالة أيضًا على المستوى الغربي اعتزام الحكومة الاسترالية إعادة استخدام مصطلح (الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية)، واعتبار المستعمرات الإسرائيلية، غير قانونية، وهي الخطوة التي ثمنتها مصر وجامعة الدول العربية، ومن ثم فإن كل ذلك، يسهم بقوة في الدفع بنتائج التشاور والتعاون المستمر بين القادة تجاه القضايا المتعددة على كل المستويات، ولتوحيد الرؤى للتعامل مع التحركات السياسية، الإقليمية والدولية، والوصول لهذه الرؤية المشتركة للتعامل مع التحديات الراهنة ومنع تدهور الأوضاع في الأراضي المحتلة، بل أيضًا كسب المزيد من الإيجابيات، وفي ظل توقعات بمسودة اتفاق أمريكي سعودي إسرائيلي بحلول ديسمبر المقبل، ومع السعي الحثيث لوحدة الصف وإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، وتنسيق وجهات النظر الفلسطينية المتباعدة وإيجاد مشروع فلسطيني موحد، فإن تشديد القادة على وجوب تنفيذ إسرائيل التزاماتها وتعهداتها وفقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاتفاقات والتفاهمات الدولية السابقة، بما فيها تلك المُبرمة مع الجانب الفلسطيني، وكذلك الالتزامات السابقة المتعددة بما في ذلك ما جاء في مخرجات اجتماعي العقبة وشرم الشيخ، وتحمل مسؤولياتها ووقف اعتداءاتها وتهدئة الأوضاع على الأرض تمهيدًا لإعادة إحياء مفاوضات السلام، لتحقيق السلام العادل والشامل الذي تستحقه المنطقة وجميع شعوبها ولرفع الظلم على الشعب الفلسطيني.
("الأهرام") المصرية