قضايا العرب

السّيادة الليبيّة "ضائعة".. بين التنافس الأميركيّ - الروسيّ وجيوش المُرتزقة!

ليبيا، التي تستعدّ في شهر فبراير/شباط المُقبل للاحتفالِ بمرورِ 14 عامًا على الإطاحةِ بنظامِ العقيدِ الرّاحل معمّر القذّافي عام 2011، ما زالت تبحثُ عن طريقةٍ لنيْل استقلالِها الحقيقي، بِإزاحةِ القوّات الأجنبيَّة وجيوش المُرتزقة الأجانِب الموجودَة على أراضيها، على الرَّغم من احتفالاتِها الرَّسمية بمرورِ 73 عامًا مُؤَخَّرًا على نيْل استقلالِها رسميًّا!.

السّيادة الليبيّة

مَثَّلَ سقوطُ نظامِ الرَّئيس السُّوري الهارِب إلى روسيا بشّار الأسد، وتداعياته الإقليميَّة، فرصةً جديدةً للحديثِ عن النُّفوذ العسكري الروسي، الذي انتقلَ من دمشق إلى شرق ليبيا.

وفي إطار مُناكفتِهِ السِّياسيَّة التَّقليديَّة تجاهَ غريمِه المُشير خليفة حفتر قائد الجيش الوَطني في المِنطقةِ الشَّرقيَّة، استغلَّ رئيسُ حكومةِ الوِحدة المؤقَّتة عبد الحميد الدبيبة، اجتماعًا لقادة الاستخباراتِ العسكريَّة لدُوَلِ جوارِ ليبيا، في العاصمة طرابلس، في غيابٍ لافتٍ ومستغربٍ لمِصر، للتَّعهُّدِ بأنَّ بلادَه لن تسمحَ بأن تكونَ ساحةً لتصفيَة الحساباتِ الإقليميَّة والدَّوليَّة ومأوى للعَناصر العَسكريَّة الهَاربَة من بلدانِها.

وكان الدبيبة يُشير ضِمنيَّا إلى هروبِ قياداتٍ أمنيَّة وعسكريَّة في نظامِ الأسد، إلى ليبيا بالتّزامن مع معلوماتٍ عن نقلِ عتادٍ عسكري روسي إلى شرق ليبيا، الخاضِع لسيطرة حفتر.

اضطُّرَّت روسيا المُتَمَسِّكَة بقواعدِها العسكريَّة المُطلَّة على البحر المتوسِّط، إلى نقلِ معداتٍ عسكريَّةٍ تَشْمَلُ منظوماتِ دفاعٍ جوِّي إلى ليبيا، وِفق تقاريرَ إعلاميَّة غربيَّة، تجَاهلهَا حفتر، على الرَّغم من اجتماعِه المُستمرّ مع مسؤولِين أميركيّين.

وَوِفقًا لما قالَه مسؤول عسكري مقرَّب من حفتر، لـ"عروبة 22"، فإنَّ هذا الوُجودَ العَسكري هو نتيجةٌ لتداعياتٍ ما جَرَى في سوريا، من دون أنْ يُفصِح عن المزيدِ، لكنّه أضاف: "لدينا تعاون عسكري مُعلَن مع روسيا، بِحُكمِ أنَّ غالبيَّة السّلاح الذي يعتمد عليه الجيش الوطني، هو من إنتاجِها".

سرديَّة حفتر

هذه السَّرديَّة، الّتي لطالما التزمَ بِها الجيشُ الوطني منذ ظهورِ تقارير عن استعانتِه بمرتزقةِ المجموعةِ العسكريَّةِ الروسيَّةِ الخاصَّةِ المعروفةِ باسم "فاغنر"، تَهاوَت مع مشاركةِ هذه العناصر في الحربِ الفاشلة الّتي شنَّها حفتر في أبريل/نيسان عام 2019 بضوءٍ أخضر أميركي ومساهمةٍ مصريَّة وروسيَّة محدودة.

في المقابِل، استعانت حكومةُ الوِفاق السابقَة برئاسةِ فائِز السرَّاج، من مقرِّها في العاصمة طرابلس، بتركيا كحليفٍ عسكريٍ لكَبْحِ جماحِ حفتر، مُشَكِّلةً بذلك جيشًا مُختلطًا من قواتٍ نظاميَّة تركيّة إلى جانبِ مرتزقة سوريّين مُوالين لتركيا، تَمَّ جلبُهم من المناطقِ التي تُسيطر عليها في شمالِ سوريا، إلى غربِ ليبيا للعمل مع الميليشيات المُسلَّحةِ الدَّاعمةِ لحكومةِ السرّاج آنذاك.

وهكذا، أظهرَت الجهاتُ الفاعلةُ على مستوى الدَّولة القليلَ من الجُهدِ، لإخفاءِ حماستِها لنَموذجِ الحربِ بالوِكالةِ المُعتَمِد على المُرْتزقة في ليبيا.

وعلى الرَّغم من إشراف الأمَم المتَّحدة على هدنةٍ لوَقفِ القتالِ في جنيف عام 2020، ما زالت القُوَّات الأجنبيَّة تحتفظ بوجودِها العسكريّ في البِلاد. وأصبح تدفّقُ المُقاتِلين الإرهابيّين الأجانب إلى ليبيا، "رابع أكبَر تعبئة" في تاريخ الحركاتِ الجهاديَّة، مع اندلاعِ الحروب في سوريا، والجهادِ الأفغاني في الثَّمانينيَّات، وحربِ العراق عام 2003، المراتِب الثّلاث الأولى.

وفقًا لتَقريرِ خبراءِ الأمَمِ المُتّحدة، تواجهُ ليبيا تهديدًا أمنيًّا خَطيرًا من المقاتِلين الأجانِب والشّركات العسكريَّة الخاصَّة، الّتي انتهكَت القانون الدَّولي لمعاقبةِ الخُصوم المُحتملِين.

اقترح تقريرٌ لمجلسِ العُمومِ البَريطاني على الحكومةِ البريطانيَّةِ، إعطاء الأولويَّة للكشفِ وفَهْمِ أنشطةِ "مجموعة فاغنر" في ليبيا، التي تتحدَّى "النِّظام الدَّولي القائِم على القواعِد" بشكلٍ علني.

وتُقدِّر الأمَم المُتَّحدة وجودَ نحو 20 ألفًا من المُقاتِلين الأجانِب والمُرتزقةِ في ليبيا، بمن في ذلك سوريّون، وروس، وسودانيّون، وتشاديّون. لكنَّ إشارة الأمين العام للمُنظَّمة الدَّوليةِ إلى أنَّ تواجُدَ هؤلاءِ يُمثِّل انتهاكًا لاتفاقِ وقفِ إطلاقِ النّار، ومطالبتَه بانسحابِهم، لم تجِد أي صدًى يُذكَر لدى اللَّجنة العسكريَّة المُشتركَة، التي تضمُّ طرفَي الصِّراع اللِّيبي على الرَّغم من اجتماعاتِها المُتكرِّرة، من دون جدوى.

ومِن المُرجَّح، بحسبِ خبراء، ألَّا تغادرَ "مجموعة فاغنر" ليبيا قريبًا، مع زيادةِ ضغطِ الرّوس هناك، حيثُ لا تزال العديدُ من الجَماعاتِ المُسلَّحة المحلّيَّة تتنافسُ من أجل السَّيطرة والنُّفوذ في أي حكومة مستقبليَّة.

وعلى الرّغم من فرضِ حظرِ أسلحة، فإنّ تدفُّق المُقاتلِين الأجانِب والجماعات المُسلَّحة لا يزال مستمرًّا، ممّا يُعمِّق الأزمة التي ساهَمَ وجودُهم في تَفاقمِها، وصَعَّبَ من مهمَّةِ إيجادِ حلٍّ سلميٍ للصِّراع، كما أنّ ثمَّة مخاوفَ من تأثيراتٍ مهمَّة لانسحاب هؤلاء على مناطِق السَّاحل والصَّحراء الكبرى.

التَّنافس الدَّولي

هكذا يبدو أنّ ليبيا تدفعُ فاتورةً باهظةً للصِّراع الرُّوسي - الأميركي، حيث تعتبرها واشنطن مساحةَ نفوذٍ أوروبيَّة، وترْفضُ محاولاتِ روسيا تأسيسَ قواعد عسكريَّة، بالقربِ من الجناح الجنوبي لحلفِ شمال الأطلسّي، ردًّا على تمدُّدِه في حديقتِها الخلفيَّة.

لهذا كان غريبًا أنْ يحتفيَ الفُرقَاء الليبيُّون، بمناسبة مرور 73 عامًا على نيل ليبيا استقلالَها رسميًّا من الاحتلالِ الإيطالي.

لكنَّ المُناسبةَ طَرحَت العديدَ من التَّساؤُلات حولَ موعدِ الاستقلالِ الحقيقي، كونه شكليًّا حتّى لم يعُد قائمًا، في ظلّ هذه الغابةِ من الأسلحةِ والقوَّات الأجنبيَّة، بينما تفرَّغت النُّخبة الحاكمة للمُناكَفاتِ السِّياسيَّة والتَّصريحاتِ الكلاميَّة!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن